يتصور الكثير، ان إيمان أي طرف بحل الدولتين والمطالبة به، مؤشرا ايجابيا على موقفه، ونحو من الانصاف للقضية الفلسطينية، وهذا التصور ناشئ من ان الاعتقاد بأن الدولتين اللتين يتحدث عنهما الحل، هما دولتان متكافئتان في المساحة والامكانات او على الاقل متقاربتان نسبيا، ولا يدري هذا الكثير، ان حل الدولتين الذي تتغنى به اطراف كثيرة يساوي (٢٢٪ من الارض للفلسطنيين و٧٨٪ للاسرائليين) ، على ان تتقلص الحصة الفلسطينية الى ٢٠٪ عند التطبيق العملي، ولاجل فهم ملابسات هذا الموضوع لا بد من عرض تاريخي موجز لفلسطين وما جرى عليها وفقا للآتي:
– استولى الاستعمار الجديد على تركة ما يسمى بالدولة العثمانية على اثر مجموعة من الحروب، وكانت فلسطين وشرق الاردن من حصة الانتداب البريطاني، والذي خوله بحسب قرار من عصبة الامم المتحدة ادارة شؤون هذه المستعمرات، وهكذا كانت فلسطين وشرق الاردن تحت الانتداب البريطاني بعد نهاية الحرب العالمية الاولى.
– لاحقا، ولاغراض سياسية واسرار ليس هنا محل الحديث عنها، تم منح شرق الاردن استقلالية فدرالية واخيرا، وتم اعلان المملكة الاردنية دولة مستقلة، وبقي الانتداب على فلسطين الحالية.
– تنامت الكراهية لليهود في اوربا، وزاد الصراع بينهم وبين الاوربيين في اوربا الشرقية بشكل اكبر، خاصة مع تصاعد التوجه القومي في اوربا نهاية القرن ال 19، وكانت الجمعية الصهيونية وهي حركة قومية دينية قد تأسست، وكان اهم اهدافها جمع الشتات اليهودي في وطن واحد، وادعت ان هذا الوطن هو اسرائيل التي تساوي في نظرهم فلسطين، بناء على مقولة ان فلسطين هي الوطن الاصلي لليهود.
– دفعت قيادات اوربية بفكرة افراغ اوربا من اليهود، وهكذا صدر وعد بلفور عام 1917 الذي منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين، وكان هذا رأي نابليون ومكماهون، وهكذا سيرت رحلات يهودية الى فلسطين بتشجيع من القيادات الاوربية منذ نهاية القرن ال 19 وتزايدت بعد الحرب العالمية الاولى.
– شهدت السنوات ما قبل رزية عام 1948 ثورات وانتفاضات بين الفلسطينيين واليهود على ارض فلسطين، لكن الزحف اليهودي كان مستمرا.
– لم تكن العلاقة بين الجماعات اليهودية والانتداب مستوسقة دائما، اذ تصاعد التوتر بينهم وشنت الجماعات اليهودية هجمات على البريطانيين، وتم احالة المشكلة الفلسطينية الى الامم المتحدة، حيث شكلت لجنة للنظر في الموضوع واعلنت قرار التقسيم اي تقسيم فلسطين الى دولتين فلسطينية واسرائيلية، اذ رحب اليهود بالقرار ورفضته المجموعة العربية وطالبت بصيغة فدرالية، لكن الامر مضى، وهكذا تراكم التراجع العربي، وانتهى الامر باعلان دولة اسرائيل عام 1948 وهكذا اعترفت بها امريكا وروسيا وانسحب البريطانيون، وصارت اسرائيل واقع حال، فيما لم يتم الاعتراف بفلسطين.
– ومع زيادة تراجع الوضع الفلسطيني، الذي كان يفقد الارض بشكل تدريجي، لصالح التمدد الصهيوني إلا ان الامور كانت افضل نسبيا مما تلاها إلى ان حلت نكسة حزيران 1967 حرب الايام الستة، بين اسرائيل ومصر وسوريا والاردن، والتي انتهت بهزيمة العرب وسيطرة اسرائيل على القدس والضفة وغزة وسيناء والجولان، وهو ما اعطى لاسرائيل ضعف الارض التي كانوا قد سيطروا عليها.
– بعد الحرب، كانت المطالبات ان تعود اسرائيل لما قبل 1967، وهكذا طرح ما يسمى بحل الدولتين، وقيل ان نعوم تشومسكي اول من طرحه، والذي لاقى رفضا يهوديا وفلسطينيا، وكان اهم القرارات التي نظمت هذا الحل القرار 242 في 1967.
– ان هذا الحل يتضمن منح الفلسطينيين ٢٢٪ من فلسطين، وكذلك حسم ملف اللاجئين والقدس، وهي قضايا اصبح حسمها مستحيلا.
ان مراجعة موضوعية لكل الادبيات الصهيونية، والتصريحات لكل الحكومات الاسرائيلية، وموقف الشعب الاسرائيلي، ترى بوضوح، انها ترى بأن فلسطين لا تستوعب دولتين، بل هي دولة واحدة للاسرائليين فقط، لذلك ليس في مخيلة الاسرائيليين وجود آخر الى جانبهم، ولو ان يكون هذا الوجود فدرالية فلسطينية، لذا فالحل في نظر الفلسطينيين هو الاخراج الكامل للفلسطينيين من فلسطين، وهذا الامر لا يخص غزة فقط، بل يشمل الضفة لكن الامر مسألة وقت.
ومع فرض الموافقة او التماهي الاسرائيلي مع هذا الحل، فإنه يعني بكل وضوح منح كل الفلسطينيين ٢٠٪ من فلسطين لا غير.