الاعلامي حسين ابراهيم
*
أود بداية أن أشير إلى أني أنتمي إلى جيل الصحافة الورقية، فقد بدأت الكتابة فيها قبل حوالي نصف قرن، وتنوعت كتاباتي من التحقيقات إلى النقد السينمائي والمواد الثقافية والعلمية، وانتهت بالكتابة في مجال المحتوى الرقمي وتقانات العمل الصحفي والذكاء الاصطناعي.
هذا الجيل الذي لا يرى الصحافة إلا من خلال الورق، يعاني اليوم مما يمكن أن نسميه #خيبة_أمل، بعد أن تراجعت الصحافة الورقية لتحل محلها الصحافة الرقمية بشتى أشكالها.
وحتى لا تصيبنا خيبة الأمل بالإحباط وددت أن أشير إلى أن مشكلة تجميد الصحافة الورقية ليست سورية، وبالتالي لا يمكن لنا أن نجد لها حلاً سورياً.
منذ عام 2005، وحتى عام 2021، أغلقت 2200 صحيفة مطبوعة في الولايات المتحدة أبوابها، وانخفض أعداد الصحفيين العاملين في الصحف المطبوعة الأمريكية إلى النصف تقريباً. وأظهر تقرير نشر عام 2015، من #معهد_بروكينغز، حجم الأزمة التي تعانيها الصحافة المطبوعة، حيث أشار التقرير إلى أن عدد الصحف لكل مائة مليون نسمة قد انخفض من 1200 (في عام 1945) إلى 400 في عام 2014.
حاولت مؤسسات ومطبوعات صحافية عريقة الالتفاف على الأزمة كـ #الإندبندنت البريطانية التي أعلنت عن توقف الطبعة الورقية عام 2016، رغم تخفيضها عدد موظفيها في 2008، وتوقفت صحيفة #ذي_لندن_بيبير” المسائية المجانية عن الصدور بعد ثلاث سنوات في عام 2009، وألغت صحيفة #كريستيان_ساينس_مونيتور منذ تشرين أول 2008 طبعتها الورقية بعد قرن كامل من الصدور.
وتحولت مجلة #نيوزويك الأميركية إلى مجلة إلكترونية بعد أن ودعت آخر نسخة مطبوعة في كانون أول من عام 2012.
وتخلت صحيفة #نيويورك_ديلي_نيوز و #ميامي_هيرالد و #بالتيمور_صن الأمريكية عن مكاتبها، ومثلها فعلت نحو عشر صحف أخرى. وأخذت مؤسسات صحفية طريقاً أخرى تمثلت بالاندماج، مع بروز صناديق استثمارية في القطاع الإعلامي تنتهج أساليب متشددة، كـ #ألدن_غلوبال_كابيتال الذي يملك نحو 100 صحيفة.
في دراسة لها نشرت عام 2018، أشارت اللجنة الفدرالية لوسائل الإعلام السويسرية، إلى أنه في غضون 10 أو 15 عاماً قد #تختفي_الخدمات_الصحفية من البلاد، ووضعت ثلاث سيناريوهات للمشهد الإعلامي في سويسرا:
رأت أن #السيناريو_المتفائل، يكمن في استفادة الصحافة من الرقمنة،
فيما ذهبت طرح سيناريو آخر أسمته بـ #الاستبدال_الواقعي“، حيث يتم استبدال الخدمات الصحفية جزئياً بعروض بديلة، كمنصات على الانترنت ومدونات إلكترونية، وأنواع من صحافة المواطن وأخبار شبه مبرمجة.
ولم تستبعد الدراسة السيناريو الأسوأ، والذي أسمته سيناريو #الإفقار، حيث تفقد الصحافة جزءا كبيراً من أهميتها الاجتماعية والسياسية. ويتم استبدالها بعروض خالية من الطموح الصحفي، وقالت اللجنة الفدرالية إن السيناريو الأسوأ ليس مستبعداً.
أما عربياً… فمع وصول عدد مستخدمي الانترنت إلى 91 مليون مستخدم في الدول العربية في عام 2011، بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات، وحتى عام 2013، استمرت مؤسسات صحافية في الوطن العربي في تحقيق الأرباح.
وأخذت الأزمة تعصف بمؤسسات صحافية كبيرة في المنطقة، حيث توقفت صحيفة الحياة اللندنية، التي تأسست عام 1948م، بشكل نهائي عن الصدور عام 2020، إلا أن رئيس مجلس إداراتها أعلن في عام 2023، عودتها في العام الذي يليه وتحويلها إلى شبكة تواصل اجتماعية.
وأعلنت صحيفة السفير اللبنانية توقفها عن الإصدار نهائياً، بعد 42 عاماً من الطباعة، كما توقفت جريدة “البيرق” اللبنانية، بعد مضي قرابة القرن على انطلاقها.
وتخلت صحيفةالشرق الأوسط التي تأسست في عام 1975، عن الإصدارات الورقية في عام 2020 وانتقلت بشكل كامل إلى النشر الإلكتروني.
وفي 2017، أغلقت 50% من الصحف المصرية المحافظة على الصدور خلال 5 سنوات، مع تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يومياً، إلى 400 ألف نسخة. وأعلنت مجلة #الكواكب، أحد أشهر وأقدم مجلة فنية محلية، توقف نسختها المطبوعة بعد 90 عاماً من صدور نسختها الأولى.
وتوقفت صحف مصرية كـ #الأحرار، وأحدثت مؤسسات أخرى تغييرات جذرية في هيكلتها، كصحيفة #المصريون التي أصبحت أسبوعية بدلاً من يومية، وتحولت صحيفة #الميدان إلى نسخة إلكترونية، فيما أصبحت جريدة #شباب_مصر شهرية بدلاً من أسبوعية في 2014.
وفي المغرب، توقفت صحيفة #أخبار_اليوم عن الصدور بعد رحلة دامت 14 عاماً، كما استسلمت صحيفة التجديد المغربية للأزمات الاقتصادية واحتجبت عن الصدور، الأمر يتكرر عند صحيفة صحيفة #ليبرتي اليومية الجزائرية الناطقة بالفرنسية، حيث توقفت عن الصدور بعد 30 عاماً لتلحق بصحيفة صحيفة #المجاهد_الأسبوعي و #صوت_الغرب و #المصير الجزائرية، إضافة إلى صحيفة #الأنوار في تونس.
ما تقدم يوحي بحتمية الانتقال إلى الصحافة الرقمية، ليس بمفهومها التقليدي وإنما بمفهوم الذكاء الاصطناعي، ولا ينفع هنا البكاء على الأطلال أو الانتظار أو انتظار تحقيق الوعود والآمال، فما نحتاجه كصحفيين أكبر من ذلك بكثير، وهو أن نستوعب ما يحدث، لنكون قادرين على استثمار التغيرات بالشكل الذي نريده نحن، وليس بالشكل الذي يُفرض علينا.