المراقب للمشهد الجيواقتصادي والسياسي العالمي يلاحظ حركة غير عادية تحكم سوق أسعار صرف العملات، وكأن هناك حرب عملات خفية تدور بين الاقتصادات الكبرى في العالم؛ بين الصين واليابان وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي وأمريكا …حيث فاقمت الأزمة الاقتصادية العالمية الصعوبات التي تعانيها هذه الاقتصادات؛ بما في ذلك محاولات خفض قيمة العملات لدعم الصادرات الوطنية، ضمن إطار المحاولات للخروج من حالة الركود …الوضع الراهن في أسواق العملات الدولية يدعو للتشاؤم بسبب بوادر معركة عملات بدأت تلوح في الأفق، بالمقابل معظم وزراء الدول الصناعية الكبرى، ومحافظو البنوك المركزية يَبدون وكأنهم يضعون رؤوسهم في الرمال كالنعام، ولايفضلون مواجهة الحقيقة خوفاً من انهيار قد يصيب الوضع برمته.. . الين الياباني فقد (30%) من قيمته أمام الدولار خلال الأشهر السبعة الأخيرة. الجنيه الاسترليني فقد حوالي (4%) من قيمته خلال إلـ (12) شهراً الماضية ليحتل المرتبة الثانية كأسوأ العملات أداءً بعد الين الياباني. الدولار الأمريكي بدأ بالارتفاع بعد سنوات من التراجع …اليورو، رغم تفاقم أزمة الركود الاقتصادي في أوروبا، لايزال قادراً على تحقيق زيادة ولو ضئيلة في قيمته…
المشكلة في اليابان أن لديهم أعلى معدلات ادخار في العالم على المستويين الخاص والعام… لذا ليس أمام البنك المركزي الياباني سوى خفض قيمة العملة الوطنية. وتبقى اليابان اليوم هي النموذج الأوضح في هذا المجال، الين يتراجع إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار، إذ تجاوز سعر صرف الدولار عتبة الـ (100) ين لأول مرة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. ولايوجد تفسير اقتصادي لهذا غير أن طوكيو تسعى للخروج من الانكماش بخفض قيمة العملة…
أمام هذا الواقع يَدَعي وزراء مالية الدول الصناعية الكبرى عدم وجود حرب عملات، وأن الموضوع متروك للعرض والطلب لتحديد قيمة العملات الوطنية. توجد اتهامات مباشرة لكل طرف أنه يستخدم أساليب غير نظيفة لخفض قيمة عملته الوطنية بهدف تعزيز صادراته في مواجهة منافسيه كمحاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي منذ 2008. والواقع أن معركة أو حرب العملات تجد أساسها في الخلل الاقتصادي والنقدي الدولي الراهن؛ الدولار يمثل (62%) من الاحتياطيات النقدية للبنوك المركزية في العالم والجنيه الاسترليني ( 34% )، بينما اليورو والين يمثلان (4%)، أما العملة الصينية (اليوان) فنسبتها لاتذكر من احتياطيات البنوك المركزية.
حرب العملات ظهرت جلية في سلوك البنك المركزي الأوروبي الذي أجبر على خفض سعر الفائدة على اليورو من (0،75 %) إلى (0،5%) للمرة الأولى منذ أكثر من عشرة أشهر ومن جانب آخر وزراء مالية الدول السبع الصناعية الذين اجتمعوا مؤخراً في بريطانيا أبدوا انزعاجهم من السلوك الياباني تجاه تخفيض قيمة الين …ولكن اليابان ترفض هذه الاتهامات وتعتبرها ذريعة أمريكية أوروبية لتحميل اليابان مسؤولية عجز هؤلاء عن الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وجهة نظر الغرب ترى أن الخطر الراهن لاينبع من حرب العملات بين اقتصادات الدول الصناعية الغربية لأن ما يجمعها أكثر مما يفرقها…وجهة النظر هذه تحمل المسؤولية للاعبين جدد في أسواق العملات الدولية (روسيا ، الصين، جنوب إفريقيا…)لأن هؤلاء اللاعبين أصبحوا قطباً هاماً وأساسياً في الاقتصاد العالمي . الواقع يوجد خلط دولي بين الخفض المتعمد للعملة الوطنية ، والخفض الناجم عن سلسلة الإجراءات والتدابير الاقتصادية المحفزة للنمو. الخطر المخيف هو أن تنشب حرب عملات بين الصين واليابان بسبب توتر العلاقات وانعدام الثقة بين البلدين محافظ البنك المركزي الصيني.
وأعلن بوضوح أن بلاده مستعدة تماماً لحرب عملات تلوح في الأفق….الصين أكبر تاجر في العالم …والصين توقع اتفاقيات دولية ثنائية بالعملة المحلية الوطنية، ما يتيح لها أن تحدد قيمة عملتها بالطريقة التي تراها مناسبة لأوضاعها الاقتصادية، وهذه مؤشرات هامة فعلية لمعركة أو حرب عملات ستخسر فيها الدول الصناعية الغربية، وستخرج منها الصين والدول الناشئة في وضع لايدعو للقلق.
المصدر : صحیفة الثورة