مهران سلوم ـ نفحات القلم ـ اللاذقية – 14/8/2023
كثر في الآونة الأخيرة ظهور عبارات جارحة تستهدف البشر والحجر ، رغم صعوبة الأجواء التي نعيشها وقسوة الحياة ومتطلباتها ، ولكن هذا لا يجعل منا أناساً تغلب علينا الطابع العدواني أو التهكمي أمام أي حدث أو بارقة أمل أو إنجاز لأحد. فتجد عشرات بل مئات العبارات التي تؤذي أشخاصاً يريدون أن يصنعوا تميزاً ما يرفعوا به من اسمهم وبالتالي اسم وطنهم بغض النظر عن تقييمنا لهذا الإنجاز .
ثقافة مجتمع
من المتعارف عليه أن الثقافة تعتبر مرآة المجتمع حيث تعكس أفعالهم وطريقة تفكيرهم ، فمنهم من يتبنى ثقافة العمل والإنتاج ومنهم من يختص بثقافة الإبداع والأدب ، وآخرون يلجئون إلى ثقافة الفن والرياضة .. وهذه تعتبر حالة صحية لتنوع المجتمع وغزارته واعتماده على حضارة موغلة في القدم ، فإن إن حرفت البوصلة وأصبح عنوان التهميش لكل إنجاز في إي ثقافة فإن المجتمع دخل في نفقٍ مظلم وأصيب بالعجز إن لم نقل المرض الثقافي ..
سؤال يتبادر إلى الذهن ..
هل نحن أمام انحراف البوصلة وخلق ثقافة جديدة غريبة عن مجتمعنا ؟
العبارات الجارحة التي نقرأها تحت إي إنجاز يقوم فيه شخص ما بأي عمل يبدع فيه ، تجد المئات من الجمل الخارجة عن الطبيعة الخيّرة لدى الإنسان ويتجه التعليق إلى إثارة المتلقي وزرع فيه الأشواك فقط لأنّ كاتب التعليق أراد أن يعبر عن ما يجوب في داخله ، دون أن يتردد أو يفكر في ما يكتبه قبل أن يرسله إلى صاحب هذا الإنجاز بغض النظر عن تقييمه ، لتطالع العديد من العبارات التي تخدش العقل وتظلم النفس فلو استعرضنا مثلاً بعضها ووضع الشخص المعلق نفسه مكان الموجه إليه التعليق فما كان حاله وما الرد المناسب على ما يعلق ..
” ما هذا الإنجاز السخيف ، ما الفائدة منه ؟ ” ، ” نحن لا نمتلك مقومات الحياة وأنتم تقومون بهذا الإعمال التافهة ” ، ” خزيت العين ..الآن سنحرر الأراضي المحتلة ونستعيد كرامة المواطن العربي ” ، ” ما شاء الله فتحنا الأندلس بهذا الإنجاز” .. والعشرات من التعليقات التي تخرج عن أطر الثقافة الطيبة التي يتحلى فيها السوري ..
الإنجاز …
ينتمي إليه الأشخاص الذين يحملون في أنفسهم العزيمة والإرادة والنجاح ..
تجارب لابدّ من ذكرها ..
منذ يومين دخل شاب سوري من محافظة اللاذقية قرية ” ديروتان ” في تحدٍّ مع الذات أولاً … اسمه ” حسام ديب ” واضعاً نصب عينيه أن يحطم الرقم القياسي في العزف على آلة العود بشكل متواصل الذي يحمله عازف عراقي بتوقيت أربع وعشرين ساعة وعشرين دقيقة ..استنفر كل الجهود وتواصل مع المعنيين حتى تمّ ما أراد وبدأ بالعزف بكل إصرار وعزيمة ساعة … ساعتين .. هكذا حتى وصل إلى الساعة السابعة والعشرين وأربع دقائقٍ تحت أنظار لجنة المسابقات العالمية “غينتس ” وتسجل مباشر دون توقف والآن ينتظر الإعلان الرسمي من المعنيين عن المسابقة ” …
وما إن وضع الخبر على الشاشات تحت عنوان شاب سوري يسعى لكسر الرقم في العزف على آلة العود .. ما هي إلا دقائق لتنهال المئات من التعليقات الجارحة التي لا تنم لثقافتنا وكأننا نعيش مرض ثقافي أصبح جاسم على صدورنا تحت عنوان نحن في أسوء حالاتنا فلماذا نسعى لرسم إنجاز أو فرحة أو نحاول أن نصنع ما يرفع الرأس فقط لأننا تحت تأثير الواقع السيء وهذا ليس مبرراً أن ننسى هويتنا الخيرة وكيف تربينا وحال هذا الشاب يشبه العشرات بل المئات من الذين يحاولون أن يصنعوا أشياءً جميلة في زحمة هذا الخراب الذي نعيشه ..
كلمات محفزة لابدّ منها ..
صخر أخو الخنساء عندما مرض، وبقي على فراشه سنة كاملة قبل موته سلمى زوجته، إذا سُئلت عنه تقول : لاحيّ فيُرجى ولا ميت فيُنعى!! وكانت أمه إذا سُئلت عنه قالت : أصبح بنعمة الله سالماً. فقال :
أرى أم صخر لا تمل عيادتي * * * وملت سليمي مضجعي ومكاني
و ما كنت أخشى أن أكون جنازة * * * عليك و من يغتر بالحدثان
كم هو فرقٌ بين الإجابتين ، فالكلمات الطيبة والخيرة تدخل في النفس وتسكن فيها وتدفع إلى المزيد من الإنجازات وتعطي الإنسان الحافز ليستمر فإن كان شعار كلّ منَا ” إمّا أن أنجح وإمّا أن أنجح ” فكيف سيكون حالنا …