هذه القصيدة من وحي أشغال
إزالة ركام المباني المهدّمة من
مدينة حلب بعد تحريرها من
الدواعش.
يا أبا الطيّبْ سَلامَا
ثمّ عُذْرًا
إنْ أنا يا شاعرَ الأجيالِ
في عالَمِكَ العُلْويِّ أزْعَجْتُ النّيامَا.
قُمْ ، رَجاءً
حتّى لَوْ زارَتْكَ حُمَّى (1)
أنتَ لا تَخْشَى السّقامَا .(2)
لَسْتُ أدْعُوكَ لِكَأْسٍ مِثْلَ بَدْرٍ (3)
أنتَ لا تَهْوَى المُدَامَا ،
أنا أدعوكَ لِتَشْهَدْ
حَلَبَ المغْدورةَ تَنْبَعِثُ
بَعْدَمَا صارَتْ رُكَامَا.
“ما دَهَاهَا؟ “
– ربّما تَسْأَلُني –
” أَهُوَ الزّلزالُ قَدْ دَكَّ ذُراهَا
أْمْ هُمُ الرّومُ تَنادُوا مِنْ جَديدٍ لِلْقِتَالِ؟
حَلَبٌ عَهْدِي بِهَا مَحْروسَةٌ
بِالفُحولِ لَا بِأَشْبَاهِ الرّجالِ”
يَا أبا الطيّبْ تَمَهَّلْ
رَيْثَمَا أُنْهِي مَقالي،
وتَرَفَّقْ بِي رَجَاءً
لَا تَلِجَّ في السّؤالِ،
إنّ في أعْماقي جُرْحًا
بُرْأُهُ صَعْبُ المَنالِ.
لا خُيولُ الرّومِ عَنْها
قَدْ أغارَتْ في اللّيالي ،
لا بَطاريقُ النّصَارِى
جَمَّعُوا بِاسْمِ الصّليبِ
كُلَّ أُمَهْ
و لِسانِ
لِلنِّزَالِ(4)
بَلْ تَنادَى
كُلُّ شُذّاذِ الآفاقِ
تَحْتَ راياتِ الهلالِ
بِاسْمِ داعِشْ
وشقيقاتٍ لَها
بُعِثَتْ مِنْ كُتُبِ التّاريخِ و العُصْرِ الخَوالي
في رَبيعٍ بارَكَ النّاتُو قُدومَهْ،
والسلاطينُ الجُدُدْ
في الشمالِ
فَتَحُوا كُلَّ الحدودِ والموانِئْ
والمطاراتِ لِيَعْبُرْ
كُلُّ مَنْ بِاسْمِ الجهادِ و النّضالِ
جاءَ للنَهْبِ ولِلْحَرْقِ و لِلسّبْيِ
و تَشْريدِ العِيالِ
، و دُوَيْلاتُ الجنوبْ
أَغْدَقَتْ مِنْ عائِداتِ النّفْطِ والغازِ عَليْهِمْ
ثِرْوَةً فَوْقَ الخيالِ
فَغَدَا مَا كانَ وَعْدًا بِالرّبيعِ
مَحْضَ كِذْبَهْ
وخَريفًا
كَفَّنَتْ أوْراقُهُ كُلَّ التّلالِ
غَيْرَ أنّ الفجْرَ آتٍ
رَغْمَ أنْفِ الوالغينَ في الدّماءِ،
وحَلَبْ كانتْ بشارَهْ
لِلّذينَ آمَنُوا بِالنّصْرِ دَوْمًا
في صُمودٍ وإباءِ .
يا أبا الطيّبْ سَلامَا ،
قُمْ لِتَشْهَدْ
حَلَبَ الشّهْباءَ تَنْهَضْ
بعْدَما صارَتْ رُكامَا.
الحامّة، تونس
ديسمبر 2018
من ديوان ” في انتظار الربيع”.
___________ (1) إحالة على قصيدة المتنبي التي قالها بمصر لمّا أصيب بالحمّى وتحديدا على بيته:
وزائرتي كأّنّ بها حياءً
فليس تزور إلا في الظلامِ
(2) إحالة على قوله في نفس القصيدة:
فَإنْ أمْرَضْ فَما مَرِض اصطباري
وإن أُحْمَمْ فَما حُمَّ اعتزامي
(3) بدر بن عمار من أشهر ممدوحي المتنبي قبل اتصاله بسيف الدولة الحمداني .مارس بعض التأثير على المتنبي يوم كان شابا في مثل سنّه لكنه كان يكره منه دعوته لحضور مجلس شرابه ولارتجال الشعر بإيعاز من خصومه لامتحان شاعريته.
(4) إحالة على ميمية المتنبي في مدح سيف الدولة التي مطلعها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وفيها وصف لضخامة جيش الروم الذي واجهه حيث قال:
تجمّع فيه كلّ لِسْنٍ وأمّةٍ
فما يُفهم الحُدّاتَ إلا التراجِمُ