لماذا لا يمكن البقاء لدى نقطة الرقص والانفصال عنها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟!
تعتبر لحظة 25 جويلية تحولا نوعيا لا كمّيا اي انها جذرية وقصيرة في الزمن، هي لحظة انهاء الانتقال الديمقراطي الذي استنفذ شروط وجوده والتحول كليا من نظام سياسي متعدد مراكز الحكم الى حكم مركزي…
تبنت عديد القوى المجتمعية والتكتلات الاقتصادية والادارية والتجمعات السياسية سواء كانت احزابا تنظيمات او اشكالا افقية ذات طابع فردي في مكانيزمات عملها هذه اللحظة وباركتها…
هنا لن نعدد اخطاء الانتقال الديمقراطي ووباء كورونا وخلافه من الازمات التي انتجها هذا النظام الهجين ومكوناته نحن بصدد تفكيك 25 وما يمكن ان ينتجه…
اعتبرت اللوبيات الادارية والمالية تلك اللحظة فرصة للتخلص من الوسائط الثقيلة وتعويضها بمكون هش وطارىء حسب تحليلهم المقطعي وفي لحظة بهتة…
سرعان ما ادركوا انه لم يكن هشا ولا طارئا وانه يعبر عن ميزان قوى مجتمعي قديم ذو مضمون اجتماعي اغلبي ولكنه كان مغلفا بتحيل سياسي اعلامي ومالي خلال الزمن السابق..
اضافة الى دعم خارجي قوي…
ولكن هذا الراكد في الاسفل الذي يعبر عن اغلبية تواقة للتحرر والانعتاق الاجتماعي يرافقه ابناء جلدة تمكنوا بفعل المصعد الاجتماعي والجهد الفردي من التموقع داخل مؤسسات قوية وصلبة والى الوعي الجماعي بالانتماء للهامش وضرورة التغيير الجذري….
الجزء الثاني هو القديم سياسة ومالا وادارة المنقسم بفعل خلافات ما بعد 14 جانفي والذي تمكنت عناصره الاكثر ضحالة من منع تشكله ( عبير نموذجا) وسرقة امكانية هذا التشكل اضافة الى انخراط بعضه في الانتقال وعمل البعض لدى اللوبيات في حين قرر الاكثر تعففا الاستقالة والمساندة العاطفية….
القوى الطارئة انصار المسار عانت انقساما بفعل الشد والجذب انخرطت مجموعة منها صلب اللوبيات الجهوية وغادرت مجموعة اخرى الى الفانتازيا السياسية وما تخلفه من ارتشاء ليبيرالي مغلف بخطاب ثوري، في حين ظلت المجموعة الاكثر التصاقا بمكان اجتماعها ومكوناته اكثر وفاءا وتجذرا واكتسبت عمقا نضاليا وتصميما لم تردفه بالتحصن بالفكرة السياسية “كيفية بناء الدولة الاجتماعية والوطن العادل” الذي هو مضمون يصارع بقية الاطروحات الليبيرالية والمافيوزية وينتج تيارا صلبا تنصهر فيه عناصر وتيارات اخرى لتتكون “الكتلة الاجتماعية” وعلى قاعدتها يحدث الفرز
من مع الشعب ومن ضده؟
والحقيقة انه لا يوجد تعريف موحد للشعب بالألف واللام فلنقل الاغلبية الكمية التي تتقاسم نفس الهموم ويقع عليها فعل الاستغلال لتتوسع دائرة اصدقاء الشعب وتتقلص مساحة اعدائه.
وتلك الاغلبية التي يجمعها الانتماء وتشابه الظروف هي رافعة المشروع الاجتماعي و”كتلته الاجتماعية” هي هيئة اركانه تلك الكتلة التي عليها ان تتوسع وان تطبع العمل السياسي بطابعها وان تخوض معركة ولادتها وافتكاك مساحات فعلها وتأثيرها سياسيا اقتصاديا واجتماعيا واداريا وثقافيا.
لقد انتهت النهضة القديمة باعتبارها تشكلا سياسيا هجينا يجمع مليارديرا بفقير لا يجد قوت يومه ليضع امامنا مشروعين للحكم “الكتلة الاجتماعية” و “الكتلة الليبيرالية” ينحاز فيها كل شخص حسب انتمائه الطبقي ووضعه الاجتماعي وتمثلاته الفكرية للمجتمع والدولة.
هي فكرة مطروقة ان نكون في مركب واحد بربّانين والاصل ان نكون في مركبين منفصلين في بحيرة واحدة.
قلت منذ البداية ان الرقص يجب ان يتوقف وان القانون بمؤسساته الحالية وافراده ومصالحه والادارة بتياراتها المصلحية والسياسية لا يمكن ان يكونا حكما لعقد سياسي واجتماعي ومالي جديد يجب ان يولد ليضع حدودا للجميع.
وان هذه العملية القيصرية هي اعلى من القانون والادارة ولكنها ليست مفصولة عن الواقع اي انها يجب ان لا تقودنا للانهيار الكلي او التصادم الكلي بل لانتاج البديل القابل للحياة والتطور والنماء.
ان التاريخ محكوم بالتطور لقد القى بجل الانتقال الديمقراطي الى خارج السياق التاريخي ولكنه ايضا مضى بعيدا عن الجمهورية الاولى انه الان في لحظة مخاض ثورية بامتياز قد تنتهي بالفوضى ولكن ارتدادها للخلف صفريّ تماما.
_يتبع