بقلم : أحمد جوني – كاتب و روائي سوري – نفحات القلم ـ اللاذقية
النص الروائي هو نتاج وسطه الثقافي ،زهران القاسمي مرر أمام أعيننا شريطاً من السرد لكثير من جوانب المجتمع العُماني نحن في غفلة عنها .
بعد أن فرغت من قراءة روايته الأربعة:
تغريبة القافر – جبل الشوع – القناص – جوع العسل .
اكتشفت أنني أمام روائي بهيئة مساح ( طبولغوي ) ، حيث تمكن زهران القاسمي من رسم خارطة لغوية ثلاثية الأبعاد لسلطنة عمان بأدق تفاصيل خصوصية المجتمع العُماني وبالاخص الريف ، حدد بالسرد معالم تلك الجغرافيا ، ورسم بلغته البيئة العُمانية من كل جوانبها ، من خلال هذه الخارطة اللغوية لعُمان تمكن زهران القاسمي من نقل بلاده من المحلية إلى العالمية ، فيما مضى كنا أمام جغرافيا لبلد محدد بخارطة طبيعية واقتصادية وسياسية وصرنا اليوم أمام خارطة لغوية لهذا البلد ( كما اسميتها ) بفضل التقنيات التي يمتلكها الروائي زهران القاسمي .
في جميع رواياته هناك بطلان يتحركان بشكل مواز لبعضهما ومتقاطعين في الوقت نفسه البطل الاول : المكان والبطل الثاني: الشخصيات.
والمساحة السردية التي تفصلهما أو التي تشكل نقطة التقائهما هي الحدث الروائي .
الحضور المكثف للبطل الأول (المكان) أثر بحضور البطل الثاني ( الشخصية ) وساهم في بناءها وإعطاء أبعاد لها…وعمل على صقلها بخصوصيته وثقافته ،فالمكان يحفز الشخصيات على الحركة المستمرة ضمن مساحة السرد، والحركة هي فعل خلق وابتكار من خلال حركة الشخصيات التي لا تتسم بالتوقف قط ، تمكنت من بناء ذاتها وتطورها ضمن المسار الزمني للحدث وهذا ماسيلمسه القارئ .
الشخصيات تستفيد من تجاربها الحياتية في عملية بناءها ،فهي تخضع للتحديث عند كل تجربة تخوضها أو موقف تتعرض له ، حيث تكثر المنعطفات في حياتها ضمن إطار زمني تتحرك على سكته وفي كل محطة تضيف لها شيئاً جديداً ، فالمكان بطبيعته وخصائصه تعيد تشكل الشخصيات في مسار تصاعدي للأحداث ، فجميع أعمال الروائي زهران القاسمي تتقاطع في في هذه النقطة .
إن شخصيات أعماله الروائية ( الشخصيات الأساسية ) تنزع إلى حب المغامرة والسعي وراء الحصول على مكاسب لم يسبقهم إليها أحد من قبل .
التنقل والترحال والسفر سمة أساسية في روايات زهران القاسمي ، فلا يخلو عمل روائي له من هذه السمة ، لا ثبات في بقعة معينة لفترة طويلة ، الحركة الدائمة تطغى على الشخصيات ، فلا تثبت الشخصية في مطرح واحد ، الانتقال (من و إلى) ضمن هذين الحدين بوتيرة متصاعدة أحياناً و متباطئة في أحايين أخر.
المتلقي في روايات زهران القاسمي ( تغريبة القافر – القناص- جوع العسل ) يجد أن الشخصيات الرئيسة تتقاطع في قواسم مشتركة .
سالم بن عبدالله ( تغريبة القافر) ،صالح بن شيخان ( القناص ) ،عزان بن سعيد ( جوع العسل ) ، الشخصيات الثلاث الآنفة الذكر تتسم بالإبجابية، وقوة الإرادة والتصميم والإصرار على بلوغ الهدف ،وإحداث تغيير إما على الصعيد الشخصي أو على الصعيد العام ينعكس بشكل إيجابي ويترك بصمته .
رمزية تيس الجبل في رواية ” القناص ” :
يرمز تيس الجبل إلى القوة والشموخ والكبرياء والآمال الصعبة المنال أو التحقق وهذا مالمسناه في هذه الرواية .
نلاحظ صالح بن شيخان الذي يهوى القنص حيث أن من يمارس هذه الهواية يتحلى بالصبر والنفس الطويل ، نشاهد في مجرى الأحداث كيف صالح بن شيخان لايهدأ ولا يستكين قبل أن يحقق أمنيته في صيد تيس الجبل ، يطارده بين الجروف الصخرية والمنحدرات القاسية وأعالي الجبال من أجل تحقيق الحلم ، فقد تحول تيس الجبل إلى هاجس أو حلم مطارد من قبل صالح بن شيخان، في النهاية يتمكن من صيد تيس الجبل ، لكن ماحدث أنه عند اصطياده للوعل ( تيس الجبل )فقد الإحساس بنشوة من وصل إلى مبتغاه ، نستنتج أن المتعة ليست في تحقيق الحلم أو الغاية فحسب إنما في السعي إلى ذلك .
رمزية النحل والعسل في رواية ” جوع العسل ” :
ترمز النحلة إلى العمل والحكمة والنظام والشجاعة والقوة
وفي مصر الفرعونية أحيط النحل بهالة من القداسة ، لأنه ولد من دموع إله الشمس رع ،لهذا يكتسب النحل صفة إلهية ، وفي اليونان القديم ،يعد عسل النحل البري طعاماً شهياً وغذاءً للآلهة يمنح الخلود والأبدية .
أما المسيحيون فقد اعتقدوا أن النحل يولد طاهراً، وصار رمزاً للحبل بلا دنس ويشير إلى بتولية وطهارة السيدة مريم العذراء ، وقد رأوا فيه تجسيداً لروح القدس ، وقد ربطت الكنيسة المسيح نفسه بالنحلة ، حيث برمز عسلها إلى نعمة المسيح ولدغتها إلى آلامه .
ففي رواية ” جوع العسل ” نجد عزان بن سعيد الذي يعمل نحالاً حينما يلدغه النحل ،كأنه يكتسب بعضاً من آلام المسيح وعندما يتناول العسل فهو يحصل على نعمة من نعم المسيح المخلص ، لكن عزان بن سعيد يتوق للحصول على النحل البري وهو كما أشرت آنفاً يرمز إلى الخلود ، طبعا ليس مبتغى عزان بن سعيد أن يصبح خالداً بالمعنى الحرفي إنما أن يخلد اسمه بوصوله إلى المجد بعد أن استحوذ على العسل البري ، لكن ليس من السهل بلوغ المجد ، عندما وصل إلى خلية النحل البري وفي طريق عودته بهذه الغنيمة التي مابعدها غنيمة انزلقت قدمه وسقط في كهف عميقة، هذه الكهف ترمز إلى مراجعة الذات و التوقف كثيراً عند لحظة الموت الذي زار عزان بن سعيد ، لكن تدخل القدر بوساطة ” ثمنة ” راعية الماشية أعاد خلط الأوراق من جديد ، ” ثمنة” التي كان يبحث عنها أثناء بحثه عن العسل البري ، فالعسل البري كما أشرت يرمز إلى الخلود أو المجد و” ثمنة ” ترمز إلى الحرية والانعتاق كون السمة الأساسية لراعي الغنم عدم الاستقرار في مكان محدد إنما التنقل باستمرار بحيث تكون كل الأرجاء هي مراع لقطيعه ، فيحسم عزان بن سعيد أمره ويختار الحرية المتمثلة بالراعية”ثمنة” ويبدأ بالبحث عنها مجدداً.
رواية ” جبل الشوع ” :
لن أستفيض كثيراً في الحديث عن هذا العمل ، حيث نجد ثلاثة أو أربعة أبطال يتوقون للسفر والترحال أحدهم يريد العودة إلى موطنه و رفاقه يسعيون إلى حياة جديدة بعيدة عن موطنهم،
هذه الشخصيات بحسب المنهج الجدلي لهيغل هم أفكار خالصة في ذاتها ( المرحلة الأولى : هم في موطنهم ) ، الأفكار في الآخر ( المرحلة الثانية : السفر والاغتراب ) ، الأفكار عندما تعود إلى ذاتها ( المرحلة الثالثة : العودة من السفر بعد أن أصبحوا مشبعين بالتجارب والأحداث