*بقلم ناجي امهز*
منذ طوفان الأقصى حتى اليوم ما زال الإسرائيلي غارقا في بحر من الأزمات على كافة الأصعدة، ولا يجد أمامه إلا خشبة الخلاص الأمريكية من أجل إنقاذه من الغرق كما حصل لفرعون زمن موسى الذي غرق هو وجيشه، ولا يوجد اليوم من هو أكثر فرعنة وإجراما وإرهابا ووحشية من الفرعون الإسرائيلي.
وكما للإسرائيلي حساباته وان أصبحت حساباته ضيقة وشخصانية ومضحكة وهزيلة مثل عضلاته التي نفخها بالسيليكون، لينطبق عليه القول (يلي بكبر عضلاته بقلو عقلاته).
وحقيقة أهم ما يتم الحديث عنه اليوم عالميا، ليس انتصار المقاومة الفلسطينية على أكثر جيش تطورا وتسلحا في الشرق الأوسط، بل عن الغباء الذي وصل إليه قادة الكيان الاسرائيلي.
حتى ترامب الغبي الأحمق استطاع بعقله المحدود أن يفهم أن جنرالات وساسة الكيان الإسرائيلي أغبياء، بل أغبياء جدا.
وكما أكتب دائما، ان الغباء في السياسة قاتلا، أن تربح الحرب أو تخسر الحرب أمرا يمكن تعويضه في مسيرة الدول، واليابان نموذجا خسرت الحرب لكنها لم تخسر بالسياسة مما جعلها تستعيد مكانتها ودورها، روسيا ربحت الحرب وخسرت بالسياسة ها هي لا تستطيع أن تنهض، فانها ما ان تخرج من ازمة كيانية حتى تدخل في ازمة كيانية اخرى.
والذي أوجد الكيان الإسرائيلي ليس مقاتلين يحملون البنادق، بل أدمغة جعلت عددا قليلا من المستوطنين أن يتغلبون على ملايين العرب والمسلمين واحتلال مساحة امتدت من سيناء وجزء من الأردن وفي الجولان وبالماضي في جنوب لبنان، وبعد رحيل هذه العقول انتهى الكيان.
حتى لبنان التاريخي وما شهده من نمو واستقرار واستمرار هو بسبب رجالات كانت رغم الاختلاف قادرة على صناعة القرار السياسي، ومنهم الشيخ بيار الجميل الذي اختلف مع دعاة التحالف مع إسرائيل حتى مع ابنه بشير، وكتب رسالة إلى كيسنجر عام 1975 قال فيها: لا يمكننا الانخراط مع الإسرائيلي في حرب ضد الفلسطينيين، وقال له حرفيا“ إن حربا واحدة تخسرها إسرائيل مع العرب تكفي للقضاء عليها، ونحن ناضلنا طيلة أربعمائة عام لنكون جزءا من الوطن العربي”.
نعم هكذا هو دور العقل السياسي، أنا الذي تربيت مع النخبة المارونية وتعلمت بعض قواعد السياسة، مما جعلني عندما أكتب مقالا أجد عشرات الآلاف يهتمون به، اليوم عندما أنظر إلى المسيحيين أجدهم أيتاما في السياسة.
أقصد اليوم لا يوجد عقل يدير الكيان الإسرائيلي بل يوجد عضلات تدير الكيان، والعضلات والشعوب لم تربح يوما معركة منذ ظهور الإنسان في الحياة الاجتماعية، فالشعوب تنتج قائدا يعبر عنها ويعبر بها ويجعلها في مقدمة الدول، والقائد هو الذي يحسن استخدام العضلات والقوة في معاركه…
كما أن الطبقة الحاكمة في إسرائيل اليوم هي استنساخ لغالبية الحكام العرب، لذلك الجميع يلاحظ أن نتنياهو لا يختلف عن أي زعيم رجعي عربي همه فقط إنقاذ نفسه على حساب شعبه، ونتنياهو الغبي يعتقد أنه بحال أحرق الكيان وفلسطين ولبنان وربما كل المنطقة من خلال توريط الأمريكي معه أنه يمكنه إنقاذ نفسه.
لكن الأمريكي وخاصة الحزب الديمقراطي حساباته مختلفة عن حسابات الغبي نتنياهو وحكومته وهي حسابات بدائية تنتمي إلى القرن المنصرم،
فالأمريكي اليوم لم يعد يريد النفط ولا حتى مستعد بان يطلق رصاصة واحدة من أجل النفط، فالمعركة اليوم تدور حول نظام الطاقة العالمي القادم، وهو متواجد في روسيا وإيران، وأقصد به الغاز،
النفط له بدائل لا تعد ولا تحصى وبأقل تكلفة، وان عملية التسويق والحروب في الماضي على النفط، هي بسبب أن النفط كان أحد الأسلحة التي يتم استخدامها بالسيطرة على العالم، أما اليوم فالأمر مختلف كليا.
لذلك عندما قصف انصار الله، حقول النفط في السعودية لم يتحرك الأمريكي وكل ما قام به هو الصراخ، أزمة نفط أزمة نفط، ليتبين أن الأمريكي كان يسعى ليتخلص من نفطه ويبيعه بأسعار مرتفعة، و اليوم هناك حديث عن محاكمة ابن الرئيس الأمريكي بايدن بسبب حصوله على ثروة طائلة من وراء صفقة النفط من خلال والده الرئيس بايدن.
أيضا علينا ان لا ننسى بان نتنياهو سيئ السمعة كثيرا عند الساسة الأمريكيين فهو انقلب على صديقه ترامب، وتصرف بقلة أدب مع بايدن.
لذلك لن يجد نتنياهو من هو مستعد لإنقاذه لأسباب عديدة، وفي مقدمتها أن القيادة العميقة الحاكمة في العالم، تريد حل الدولتين وإنهاء الملف الفلسطيني، من أجل التفرغ لإسقاط الحكومة السياسية في روسيا والسيطرة على الغاز، والضغط على إيران كي تكون جزءا من النظام العالمي الجديد، فاليوم العمل قائم على بناء منظومة تشابه أوبك، إنما هذه المرة هي لإدارة ثروات الغاز في العالم.
كما لا يمكن لأمريكا الدخول بحرب مباشرة دفاع عن الكيان الإسرائيلي ضد مجموعات المقاومة، بينما تتفرج على أوكرانيا وهي تنتحر بقتالها مع روسيا الاتحادية، مما يعني أنه بحال دخلت أمريكا الحرب ضد المقاومة يجب عليها أن تدخل الحرب ضد روسيا، والى الحكومة الأوكرانية ستتوقف عن مواجهة روسيا خلال ساعات وتعلن موافقتها شروط روسيا لوقف الصراع.
والحكومة الروسية تدرك تداعيات التدخل الأمريكي في الحرب ضد المقاومة الفلسطينية، لذلك تحاول روسيا عبر لسان بوتين أن تستفز الأمريكيين لدفعهم الدخول بالحرب.
ختام التصور، لا حرب كبرى، ومصير نتنياهو لا يختلف عن مصير رابين، رابين اغتيل لقبوله بحل الدولتين، ونتنياهو سيقتل لرفضه حل الدولتين وخاصة بعد الهزيمة الكبرى التي تلقتها إسرائيل، إضافة أن الرأي العام الإسرائيلي قد ينفجر بأي لحظة بوجه حكومته من أجل تحرير المعتقلين عند المقاومة الفلسطينية.
وعلينا ان نتذكر تصريح بايدن عام 2022 : أنه سيتعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصفه بـ”الصديق”، لكنه أكد معارضة السياسات التي تشكّل خطرا على حل الدولتين مع الفلسطينيين.
ويبقى ملف الأردن الذي أبلغت قياداته أنه أن الأوان للقبول بسيناريو الملك فاروق (مصر)، وأن يتغير الحكم ليكون جمهوري يتقاسمه الفلسطينيين والأردنيين مما يخفف الأزمة الفلسطينية ويمنح هامشا من الوقت للبحث في كيفية رسم الجغرافية النهائية للمنطقة.