نشر احد الاخوة إعلانا عن كتاب له في طريقه إلى الصدور بعنوان (الجنس المدنس والدين المقدس)، وقد كتبت تعليقا، وجدت من المناسب إفراده في منشور مستقل، لانه طرح اشكالات معرفية تجاوزت حدود الكتاب.
– مما لا شك فيه، ان عددا كبيرا من اسئلة الجنس القديمة، ( وهنا نتحدث عن المفهوم العام)، لا تزال غير مجابة في ادبياتنا العربية بمختلف مشاربها، بل وحتى الادبيات الاجنبية، رغم الكم الكبير للادبيات الصادرة باللغات الاجنبية وخاصة الانجليزية والفرنسية عن الموضوع ومقاربته من جهات متعددة، هذا فضلا عن العدد الاكبر من الاسئلة المعاصرة لهذا الملف الشائك مثل (الجنس والسياسة، الجنس والتجارة، الجنس والاستثمار، الجنس والطب، الجنس والعولمة، الجنس والارهاب، الجنس والجندر، الجنس والاعلام، الجنس والحرب، الجنس والقانون)، ففي كل واحدة من هذه الثنائيات مصفوفات واسعة من الاسئلة الرئيسة والفرعية، والتي تشكل بمجملها مجهولا معرفيا خطيرا وحاجة عملية كبيرة.
– ثنائية الجنس المدنس والدين المقدس، تتماهى مع فرضية غير موضوعية تأسست عليها معظم الدراسات الغربية والمستمدة منها، إذ تسطح المفهومين (لفظيا) بطريقة شعبية من خلال المراوغة خلف كلمتي المقدس والمدنس التي يتضح التنافي بينهما إلا ان واقع الحال لا تنافي بين الدين والجنس وفقا لكل ادبيات الاديان، وان جوهر المشكلة يتعلق بالتقنين والكيفيات، وإلا ففي النظرة المبدئية المستبطنة في عمق كلا المفهومين تستلزم إرتباطا ضمنيا، فضلا عن الاعتراف المتبادل، بشرعية كل منهما في نظرة الآخر.
– في نظرة عميقة لجوهر المشكلة المتصلة بالجنس، يكمن الامر في (الدور والوظيفة)، وهو ما تتنازعه الفلسفات والاتجاهات، ويدلو الدين بدلوه في هذه المعركة الشائكة، حيث يحتدم النزاع حول المرجعية العليا التي تحدد الدور والوظيفة، وهل يمكن اعتبار الامر شخصيا يتباين فيه الاشخاص كل بحسبه، وان ما يجده كل فرد من حاجة في اعماقه كافية لأن تكون مرجعية عليا لتحديد الدور والوظيفة ام ان الامر موضوعي، يتجاوز الذات، وبالتالي فإن مرجعية تحديد الدور والوظيفة غير معنية بطبيعة ونوع الاحساس والحاجة لكل فرد من الافراد، وانما هي منتظمة في ظل سنن ورؤية كونية عليا.
– هناك ثنائيتان قد تبدوان للوهلة الاولى غير ممكنتي الاقتران وهما ثنائيتي (الجنس والكمال) و (الجنس والجمال)، واعتقد انهما الخطوة المتقدمة التي تتجاوز حدود النظرة التقليدية (لدور ووظيفة الجنس) في حياة الانسان الفرد والانسانية الكل، وهنا، تنتقل القضية من أسر (المدنس) المتعلق بالفهم المادي للجنس الى الجانب المعنوي، فهل يمكن الوصول الى الكمال دون المرور بالجنس من خلال فهم مختلف للدور والوظيفة؟ وهل يمكن ادراك جوهر الجمال دون ان يكون الامر مقترنا بجوانب تتعلق بالجنس؟ وكيف السبيل الى مقاربة تضع الجنس بوصفه (سنة كونية اصيلة) في قلب رحلة السعي نحو الجمال والكمال؟
– اجزم اننا امام حاجة ماسة لاكثر من حقل معرفي مختص يعبر حدود الحقول المعرفية المعهودة ليتلائم مع البحث في اسئلة هذا (المشكل الازلي الابدي) الذي يتأكد حضوره اكثر من حضور الجغرافية، وان يتحرك هذا العمل (اي البحث المعرفي) في فضاء آمن (معرفيا وقانونيا واجتماعيا) حتى يبلغ محله.