النفس الملحمي في شعر ريم البياتي الرمز والأسطورة “سفر بهلول السومري أنموذجاً . “..بقلم اً: منذر يحيى عيسى
(للغرباء والمنفى) المجموعة الشعرية الجديدة، والصادرة عن دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد عام 2022م، وذلك بعد مجموعة /هذيان الحطب عام 2019م، وشوك السنابل 2020م، ومزامير الوجع عن الهيئة العامة السورية للكتاب، (لتلك الوجوه أصلي) عن اتحاد الكتاب العرب.
مجموعة (للغرباء والمنفى) جاءت على امتداد مائة وثماني عشرة صفحة من القطع المتوسط وضمت أربعاً وعشرين قصيدة، تصدرتها قصيدة (سفر بهلول السومري) بنفس ملحمي قارب العشرين صفحة. وستكون وقفتنا مع هذه القصيدة.
أولاً: في العنوان:
(سفر بهلول السومري) استدعاء مباشر للتاريخ، يقدم بشكل فوري رمزاً لشخصية أدبية من التاريخ، فكلمة /سفر/ جمعها أسفار وهي الكتاب الكبير وتطلقُ على أجزاءٍ من التوراة، وهي قليلة الاستخدام حالياً.
و/بهلول/ هو أبو وهب بهلول بن عمرو الصيرفي الهاشمي العباسي الكوفي، ولد بالكوفة عام 807 ميلادية – 190هجرية كان شاعراً حكيماً وكاملاً في فنون الحكم والمعارف والآداب في زمن الخليفة العباسي (هارون الرشيد)، أظهر الجنون لكي يتخلص من متابعة الخلفاء العباسيين له بسبب ميلهِ الديني فتصرف تصرف المجانين والدراويش و(سومر) حضارة أقوام قديمة معروفة في جنوب بلاد الرافدين، وهم من أخرج البشرية في بلاد ما بين النهرين من طور البداوة إلى طور التمدُّن والحضارة ويكفي اختراع (الدولاب) الذي أحدث ثورة عظيمة في وسائل النقل، ولا يزال العالم ينعم بفائدته حتى الآن.
ثانياً: العنوان شامل على قضايا تاريخية وحضارية وفكرية وأدبية أُسقطت على الحالة الراهنة. إذ استحضرت الشاعرة شخصية بهلول الإشكالية ونسبته إلى أجداده السومريين مؤكدة غنى هذه الشخصية ودورها في نشر نور الحكمة والضياء، تقول:
“بهلول عاد من زمانهِ
محملاً بالغيم والسنابل
من نجمةٍ
كهوفها ضياءٌ
وفي تخومها
كخاتم العروسِ
يحيطُ قلبُ النبعِ بالجداول” ص/7/
ثم نراها تؤكد على نقاء منبع حكمته ومعرفته، وصفائها وأصالتها متوسلة بالرمز (خمرها معتقٌ )؛ إنها خمرة معتقة في دنان أصيلة،كما تؤكد على شمولية تلك الحضارة وانفتاحها على الحضارات كافة، وقد اتكأت على الثنائيات الضدية( عصية/ لا توصد) لتشير إلى منعة تلك المنطقة ومقدرتها على الحفاظ على عراقتها،على الرغم من ذلك الانفتاح كله:
“بهلول من مدينة جرارها قديمة
وخمرها معتقٌ لا يفسدُ”
إلى أن تقول:
“بهلول من مدينة
أبوابها عصية
لكنها لا توصدُ”
وهي في ذلك تؤكد حقائق تاريخية لا لبس فيها ولا التواء، فالحضارة العربية فتحت أبوابها مشرعة على حضارات الشعوب المجاورة وفكرها من خلال الترجمة وفنون الأدب المختلفة، وبقيت تلك الحضارة صامدة عبر التاريخ رغم ما تعرضت له من هجمات شرسة ومحاولات تشويه ممنهج. وهاهي الشخصية التاريخية المستوحاة ( بهلول السومري)؛هذا الرجل الحكيم يدعو بإصرار ووعي إلى تقبل الآخرين، كما يحاول الإقبال على الحياة، التي رمزت إليها البياتي بالماء الذي هو أصل الحياة والحضارة. شخصية (بهلول) التي تعود جذورها إلى حضارة عريقة، إضافة إلى ما يمتلك من حكمة أنارت له الدرب، هو رمز فنيٌّ يمثل الإنسان العراقي على وجه الخصوص، والعربي على وجه العموم، وما ينبغي له القيام به في زمن كثرتْ محنهُ وأرزاؤهُ
(بهلول) هذا وقد جعلتهُ الشاعرة حادياً يحمل في جرابه تجارب كثيرة وحكماً ورؤى، رأت فيه معادلاً موضوعياً لـ (ديوجين) ذلك الفيلسوف اليوناني الذي حمل مصباحهُ ومشى في دروب أثينا وفي شوارعها في (عز طلعة الشمس)، فأثار انتباه الناس أجمعين، كما أثار تساؤلاتهم، فكانت إجابته قاطعة الدلالة: أنا أحمل مصباحي باحثاً عن “الحقيقة” فالحقيقة تاهت وهائذا أبحثُ عنها و عما يرافقها من حق وعدل منشود.
تقول الشاعرة ريم البياتي:
“بهلول يا (ديوجين)
أتحملُ المصباحُ، والنهارُ
يفيقُ ملء عين؟
فأشرقت في ثغره وضاءَةُ الإيمان
ودارَ في المكانِ والزمان
وأنشدت أزمانهُ تقول:
يا أيها السؤولْ
يا أيها المحبوسُ في غمامة
تعاندُ الهول
لفيفة الكتمان
في سرّةِ البيان
وبينكم مصباحي القديم
ينقّبُ النهارُ عن إنسان” ص10-11
ما يمكننا قوله إن هذه الحيرة، و هذا التساؤل يتردد نفسه على ألسنة أبناء الوطن في البقاع العربية كلها ، فما هذه الفوضى التي تعيشها البلاد ونحن في وضح النهار نبحث عن الأمن والطمأنينة محاولين الخروج من الحيرة والضياع نحو مستقبل أكثر إشراقاً للبلاد.
وترى الشاعرة أننا نحن –القادمين- من التيه لظلال النخيل التي هي رمز أصالتنا، قد أنكرتنا، وتاهت خطانا، وتبعثرت أحلامنا في السراب، ولكن على الرغم من ذلك تظل هناك فكرة أو لمعة تومض في ذهن عاشق البلاد..
تقول الشاعرة:
“يقول المتيم:
في دار ليلى مراود كحلٍ
وبابُ إيابْ” ص11
وذلك باستحضار جميل لتفاؤل العاشق وثقته بالخير في قادمات الأيام. وتستمر الشاعرة بمحاورة “بهلول” القادم مع البروقِ ووعودها بمطر أكيد وخصب قادم حيث يطهر “تموز” إله الخصب والحياة في الأسطورة البابلية وبحضوره تتعانق الغلال وتعلن الأرض قيامتها، وفي مشهدية جميلة ترى الشاعرة الإله تموز يحمل بكفيه مواسم الرياح والأمطار وفي سلالة البذار بانتظار الثمار، وتتحفز الأحياء والأمطار للحركة الجميلة للاحتفاء بالخصب، واعتصار الكرمة والغناء وباستخدام موفق للأسطورة تستدعي الشاعرة في قصيدتها (عشتار) آلهة الحبّ والجمال والحرب في حضارة بلاد الرافدين وقد جاءت للإسهام في مراسم الخصب، كما استحضرت الإله (الراعي) الذي كان ينافس تموز في حب عشتار تقول الشاعرة:
“تفيق من سباتها عشتار
ويغزل الراعي لها
من أغنيات نايه
محابس النوّارْ
تجمعوا فأورق المكان
توشحت رداءها الأشجار
وطافت السهولُ بالحشائش النضار
وحينما تلاقت الأصول والفروع
وظلّت بسعفها الجموع
أطلت الأطيار
تدور في مسارها
مغلقة مدارها
وأينع الكلام
تعال، يا قيثارةٌ أوتارها
مشدودة بشهقة الحقب
في جعبة البهلول من أنغامها
ما يذهلُ العجبْ
تحلقوا .. تحلقوا
سيفتح الجراب
فأنصتوا .. لتبلغوا الأرب” ص14-15.
مشهدية جميلة استطاعت فيها الشاعرة حشد الكثير من الرموز الأسطورية ، في حالة تشبه أسطورة الخلق الأولى وقيامة الأرض، وقدمت ذلك كلّه بإيقاع محبب سلسل جميل، انسجم مع شكل الدائرة كخط هندسي انسيابي مؤكدة على أهميتها مشيرة إلى التقاء البداية بالنهاية وحالة الاكتمال.
وتستمر الشاعرة داعية بلسان (بهلول) الجميع إلى حضور هذا الطقس الكوفي البديع حيث خمرة المعرفة التي تصب في العقول وعجينة الحياة ستمسحُ الغَشاوة عن الوجوه ويأتي الصباح.
تقول الشاعرة:
“تجمعوا..
سيمسحُ البهلولُ عن وجوهكم
غشاوةً..
وينجلي الصباحْ” ص/16/
وبعد تجمع من رافقهم السعد ورأوا الحجاب ينزاح عن أخت القمر التي تمازجت روحها بروحه، بدا ذلك في استدارة الوجه وانحناءة الخصر، طالبت بهلول بكشف سرّ السلال والنظر برفق إلى براقعها الجميلة وليس على طريقة (أكتيون) الذي مُسِخَ بعد كشفهِ أسرار الآلهة (عشتار) في إشارة من الشاعرة إلى ضرورة احترام قيم الجمال والحفاظ على حرمته وهنا توظيف موفق للأسطورة ودعوة إلى قيم خالدة في المجتمع عبر العصور، وهذا ما يظهر بعضاً من وظائف الشعر ودوره في الإشارة إلى مواطن الجمال ورمز الحياة به وبرموزه.
تستمر الشاعرة في طرح تساؤلات حول هذه الأسطورة والعلاقة التي جمعت (أكتيون) و(عشتار) فهناك تشابه في السلوكيات والغموض الساحر والرغبات المتبدلة، ولربما كان لصدّها دور فيما قام به.
آلهةٌ ولكن بسلوك ومزاج بشر، وهذا إسقاط على سلوكياتنا، وما نقوم به من أدوار في مسيرة حياتنا، وقد نصل أحياناً إلى حدّ التطابق مع الآخر.
تعود الشاعرة إلى مخاطبة (بهلول) الرمز المحوري في القصيدة الملحمة مشيرة بشكل فلسفي إلى اكتمال دورة الحياة والتقاء نقطتين لتشكل الدائرة وهي أكمل الأشكال الهندسية وأجملها مؤكدة على أهمية القطب والمركز في لعب دور الإشعاع الفكري وعلى دور الكلمة البدء ومكان النشأة الأولى.
وقد وظفت الشاعرة رمزية الدائرة شعرياً حيث هي الروح ومن ثم الوعي الكوني وفي كثير من الأحيان ترمز للإله وهي المالكة للوحدة والتوازن والعدل، وكما هو معروف ففيها اللانهاية بلا بداية أو نهاية كسر مدية الإله، وأشير هنا إلى قصص الخلق المتداولة، حيث البداية هي نقطة العدم، فلا شيء سوى إله يعبر عن الوحدة، أو المركز ومن خلال ذلك كان هناك وعي نتج من خلق محيط تقول الشاعرة:
“دارت بنا الأرجاء يا بهلول
من مركز القطب
لخصر الدائرة
يا أيها القطب العصي على الأفول
هات الرقائق من تخوم الذاكرة”
وتتابع
“قال الذين تجمعوا:
من قبل أن تتفتح الكلمات في شفة المدادِ
كنا هناك
ندور في الرحم المقدس
تسبحُ الأنوارُ في فلكٍ بهيم
كنا ندور
وكل شيءٍ في البداية والنهاية دائرة” ص/19/
تؤكد الشاعرة على أنثوية الأرض وهي من الحقائق المعروفة، وعلى رحابة رحمها الولود وتعود للإشارة إلى المركز والنواة والعلاقة بين الأم والأرض، وجمالية الكون واكتمال خلقه.
“قال الذين تجمعوا:
من نقطة نغدو
لنكملَ دورةً
ونعود نهجعُ في
سكونِ الدائرةْ” ص/20/
وكأني بالشاعرة تؤكد مع كل الفلاسفة على رمزية الدائرة واستخدامها مع رموز أخرى في القضايا المعرفية، وهذا الأمر شائع في عدد كبير من الثقافات والأديان والتيارات الفكرية، وللدائرة دلائل وتعبيرات رمزية يطرحها التشكيل الهندسي المثير.
إن انغلاقها يمكن أن يرمز إلى البيت أو الرحم، وبالتالي فهي مكان حماية وأمان، وقد أكد كثيرٌمن الفلاسفة العرب ذلك .
ولو دققنا النظر في حياتنا لوجدنا إن للدوائر دوراً مهماً في حياتنا منذ الولادة ودخول الحياة حيث تشكل الأسرة دائرة والمجتمع دائرة أوسع والعالم دائرته الكبرى، وما نحن سوى ذرات تدور في هذه المدارات.
وتشير إلى حركة الكواكب في مداراتها التي تأخذ شكل الدائرة.
إن العمق الفلسفي واضح في هذه القصيدة وقد اتكأت الشاعرة على الأسطورة في تعميق هذا البعد الفلسفي والمعرفي، فالدائرة روحٌ ووعي كوني، والدائرة تتمثل فيها الوحدة والتوازن والعدل وفيها اللانهاية بلا بداية أو نهاية ونحن كبشر جزء من تلك الوحدة ونلاحظ أن حركتنا في هذا الكون دائرية جاهدين للوصول إلى المركز والاندماج فيه.
في الصفحة 21 تقول:
“يجري بنا نهر السكون فلا نعودْ
و”الآن” حيرى
والدقائق سافرةْ
متوجّسات الخطو
لكن السدودْ
تلقي بها في بطن بئر غائرةْ
قال الذين تجمعوا
تتناسلُ الأزمانُ من رحمِ الخلود
لكن ألواحً المصائرِ
صاغرهْ”
هل تريد الشاعرة أن تؤكد حتمية هذه المدارات، ومصيرية النتائج، وقدرية الحياة المحكومة بنتائج مسبقة.
أرى في هذا المقطع تكثيفاً شديداً وتلخيصاً لحقيقة الحياة، ومسيرة الإنسان في رحلته من العدم إلى العدم.
وبصدمة المعرفة والمواجهة مع الواقع العاري وحقائقه الصادمة تعرضُ الشاعرة لمعاناة الإنسان في رحلته وصراعه مع قوى الشر التي تحاول عرقلة مسار هذه الرحلة وضياع الجهدِ المبذول للاستمرار، فالصراع بين الخير والشر قائم منذ بدءِ الخليقة كما أظهرتهُ حقائق التاريخ.
وهاهي الشاعرة تقرر تلك الحقائق وتؤكدها بقولها::
“يا أيها الذين تركضون
أقدامكم مكانسُ الطريق
وخلفكم..
على الحريرِ يعبرونْ
يا أيها الذين توقدونَ
سراجكمْ..
وزيته المنونْ
ما بينكم وبينهمْ
ألواح من صوّانْ
في خدها نقوشكم
وقيدهم كتمانْ” ص/22/
لكنها تعود إلى الأسطورة وغناها الرمزي وخديعة الملك (تنتالوس) للآلهة بذبح ابنه وتقديمه طعاماً لها ليشوه سمعتها، ولاتهامها بأنها من آكلة لحوم البشر، لكن الآلهة تكشف تلك الخديعة ويعاقب بوضعه في مكان منخفض تقدم له الأطعمة والشراب دون أن ينالها ويبقى أسير هذه الحالة.
ترمز الشاعرة من خلال هذه الأسطورة إلى النتيجة الحتمية والمرّة للخداع والمكر وتزييف الواقع حيث تهدد الشاعرة من يمارس الظلم والأذى بنتيجة مشابهة.
مخاطبةً الفقراء والمضطهدين ومحذرة من ظلم قائم عليهم تقول الشاعرة:
“وذا تنتال.. تنتالوس
يولمكم على صخرة
ويصنع من لحومكم لآلهة الضباب
موائد النكتار” ص23/
ولكنها تعود بروح متفائلة في مخاطبة رمز الخديعة والظلم (تنتال) وكل من يمارس من أشباهه الظلم والاضطهاد، ومحذرة من المصير الحتمي المأساوي ومبشرة بانبلاج فجر الحقيقة والعقاب القادم لا محالة.
“يا تنتال.. لم يهنوا
وظلّ الصوتُ يا أبتاه
مشدوداً إلى كفيك
قيد الجوع
والأرباب ما جمعوا
سوى عينين مطفأتين
بعض الجلد
صاروا بلادك العمياء
تدبي في مناكبها
وأنت تنام في حفرة” ص/24/
الشاعرة ريم البياتي /يسرى رجب مصطفى/ كتبت قصيدتها (سفر بهلول السومري) بهذا النفس الملحمي وبرؤية خاصة بها من حيث الفكر والمضمون، فهي مؤمنة بحتمية انتصار الفقراء والمسحوقين، ومدركة حقيقة الصراع الطبقي القائم في كل المجتمعات التي يُستغل فيها جهد الأغلبية لصالح فئة قليلة.
كما أظهرت إيمانها بالرسالة الحضارية لشعوب المنطقة العربية وغناها بالفكر والحكمة، وأدركت أهمية هذه الحكمة ودورها في قيامة الإنسان المقهور.
هذه القصيدة تؤكد سعة اطلاع الشاعرة ورسوخ إيمانها بما تحمل من أفكار تصب في نهاية المطاف في خدمة القضايا الإنسانية، وبالتالي فإن محور ما تكتب وجوهره هو الإنسان، وهذا ما يعطي لشعرها هذا البعد الاجتماعي الواضح، وبذلك فإنه شعر منحاز للقضايا الإنسانية.
ما يميز هذه القصيدة هو استخدام الرمز والأسطورة منذ العنوان وحتى النهاية، وهي بذلك كمعظم شعراء الحداثة أخذت منحىً تجريبياً في بناء القصيدة، وهذا ما يسهم في رفد القصيدة بجماليات خاصة منبعها الأسطورة التي تذخر بقيم جمالية ودلالية ثرَّة،.
حيث إن الأسطورة التي هي تراث حضاري سابق وشيء من تاريخ هذه الحضارات تنقل إلينا تجارب هذه الشعوب ورؤيتها للحياة والخبرات التي تكدست كما تنقل المعتقدات والأحلام، لتشكل منابع فكر بكر، وإلهام للآتين.
حيث حشدت رموزاً وأساطير متعددة في هذا القصيدة مما أعطاها جمالية خاصة، تنبع من الرموز الأسطورية الشرقية واليونانية من مثل: /عشتار – تموز/ الراعي – اكتيون/ وهي أساطير سومرية، وكذلك/ ديوجين فيلسوف اليونان/ ومن أساطير اليونانيين / تنتالوس/
وقدمت ذلك كله من خلال شخصية إشكالية من شخصيات العصر العباسي / بهلول/ وهو شاعر وحكيم وراءٍ
إن ما قامت به الشاعرة من إعادة قراءة التراث الحضاري من منظور الواقع وبشكل إيحائي، إذ تركت للقارئ حرية الرؤية وتفسير ما ينطبع في خياله من الأفكار، وهي باستخدامها للرموز قد كثفت التجربة ، وأوصلت ما تريد إيصاله للقارئ، وحققت بذلك ربطاً بين تجارب الماضي والحاضر دون الخوض في تفسير هذه التجارب والاكتفاء بما هدفت إليه هذه الحكاية الأسطورة.
جاءت هذه القصيدة برؤية جديدة مختلفة عن الشعر الكلاسيكي، وذلك باعتمادها على التفعيلة والبنية الشكلية الجديدة والإيقاع المختلف، والتنويع في القوافي ونظام السطر والمقطع الشعري.
حيث جاءت بإيقاع متصاعد يتناسب مع النفس الملحمي للقصيدة، وذلك كلْهُ بلغة الحياة اليومية الخالية من التعقيد والغموض الذي يسمُ الشعر الحديث في كثير من الأحيان مع ذلك كانت اللغة راقية وهي حالة لغة الشعر.
حاولت الشاعرة شرح ما يتعلق بالرموز الأسطورية حتى لا يَشْكُلَ على القارئ غير المتعمق بالأسطورة. وذلك من خلال إضافة هوامش للقصيدة.
يسرى رجب مصطفى (ريم البياتي) تبحر في يم الشعر الرائع المخاطر وتحلق في فضاءاته راسمة لنفسها مساراً خاصاً، وهي تثبت في كل إصدار جديد أصالة موهبتها وجديتها واجتهادها ومتابعتها وإخلاصها لفن الشعر، وجدير بالذكر أن الشاعرة عضو في اتحاد الكتاب العرب – جمعية الشعر
صدر لها حتى الآن ست مجموعات شعرية عن جهات عدة منها وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب والعراق وهي تشارك في مهرجانات أدبية خارج سورية وفي نشاطات اتحاد الكتاب العرب.
السفير برس \ نفحات القلم