الذي لا ريب فيه هو أنّ السعادة مفهوم نسبي، يختلف من شخص لآخر ومن زمن لآخر.
ولكنها كما أظن مرتبطة بالرضا، ومرتبطة أيضا بالمعرفة.
إن السعادة حالة نسبية تختلف من فرد لآخر ومن ثقافة لأخرى، ومن مرحلة عمرية لأخرى. ولا يمكن للسعادة أن تكون هي ذاتها بالنسبة لكل الناس، فكل شخص يرمو إلى تحقيق شيء من وجهة نظره يعتقد أنه السعادة الأمثل بالنسبة له. والفرد نفسه قد تختلف نظرته للحياة وللمؤثرات التي حوله وأطواره الزمنية وظروفه وأحواله، فينعكس ذلك على مفهومه للسعادة.
تشكل السعادة مطلب كل إنسان، وتتعدد سبل بلوغها، لذلك كتب عنها الفلاسفة والعظماء، وحاولوا أن يبينوا مفهوم السعادة من وجهة نظرهم، وهذا ما جعلهم يختلفون حول الأشياء التي تقوم عليها السعادة، وحول الطرق المؤدية إلى تحصيلها.
لقد اختلف مفهوم السعادة بين الفلاسفة والمُنظّرين، فمنهم فريق قد ربط مفهوم السعادة بالاشباع الذاتي للغرائز الجسمانية،فربط السعادة بالأشياء المادية فجعل الإنسان بذلك كالحيوان، ومنهم فريق آخر قد عرّف السعادة بالابتعاد وعدم الخضوع لمغريات الحياة الدنيئة والتكالب عليها وامتاع الجسد بالمفهوم المادي فقط، إنما بالعقل والروح. فالسعلدة الحقيقية والدائمة هي التي يكون فيها الإنسان منسجمًا مع ظروف عيشه ومتوافقًا بشكل تام معها، مميزًا بين المتعة التي فيها إشباع اللذات والشهوات، وبين السعادة التي تدحض كل تصور يعتبر اللذة الموصلة إلى المتعة شرطًا لبلوغ السعادة.
إن السعادة بوصفها قيمة أخلاقية هي مطلب كل إنسان رغم تباين المواقف المحددة لماهية السعادة وسبل تحصيلها، لكن يمكن أن تتجذز في الفعل الإنساني المنفتح على الغير، بحيث يصبح واجبًا، لا نحو الذات فحسب، بل نحو الغير أيضًا، بدون أنانية مفرطة ولا غيرية مدمرة.
يفسر الفلاسفة السعادة على أنها حالة عقلية، أو أنها حياة يعيشها من يقودها على نحو جيد.
فسقراط يرى أن السعادة هي كل ما يرغب فيه جميع الناس، وهي دائما الهدف النهائي لأفعالنا، وهي – بالتالي – خير غير مشروط، ويرى أن السعادة لا تعتمد الأشياء بحد ذاتها، ولكن كيفية استخدام تلك الأشياء، فالمال في حد ذاته لا يجعلنا سعداء فهو خير ما دام في يدي شخص حكيم.
لقد آمن سقراط أن السعادة الحقيقية تتحقق فقط للأشخاص الذين يتحلون بالمعرفة والحكمة، وأن السعادة لا تنبع من الملذات الجسدية، أو القوة، أو الثروة، ولكنها تنبع من عيش الإنسان بحياة تسمو بروحه .
لقد أكد أنتستنيس مؤسس الكلبية وتلميذ سقراط أن الفضيلة كافية في ذاتها لضمان السعادة، رافضًا الرغبات المألوفة والمفاهيم التقليدية للسعادة مثل المال، السلطة، والشهرة.
وتؤكد المدرسة القورينية – وهي المدرسة الثانية بعد المدرسة الكلبية التي ظهرت متأثرة بسقراط – على أن الإنسان الحكيم من يتحكم في متعه ولا يصبح عبدًا لها، وأن الخير وحده هو المتعة الحقيقية وبها ستحقق السعادة.
يقول أفلاطون في “الجمهورية”: إن الأخلاقيين وحدهم هم السعداء الحقيقيين، مستنتجًا من خلال التجربة أن من يتحكم بنفسه بشكل عقلاني سيكون سعيدًا، وأن السعادة تنبع من العدالة الاجتماعية الناتجة عن قيام المرء بوظيفته الاجتماعية، وأن الإنسان السعيد هو الإنسان الشريف الصالح العادل، الحكيم العارف، المثقف، المتأمل، الحر الذي وقف ذاته في سبيل خدمة الخير الأسمى.
واعتبر أرسطو أن الفضيلة ضرورية للمرء من أجل أن يكون سعيدًا، وعلى الإنسان أن يواظب على معاركة الدهر لكي يفوز بسعادة تليق بمقام الفضيلة التي انتدب نفسه إليها.
لقد أكدت الفلسفة الأبيقورية على أن الوصول إلى الطمأنينة والتحرر من الخوف وضمان السعادة يكون بالخير وبحياة الزهد والصداقة النبيلة، وأن حكمة السعادة تقتضي من الإنسان أن يمتع نفسه في حدود اللذة السليمة الضرورية، ولا يكتسب الإنسان السعادة إلا على قدر ما يحققه من نظام أخلاقي يردع العدوان ويحصن الناس ضد رغباتهم المطلقة وملذاتهم المفسدة.
لقد أعتقد الرواقيون بأن “الفضيلة كافية لنيل السعادة” وأن السعادة هي انسجام الإنسان مع ذاته ومع العقل والتآلف مع الطبيعة.
لقد وصف كانط السعادة على أنها الخير والرفاهية المستمرة والاستمتاع بالحياة، والشعور بالرضا عن النفس، ويرى أن تحقيق السعادة يتطلب حسن النية والاستقامة والفضيلة والحياة الأخلاقية.
قد يكون من المثير للسخرية البحث عن فلسفة السعادة في الوجودية الشبنهاورية على وجهة الخصوص التي عبر عنها نيتشه بكونها إرادة الحقيقة، والتي عبر عنها شوبنهاور بسخريته من مفهوم أرسطو للسعادة ومن تقسيمه لمباهج الحياة لثلاثة أقسام، ومن أن السعادة عنده تأتي: (من الخارج، ومن الروح، ومن الجسد) .
ويرى فيلسوف الوجودية شوبنهاور أن السعادة أو مباهج الحياة ونعمها تتعلق بثلاث قضايا هي (ما هو الشخص، ماذا لديه، وما هو موقعه من تقدير الآخرين). فهذه التوليفة عند شوبنهاور تتعارض مع ما يراه كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو والفلسفة الرواقية، من أن الأخلاق والقيم هي المحدد الوحيد للسعادة.
أما نيتشه فيعتبر السعادة هي الشعور بازدياد القوة، وشكل من أشكال السيطرة التي يتمتع بها المرء، ويفرضها على محيطه.
ويرى سارتر الوجودي أن السعادة محض خرافة، ولكنه يعترف بوجودها محددًا لها ثلاثة أشكال، تتمثل: ( بما يملكه الفرد وبأفعاله، وبوجوده) .
لقد اعترض بعض فلاسفة العصر الحديث على بعض التصورات الفلسفية للسعادة، كالتصور الرواقي الذي يعتبر التصالح مع أقدارنا، والرضا بما نحن عليه، والانسجام مع الذات، والتآلف مع الطبيعة هو السعادة. وعلى التصور الوجودي عامة والنتشوي خاصة للسعادة. وعلى التصور الكانطي للسعادة على أنه نوع من أنواع الواجب الخلقي المتصل بالفضيلة، وعلى التصور الليبرالي للسعادة على أنه إشباع الحاجات الفردية الضيقة المعبرة عن آلة الاستهلاك الكبرى للعالم الرأسمالي المتوحش.
ورغم وجود تباين في مفهوم السعادة وفي شكل تحقيقها، فإن معظم الفلاسفة والباحثين قد اتفقوا على أنها مجموعة من المؤشرات السلوكية التي تدل على توفر حالة من الرضا العام لدى الفرد، وسعيه المستمر لتحقيق أهدافه الشخصية في إطار الاحتفاظ بالعلاقات الاجتماعية الايجابية مع الآخرين ومساعدتهم .
وإذا أردنا تعريف السعادة من حيث جوهرها فهي انتقال الإنسان من غريزة البقاء إلى حب الحياة. فغريزة البقاء فعل بيولوجي صرف تخلق الدافع لدى الإنسان للبقاء حيًا واتقاء شر الخطر على الحياة. أما حب الحياة فهو الانتقال من غريزة البقاء إلى حب الحياة بوصفها متعة وشعور بالسعادة والفرح.
في كتابه ” عزاء الفلسفة ” يصف بوثيوس كيفية نيل السعادة من خلال بلوغ الخير الأكمل المتمثل بالمحبة.