شاعر غني اسما ونتاجا، يعيش الحرف معه في ترف واضح؛ إنه ضيفنا من اليمن الشاعر: عبد الغني المخلافي.
حاورته منيرة أحمد
= البداية معك أستاذ مع نبذة تعريفية.
– عبدالغني المخلافي؛ شاعر وكاتب.
الجنسية: يمني
مكان وتاريخ الميلاد: تعز 1972
-سكرتير التحرير في فضاءات الدهشة ومدير مجموعة مجلة نصوص من خارج اللغة.
– نُشرت لي الكثير من الكتابات – شعر تفعيلة – قصيدة نثر – قصة قصيرة – مقالة أدبية – مقالة فكرية وحوارات في عدة مواقع إلكترونية وصحف ومجلات ورقية عربية.
تُرجمتْ عدة نصوص لي إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية.
شاركت في ديوان مشترك لشعراء تعز “عطش الغيم” ضمن إصدارات «معرض تعز الرابع للكتاب 2021 وفي إطار اهتمام ودعم وتبني مكتب الثقافة في المحافظة.
شاركت في عدّة أمسيات شعرية عبر برنامج زوم على منصة المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح.
صدر لي تسعة كتب إبداعية؛ منها سبع مجموعات شعرية:
“للوجع مكان في عينيه” 2015.
“أبواب ليس لي إغلاقها” 2017.
“فخ على شكل قصيدة” 2020
“العصافير لا تكتثر بما يحدث” 2021
“البهجة مطلب عصي” 2022
“غرفة بعين واحدة” 2022
“جباه طافحة بالقصائد” 2023
“انثيالات على الورق” نصوص سردية 2021
“خيار العودة” (يوميات أديب) عمل سردي 2023
“كائنات التراب” مخطوط شعري قيد الكتابة.
= جباه طافحة بالقصائد آخر مجموعاتك المطبوعة، بم تحدثنا؟
– مجموعة “جباه طافحة بالقصائد”، هي مجموعتي الشعرية السابعة، وكتابي الثامن من حيث الترتيب لإصداراتي. كتبتها بعد صدور مجموعتي الشعريّة السادسة “غرفة بعين واحدة”،
كنت انتهيت من كتابتها وإرسالها للناشر/ الأستاذ خالد عدلي صاحب دار متون المثقف للنشر والتوزيع قبل خمسة أشهر، أرتأينا أن يكون إصدارها متزامنًا مع قرب معرض الكتاب الدولي بالقاهرة. استهلكت ثلاثة أشهر بالتمام في كتابتها؛ تكون الكتاب الثاني فيما أنجزته بعد عودتي من الغربة، وقد أتت بثمانية وأربعين نصًا في قصيدة النثر ومواضيعها متنوعة اعتمدت التنويع ببصمتي وتناولاتي فيها، تمحورت بين معاناة الوطن المعاشة والتي لا نستطيع تجاوزها، هناك مواضيع أخرى مثل الذاتية والعاطفية والغربة، حضرت الحبيبة واستجراري للماضي سواء كان في الطفولة أو الشباب أو ما يخص العائلة والمحيط.
=تضرب بسيف الحرف: الكلمة سلاح .. الموقف كلمة. والمحصلة؟؟؟
– الشاعر يخوض جميع معاركه بمختلف أنواعها بسلاح القصيدة؛ يبرز انطباعاته واحتجاجاته، ويعري كل القضايا والمواقف سواء كانت اجتماعية أو أسرية أو سياسية؛ ويبقى المجهر الفاضح لأمكنة العوار والتشوهات بحيادية وموضوعية ولا يقف في البعيد أو في القرب حتى يتسنى له الرؤية بشمولية منسلخًا عن الذاتية، كاشفًا عن بؤر الاعتلال، حتى وإن امترغ فيها، فلن تُحجبْ الرؤية الجلية عنه.
يربت على الأكتاف، ويطبب الجروح ويصرخ بلسان المظلومين، وأيضًا يصفع ويبصق على الوجوه دون أي مهادنة أو إغاظة، فلا يمكن أن يكون أداة لطرف من أطراف المجتمع أو السلطة أو الأحزاب أو المذاهب، يبقى في الوسط مصوبًا نظره على أماكن السوء والأوحال.
=ما له ثوب العلاقات؟ وهل للشعر أن يقطع خيوط المواجع ليحيك سجادة فرح؟
ونحن نعيش كارثة الحرب وأثرها على المجتمع وما تركت من تشوهات بالغة في النفوس والأمزجة والقيم والأخلاق وما خلفت من ثقوب وتهتك في العلاقات في وسط المجتمع اليمني. فبلا شك الإنسان أناني بطبعه وجحود، سريعًا ما ينسى الجمائل والمواقف في المروءة والتقدير، خاصة إذا لم يعد يُرجى منك مصلحة أو غرضًا فستجد من أدار ظهره متناسيًا كرمك ومحبتك. وأيضًا الشخص المميز عن بقية أقرانه ورفاقه في أي مجال كان، في محيطه أو في مجتمعه سيقابل بالحسد والغيره، فلا يمكن منحه القيمة أو الإشادة، وخاصة المبدع الفنان يكون مغبوطًا ومحسودًا.
إلى الآن أصدرت تسعة أعمال إبداعية فلم أجد مباركة أو تشجيعًا، بل تلاشوا عني وصاروا يتجنبون لقائي. فالمحيط يغمر التميز ويظهر الإخفاقات. فإذا ما شكيت لأحد فاقتك ومشاكلك فسيستمع بإذعان لك وسيلعب معك دور الأب الحنون والصديق المحب، وإذا ما تحدثت عن نجاحاتك ابتعد بحديثه الي موضوع آخر وبوجه ملطخ بالغيرة وتذكر ارتباطه بموعد أو بعمل لكي ينصرف عنك. فأمثلة كثيرة لأعلام في الفكر والأدب والسياسة لم تلق الاستحقاق أو القيمة، وأيضا لم تنجح في محيطها أو في مجتمعها بل إنها وجدت من آمن بقيمتها خارج بلدانها وبيئاتها. فهذه الآفة قابلت كثيرًا من المبدعين والمميزين على مر العصور.
= عرفناك في ساحات الشعر مقداما فماذا عن تجربتك في السرديات؟
حقيقة العمل السردي يحتاج إلى مساحة متسعة من التفرغ والخبرة والتراكم في الثقافة والتجربة الحياتية والنضوج الكامل في حرفية الكتابة والوعي الفني كي تستطيع المضي حتى نقطة النهاية على أكمل وجه من حيث البناء اللغوي والحبكة الدرامية وخيط السرد خاليًا من الهفوات والفجوات والسقطات والتكرار. سبق أن أصدرت مجموعة نصوص سردية؛ “انثيالات على الورق”، كل نص بعنوان منفرد؛ عملت على ترتيبها من حيث المواضيع كثيمات متتالية، ضمنتها مسيرتي مع الكلمة وعلاقاتي مع أصدقاء بنفس الميول، جمعني بهم الإبداع والثقافية.
هأنذا أصدر عملي السردي؛ كتابي التاسع والثالث بعد عودتي من الغربة، خلال عام وخمسة أشهر، استطيع أن أقول: إنني وضعت نفسي في تحدٍ حقيقي حيث استطعت كتابته في فترة وجيزة، وبفكرة رئيسية متسلسلة إلى الختام؛ هو عمل روائي من حيث التصنيف لكني لم أستطع تسميته رواية بالشكل المتعارف عليه في الرواية، فللرواية أشكال وقوالب متنوعة، هناك الرواية المتعددة في الدراما والحبكة والأدوار و الرواية السّيرِية والذاتية.
جعلته بعنوانين: “خيار العودة” (يوميات أديب)
على غرار (الأيام) للمرحوم طه حسين. لا يوجد تصنيف عليه، لكن من العنوان الثاني يتضح بأنه عمل سردي ذاتي، هناك أعمال تتشابه معه؛ سردت في القسم الأول منه أسباب توقفي عن العمل واتخاذي قرار العودة عبر التهريب وخوضي المغامرة في عودتي إلى الوطن من السعودية، مجتازًا لحدود البلدين المشتعلة بنار الحرب، ضمنته مخاطر يقتحمها
اليمني من أجل لقمة عيشه وأيضًا ما لحقه من جراء الحرب سواء في وطنه أو في غربته ولم يلتفت له أحد، بل إنه دفع ثمنها من رزقه ومن دمه المسفوك بعودته من السعودية عن طريق التهريب وفي تهربه إليها من أجل العمل. القسم الثاني بعنوان (يوميات)، أوردت به ما عشت بعد عودتي من مواقف ومتغيرات، مرتبطًا بالفكرة الرئيسية،متحدثًا عن طقوسي في تجربتي مع الكتابة وارتباطي المتجذر فيها وازدياده الشديد، حيث وجدت نفسي في غربة أخرى بعد أدراكي الفجوة الكبيرة بيني وبين محيطي ومجتمعي، فكانت الكتابة المحيط والمجتمع والأهل والأصدقاء والنبض والتنفس؛ رصدت ما يدور حولي من تقلبات وأحداث يومية سواء مرتبطة بي أو كانت بمحيطي أو بمجتمعي أو ببلدي اليمن الكبير.
=ماذا عن السياسة – الوطن – المرأة في شعرك؟
– بالنسبة للسياسة، لا يستطيع الشاعر الانفكاك عنها كونها مرتبطة بوضع بلده والشاعر انعكاس، وبالأصح مرآة لما يدور حوله من قضايا وطنية واجتماعية وعائلية وأمور ذاتية؛ فلا يمكن أن يبقى الفنان بمعزل عنها،
بشرط ألا يكون أداة بيد أحد إنما لسان حال الوطن الناطق بأوجاعه وهمومه بلا توجيه أو مقصد أو مصلحة أو دافع أيدلوجي أو مذهبي أو حزبي أو سلطوي.
-الوطن: شرف المواطن سواء كان العادي أو المثقف أو المبدع فإذا تعافى تعافى الكل وإذا مرض مرض الكل وإذا نزف نزف الكل وإذا أهين أهين الكل وإذا شمخ شمخ كل ما فيه من شجر وحجر وإنسان وحيوان وسائر المخلوقات.
– المرأة هي الملهمة في كل الأحوال، الدافعة لقريحة المبدع ولقلمه؛ المنبثق من العشق، من الشجن، من الحنين، من الوجع، من اللهفة ومن الاستعار؛ المثمر من الأغاني الشجيية في كنفها.
تظل ينبوع الشاعر و الفنان بشكل عام.
كانت بالنسبة لي المدرسة، الجامعة، المحفزة لاعتناقي الكتابة، دفعت بي إلى الكتب والشخبطات الأولى والتعبير عن دواخلي؛ أوصلتني إلى مراتب متقدمة في المعرفة والإبداع والسلوك والقيم والجمال والفن.
عشت تجربة حب سامية في مقتبل شبابي؛ كانت مثرية لمشاعري وحسي ورؤيتي في الحياة.
= هناك القصيدة الرواية … ما رأيك هل جربتها لتشكل منها ديوانا خاصا؟ يقال إنها ميزان اختبار لشاعر غير عادي. ما رأيك؟
– هل المقصود من السؤال كتابة الشاعر لرواية بلغة شعرية على غرار رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي؟!
سأجيب على أكثر من جانب، سبق أن أجبت في إحدي إجاباتي عن سؤال من أسئلتك بأن الرواية لها أشكال وأساليب عديدة ويظل المعيار الحقيقي فيها هو الفن بعيدا عن الشكل والأسلوب، علينا أن نرتقي بما نكتبه إلى معايير الفن فهي تتفاوت.
قد يكتب الشاعر رواية ذاتية في مجموعة شعرية أو على امتداد تجربته الشعرية.
هناك ذات الشاعر الخاصة، وهناك الذات الجمعية تمثل ما يعيشه المحيط والمجتمع والشعب في الوطن والأمة جميعها.
= هديتك لنا جميعا؟
– هديتي لكم ثلاثة نصوص من مخطوطي الشعري الجديد وكتابي العاشر: “كائنات التراب”، قطعت شوطًا طويلًا به، انتهجت الاختلاف فيه من حيث الأسلوب والشكل والتكنيك عن مجموعاتي السابقة؛ ربطته بمقاطع تأتي على شكل ثيمات كل ثيمة تكملها الأخرى دون عناوين.
مع فائق المحبة والاحترام لحواركم معي.
لا عليك اِمْضِ، اضرب بسيف الحرف الجذوع النخرة،
أطلق سراح الأغاني في بحر المدى،
قل ما تشاء من القصائد المدبجة بالحرير والنار، والماء
واحتدام العصافير عند اندلاع الصباح،
ارقص رقصة الأستاذ زوربا،
العن الحياة أحيانا والثم وجهها،
اسلك طريق الشاعر المجنون، تمرد على كل الكائنات في الأرض والسماء،
أقبل، وأدبر، طر، اِجْرِ مع مياه السواقي، اهتز مع روابي الضفاف، ازحف مع الثعابين والعناكب،
اصدح مع الخفافيش ولا تنحُ منحاها،
تأمل دوران التحول والانقلاب،
انخفض، وارتفع مع المد والجزر،
في المطر والجفاف،
افرش حصير العشب ولا تغتم،
نم عندما تعتم الطريق وينحجب الأفق،
افرد ابتسامتك بألوان الفرح المكركر،
ضع ذراعك فوق كتف الوقت كيفما كان،
جالس الأخيلة المحلاة
بالضوَء والعتمة، بالألم والبهجة،
هات ما عندك من الحكايا والأناشيد عندما يطبق المساء
توضأ بالفن وأذّن بالشعر
وتأمَّم بجموع القصيدة.
يجلسُ إلى طائرٍ حزينٍ
فقد أحد أفراخه
ليلة البارحة،
يمضي بأسى
يقودُ موكبًا من الآلام
يهم بالعلو فيجثو،
يمقتُ صحف البهتان
يلعنُ أحاديث البغايا والرذائل
والعقول الواجفة؛
في مجلس السواد تُنهش الورود
والحكايا البيض
تطفو البلاليع والحقارات
وتُحرق الأعلام والنصوص الخضراء،
يُستحلب روث الحظائر ودخان المواقد.
يَخْطُو قصيدة بيضاء
إلى ضفاف وثيرة بالعشب
والطيور،
يُطبِّب جرح الأرض المفتوح والحَمَام النازف
ينادي بالأشجار: يا أشجار
أنا من أهلكِ؛
َمن سلالة السنديان والغار
من الروابي السامقة
ومن نباتات الأغاني والقصائد.
يعترضني جيش النمل المفترس برؤوس كبيرة
أخاف أن يأكلني أحد فصائله،
يحضرني حديثه مع الملك سليمان
ماذا لو تخاطبنا؟!
فأرى هدهدًا على حائطٍ متشرذمٍ
ينقل عني نبأً
تتبرعم مملكة سبأ في رأسي؛
ربما خرج بمهمة
ويخاف العودة بلا يقينٍ،
الأشجار بأفواه المصاصين للدماء، وبشعرٍ منكوش،
السهول تمتد حصيرة خشنة،
الجبال تلفظ أنينًا ملعونًا متحولًا إلى
قهقهة بصدى مروع، ووقواق يقذفني بشرر من الخبث
وينطفئ بسحنةٍ مموهة،
تصلب مسامير الليل شعري المتبقي
وأقع في شراكِ كائنٍ شبحي يَتماهَى بالأحراش،
السماء تنفجر بغضب الرعود،
تعتليني سحابة شمطاء بلهبٍ مستعرٍ،
أهربُ إلى كهف بأسنان مصبوغة بكلَس الشيخوخة،
أتقهقر بخطى مفقودة
تتوسع الفجوة الجهنمية
أبقى مشنوقًا بين التخطي والسقوط،
ثَمّةَ وطواط يتدلي من شجرة أدخنة يرقب ما سيحيق بي،
قطعان الظلمة تقذفها الرياح العمياء ملتطمة بالصخور
مقتلعة النباتات الوليدة،
يصرخ طائر الوحشة بعنق منتوف، الحجارة تصدر فحيحًا ثعبانيًا،
تحاصرني عقبان الرعب
فأحاول أن أنجو من لعنةِ الكابوس.