#المهدي_مسؤولية
(١١)
اللغة المهدوية.. وإشكالية حصرية دلالتها..
نعمه العبادي
تجاوزت الابحاث المعاصرة في : (سوسيولوجيا اللغة، علم نفس اللغة، علم اجتماع اللغة، فلسفة اللغة،…الخ) مرحلة النظر إلى اللغة بوصفها هذه الملفوظات المتداولة بين الناس والمكتوبة، التي تربط بين الألفاظ ومعانيها فقط إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إذ أكدت انها تحدد طريقة تفكيرنا، وتعبر عن موقفنا الفلسفي والثقافي تجاه الأشياء، وتخفي في مضمراتها التكوين الاجتماعي الذي نحن عليه، وفي ذات الوقت تمارس سلطة التأثير عبر ممارسة السلطة من خلالها، المتخفية في طياتها ونظامها الذي يعكس انظمة السلطة المنبثفة عنها.
لا يقف تأثير اللغة عند هذا الحد، بل تساهم في صياغة العالم الذي نريد وفقاً للتوظيف الذي نقصد، فهي منعكس لتصورتنا التي حددنا دلالتها وفقاً (لمقولة احد النظريات التي قدمت تفسيرات لعلاقة الاقتران بين الدال والمدلول)، وفي ذات الوقت هي أداة تمكننا من صياغة عالمنا وفقاً للمؤدى الذي نبغي، وقد عقدت مؤلفات كثيرة وكبيرة للبحث في وظائف اللغة ومهامها (ليس هنا محل بسط الحديث عنها).
يتمحور هذا النص حول سؤال إشكالي مضمونه: (هل للمهدوية لغتها الخاصة)؟، وإذا كانت الاجابة ب (نعم)، فهل تختلف هذه اللغة بإختلاف المهدويات؟، ومع هذا الاختلاف، هل هناك مسؤولية تجاه من يتبنى مهدوية ما، ان يتعطى بلغة تلك المهدوية الخاصة؟
تقوم كل الرؤى المهدوية على مبدأ (الخلاص)، والذي يعني وجود مخلص، يظهر في زمان ما، وفق سردية كل مهدوية، ويستنقذ العالم من الظلم والاستبداد والفساد، ويبسط العدل والاستقامة والطهارة، وتختلف كل سردية من هذه السرديات حول مخلصها، وصلة هذا المخلص بالسماء، والكيفية التي يقوم من خلالها بتخليص العالم مما لحقه من الظلم والفساد.
تعد مفردتي (الخلاص والمخلص) سنام قاموس اللغة المهدوية، وتحضر هاتان المفردتان بقوة في المنظور المسيحي والاسلامي الشيعي على وجه التحديد، إذ تستدعي كل منهما في منظور مستخدمها سرديته الخاصة، ومع عمومية غريزة التطلع للخلاص ووجودها في الوجدان البشري، لكنها تأخذ مدى خاصاً عندما تقترن برؤية ما، فالخلاص اليهودي – المسيحي أو الخلاص المسيحي، يرتبط بقيامة المسيح او بعودة صهيون او بسرديات اخرى، فيما يتمركز الخلاص عند اتباع أهل البيت عليهم السلام في صورة محددة للإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه، والذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد ان ملئت ظلما وجوراً، ومع بعض الاختلافات حول الكيفية وفكرة الانتظار ودور الغيب في الموضوع وقضية العلامات والشرائط إلا ان جوهر الفكرة وعمادها واضح صريح بين مركوز في الوجدان الشيعي العام، كنحوٍ من الشعور القلبي والروحي الذي يمد الاتباع بالقوة والثبات، وفي العقل بوصفه سنة ربانية لا خلاف فيها ولا اختلاف، وهي مقتضى العدل الرباني، كما أنها تفرض مسؤوليات وادوار تقع على عاتق المؤمنين.
ينفرد القاموس المهدوي الشيعي الامامي الاثنا عشري بمجموعة مفردات، يعبر عن كل منها عن مفهوم خاص، وتشكل بمجملها عماد المهدوية الشيعية وهي : (الغيبة، الانتظار، الفرج، التمحيص، علامات الظهور، شرائط الظهور، الدعاء بالفرج، صاحب الزمان، إمام العصر، القائم، تعجيل الفرج) ويتفرع عن هذه المفردات سلاسل اخرى ترتبط بها وتشكل بمضمونها اللغة المهدوية الخاصة.
تتعرض لغتنا المهدوية الى جملة تحديات تتمثل بالآتي:
١- عدم وجود فرع معرفي خاص سواء في المناهج الدينية او في المؤسسات الاكاديمية، بل وحتى على مستوى التأليفات، يشتغل بشكل مباشر ومحدد على هذه اللغة وطبيعة مفرداتها والانزياحات الدلالية التي تعرضت لها وكل ما يتصل بها.
٢- تحاول الاتجاهات الشاذة والمنحرفة توظيف هذه اللغة بشكل مغالط وعبر الحذلقة والتلاعب بالالفاظ واستغلال ضعف الاطلاع والمعرفة عند العامة، لتدلل من خلالها على صحة مدعياتها، وقد مثلت بعض الجوانب الرخوة في الصياغات اللغوية المهدوية او التي تحمل وجوه متعددة، أرضية خصبة لهذا التأويل الزائف، وهكذا يجري تضليل الكثير عبر هذه الممارسة الشيطانية.
٣- يتزامن ضعف الاهتمام باللغة المهدوية مع غياب الثقافة المهدوية عن حياتنا العامة حتى في الاروقة الدينية، وعلى خلاف التأكيد الكبير والعظيم من قبل النبي واهل بيته سلام الله عليهم اجمعين على ضرورة الحديث صباح مساء بالمهدي وفرجه وطلعته والدعاء له وتوجيه بوصلة جميع الافعال خدمة لهذا الهدف، تغيب هذه القضية بشكل شبه كلي عن متداول الثقافة الدينية.
٤- ساهمت ثقافات الاضطهاد والتسلط التي فرضتها سلطات الجور والظلم في تقية مكثفة على مدى زمن طويل، تم استبدال اللغة المهدوية الصريحة بلغة مضمرة وكذلك تقليص وتحديد التداول المهدوي لغة ومضموناً، بل ربما ساهم الخوف في فترات معينة في إفراغ بعض المداليل من محتواها الحقيقي لصالح الابقاء على شكل بسيط لها، خشية ما يتربت على تبنيها، فلك ان تتخيل ماذا يمكن ان يتعرض له من يردد مفردة الفرج او الخلاص وهو يقصد تمام مدلولها في اروقة السلطات الظالمة.
٥- لقد ساهمت الحروب النفسية وسياسة التشكيك والاضعاف في زرع بذور الشكل والحيرة والشعور بعدم الثقة تجاه العقيدة المهدوية التي تمثل مصدر رعب وخوف لكل الاتجاهات المنحرفة، ورافق هذا الشعور خشية اكبر من استخدام اللغة المهدوية او تردد حول حقيقة مدلولاتها ومقصودها فضلا عن طببعة الثقافة التي تبشر بها.
إن هذه التحديات مجتمعة وما تفرع عنها من تداعيات وانعكاسات، حسرت لغتنا المهدوية في زاوية ضيقة، واحالتها عبر خطة ماكرة الى ركن الغيب الذي لا ينبغي ان ننشغل به او الذي لا صلة لها بحياتنا (وفقاً لهذه الدعاية) ، وقطعت اوصال الربط بين هذه المفاهيم وصلتها بحياتنا اليومية نحن المؤمنين بالمهدوية وفرجها الاكيد، الامر الذي يفرض استحقاقين مهمين عاجلين هما:
– جهد جماعي منظم لإعادة حضور لغتنا المهدوية ومفردات قاموسها وبقوة في حياتنا وخطابنا اليومي، وخاصة عند ابنائنا.
– تبادر المؤسسات المعنية لإفراد جهد معرفي خاص يتعلق باللغة المهدوية وشأنها، ويدخل ضمن ذلك كشف زيف الجهات المنحرفة التي توظف القاموس المهدوي لأغراضها.
ارجو ان يكون هذا النص محل اهتمام جميع الذين يتطلعون الى يوم موعود.
#نعمه_العبادي