المتنبي في اللاذقية :
والدكتور أحمد مبارك الخطيب محاضرا مميزا لسيرة ومسيرة مميزة للشاعر الذي لا يشق له غبار في مقر ملتقى عشتار الثقافي .
إنه من شغل الدنيا في حياته وشعره وأسفاره وقصيده وشاغلها على الدوام حفظا لشعره ودراسة وبحثا عنه كشخصية فريدة ما زالت تحظى بكل اهتمام ورغم ما كتب وقيل عنها يبقى هناك الكثير مما يجب علينا توثيقه عنه .
تقرير منيرة أحمد مديرة موقع نفحات القلم
عضو مؤسس في ملتقى عشتار
مما جاء في محاضرة د الخطيب نقطتف الإتي :
اللاذقية الجميلة التي تتوسط بين البحر والجبل في بهاء قل نظيره ، تسحر القادمين إليها ، وتترك في نفس زائرها أثرا محفورا في الذاكرة ، و عصيا على النسيان .
فكيف يكون الأمر حين يكون زائرها ابو الطيب المتنبي ؟! الشاب الذي لم يكن قد تجاوز العشرين من عمره ، والشاعر الذي سوف تتناقل قصائده فيها الأوساط الادبية في العالم العربي كله في ذلك الحين .
وفد ابو الطيب إليها ، وكان يظن أن مروره فيها سيكون عابرا ، فإذا به على موعد مع إقامة أطول مما توقع ، يقيم بها سنتين تقريبا ، وهي اطول مدة امضاها في اية ولاية أخرى قبل ذلك .
وصلها ابو الطيب بعد أن تنقل في مناطق عدة من بلاد الشام ، القادم إليها من بغداد ، حيث مدح عددا من الامراء والشخصيات الأخرى ، باحثا عن أمارة يقودها أمير عربي شجاع وكريم ومغرم بالثقافة والشعر ، فلم يجد ضالته بعد ، بل إنه اصطدم بأكثر من وال ، وخرج غاضبا من عندهم .
ولعله عرف أن في اللاذقية أمارة عربية صريحة من تنوخ قضاعة ، لا تخضع للأجانب الذين كانوا قد سيطروا على اجزاء كبيرة من الدولة العباسية الضعيفة والمنهكة .
كان يحكم اللاذقية حين وفوده إليها الأسرة التنوخية التي استمرت في حكمها مئة وخمسا وعشرين سنة . وما يقال عن قلة التفاصيل عن المتنبي في هذه الفترة ، يمكن ان يقال أيضا عن الدولة التنوخية ، فالأخبار والمعلومات عنها قليلة ، تشكل ثغرة في هذه الدراسة ، رغم ان معلومات متواترة تفيد أن الاسرة التنوخية ليست اسرة طارئة ، بل هي ضاربة جذورها في التاريخ .
ما نعرفه عن الاسرة التنوخية في اللاذقية أنها تعود في أصولها إلى تنوخيي معرة النعمان ، وقد خاضت حروبا عديدة حتى تمكنت من السيطرة على اللاذقية وجبلة ، وقامت ثورة ضدهم فيها فسحقوها ، وليس معلوما تماما ان هذه الثورة شعبية قادها سكان المدينة كما يراها بلاشير في كتابه عن المتنبي ، أم ان صراعا حصل داخل الاسرة الحاكمة كما يرى الباحث هاشم عثمان ، خاصة ان المتنبي رثى زعيم الاسرة بعد موته وتكلم عن هذه الثورة ، مايعزز القناعة انها صراع على السلطة ، وفي كل الاحوال فإن أبا الطيب الوحيد الذي ذكر هذه الثورة في شعره ، فقال :
ويوم جلبتها شعث النواصي
معقدة السبا ئب للطراد
وحام بها الهلاك على اناس
لهم باللاذقية بغي عاد
فكان ا لغرب بحرا من مياه
وكان الشرق بحرا من جياد
وقد مزقت ثوب الغي عنهم
وقد البستهم ثوب الرشاد
وواضح ان الامير علي بن إبرهيم التنوخي كان قد واد الفتنة في مهدها وأعاد الحياة طبيعية إلى اللاذقية . وكانت هذه المنطقة مضطربة وغير مستقرة ، كما هو حال العصر العباسي الثاني الذي قامت فيه داخل الدولة امارات ودويلات مستقلة جرت بينها حروب كثيرة .
ومعظم المعلومات عن الأمارة التنوخية في اللاذقية نستقيها من شعر المتنبي ذاته ، فهو وثيقة تاريخية امينة ، يذكر فيه قادتها ، وبعض الاحداث التي جرت داخلها ، فسلط بذلك بعض الضوء على تلك الامارة العربية التي عمرت اكثر من ضعف عمر الدولة الحمدانية في حلب . وقد نقلها بشعره من مربع الإهمال والغموض إلى دائرة الضوء .
كان للمتنبي ، في هذه الفترة المضطربة من العصر العباسي الثاني ، طموحات واسعة ، يؤلمه تفكك الدولة العباسية إلى دويلات وامارات ، معظم قادتها من غير العرب ، ولذلك فكر في الثورة على ملوك هذه الدويلات وأمرائها ، وكانت الحركة القرمطية المناهضة للدولة العباسية في أوج قوتها .
وفي اللاذقية التي وصلها عام 321 للهجرة تقريبا استهل شعره برثاء المتوفى (محمد بن إسحاق التنوخي ) أثناء وجود الشاعر فيها . وحينذاك قال قصيدته الرائية ومطلعها :
إني لاعلم والخبير لبيب
ان الحياة ، وإن حرصت ، غرور
ومنها قوله :
ما كنت احسب قبل دفنك في الثرى
أن الكواكب في التراب تغور
والشمس في كبد السماء مريضة
والأرض واجفة تكاد تمور
وحفيف أجنحة الملائك حوله
وعيون اهل اللاذقية صور
فيه السماحة والفصاحة والتقى
والبأس اجمع والحجى والخير
لم يكتف اهل المتوفى بذلك ، وإنما طلبوا منه الاستزادة ، فقال ثلاثة عشر بيتا أخرى ارتجالا ، ومنها قوله :
صبرا بني إسحاق عنه تكرما
إن العظيم على العظيم صبور
فأعيذ اخوته برب محمد
أن يحزنوا ومحمد مسرور
ثم إن أهل المتوفى سألوا المتنبي مزيدا من المديح لكي ينفي الشماتة عنهم ، ربما لان معادين للأسرة التنوخية ادعوا أن خلافا قائما بين اعضاء الأسرة ، وان بعضهم شمت بموته ، فيدفع المتنبي ذلك الزعم وينفي الشماتة المزعومة عنهم ، فقال :
ألآل إبراهيم بعد محمد
إلا حنين دائم وز فير
تدمي خدودهم الدموع وتنقضي
ساعات ليلهم وهن دهور
ملك تكون كيف شاء كأنما
يجري بفصل قضائه المقدور
وفي القصيدة تاكيد على وحدة الأسرة التنوخية ، التي بدا أن في اللاذقية اعداء لها ، ينتظرون الفرصة للانقضاض على الأمارة .
أما الحسين بن إسحاق التنوخي ، وهو أخو المتوفى ، فكان الشخص الثاني في الأسرة التنوخية الذي مدحه المتنبي بثلاث قصائد أخرى ، وأقتطف من الاولى بعضا من أبياتها ، يقول :
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجى
يرجى الحيا منها وتخشى الصواعق
تخلى من الدنيا لينسى فما خلت
مغاربها من ذكره والمشارق
لك الخير ، غيري رام من خيرك الغنى
وغيري بغير اللاذقية لاحق
مجريات المحاضرة :
قدمت إعلامية الملتقى الأستاذة منيرة أحمد نبذة عن سيرة الدكتور الذاتية ،
و بعد المحاضرة الثرية بالمعلومات تمت مداخلات غنية ومهمة ، و كان أول من علق الأستاذ المحامي يحيى زكريا ، وتلاه
الدكتور الباحث #هاشم_عثمان ، ثم الأستاذ مالك معروف ، ثم الأستاذ أحمد منون . وقد أغنت الأديبة مناة الخير المحاضرة بمداخلتها ، و كذلك الأستاذة بثينة الخير . كما ألقى الشاعر علي طراف الحاضرين قصيدة رائعة كتبها للمتنبي ، و كان مسك الختام ومداخلة للدكتور جليل البيضاني .
وفي نهاية المحاضرة أجاب الدكتور أحمد مبارك الخطيب على تساؤلات الحضور
سيرة ذاتية للدكتور أحمد مبارك الخطيب :
— حاصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة حلب عام 2004 اختصاص ( أدب ونقد ) .
— عضو هيئة تعليمية في جامعة تشرين منذ العام 1985حتى عأم 2000 .
— أعير إلى جامعة تعز باليمن من العام 1991 حتى العام 1994.
— درس في قسم اللغة العربية من جامعة جازان في المملكة العربية السعودية بوظيفة / أستاذ مساعد / ست سنوات ، من العام 2004 – 20010 .
— له كتابان مطبوعان هما :
1 – الإنشاد والغناء في الشعر الجاهلي .
2- الانزياح الشعري عند المتنبي .
— له عدد من البحوث والدراسات النقدية في عدد من المجلات المحكمة والمجلات الاخرى والصحف .
— يعمل الآن محاميا في قصر العدل ، ويمارس الكتابة في الادب والثقافة .