نفحات اغترابية
___
(رحيل في الغربة )
سعدالله بركات يكتب:
سمعان دندوش ، مدرّس تاريخ لم يغادره
*كنّا على نية لقاء ، بعدما طال البعاد وحين باشرنا جدولته ، جاءني صوته خفيضا ، وهوالذي كان جرسه نغما من مودة خالصة مرفوقة بابتسامة مشرقة لا تكاد تفارق محيّاه .
لم يشأ أن يقلقنا كثيرا ، حمد الله وكرّر أنه افضل ، لكن هاتف الاطمئنان ، كان بلا مجيب ، حتى جاء الخبر الكئيب في 12 شباط ، رحل أبو إياد ، رحل الصديق الوفيّ والنسيب .
بداية جمعتنا نسابة ، كصهرين لأخوين زيدلييّن ، ومع الأيام تنامت علاقة أخوية ، وطّدتها أواصر ودّ ومحبة ، كان له فيها فضل وسبق ، وإن على تباعد لقيا ، أنا الذي جذبتني الشام ثم الإعلام عملا وزواجا ، وهو الذي انغرس مع جذور لوز وعرائش بلدته زيدل – شرقي حمص التي ترعرع ودرس فيها وفي فيروزة وحمص ، حتى إذا أنجز تحصيله العلمي ، راح سمعان دندوش ، يأخذ بيد الناشئة معلما أو مدرّسا للتاريخ ، لتاريخ وطن طالما فخر به ، ولقّن عبره لأجيال وأجيال على مدى 30 عاما ونيّف .
بين المدرسة ، وكروم اللوز والعنب ، أمضى سنوات عطائه ، كادحا مكافحا ، وبعرق الجبين ابتنى بيتا عامرا بالكفاح والمحبة والصفاء ، بمشاركة فاعلة من رفيقة دربه التي سبقته إلى ديار الحق قبل عقد ونصف من الزمان ، وظلّ على وفائه لذكراها .
لم يكن رصيده بنكيا ، ولا عمارات أوعقارات ، وإنما ترك عائلة طيبة الخلق والمعشر، على نحو سيرته العطرة ، التي حرص عليها على مدى ثمانية عقود من كدّ وودّ ، سيرة فوّاحة كزهر اللوز الذي كان يصابحه أو يماسيه ،بلا كلل ولاملل ، وإنما بكثير كثير من الأمل .
ما تهاتفنا مرّة ، إلاّ وكانت الشام كما زيدل وصدد ، فحوى شجن أو اطمئنان ، وسط رجاء لزيارة الربوع ، وقد منّ الله عليه بما يروي بعض غليل ..
نفتقد أبا إياد ، مع أسرته ومحبيه ، كما نفتقد ابتسامة لم تفارقه في أحلك الظروف ، نفتقد محبته غامرة لناس وبلدة ، و لوطن عشق تاريخه فنذر نفسه لنشر أزاهيره ، وحين اغترب ، فارقه جسدا ولم يغادره روحا ،على قولة الشاعر :
الجسمُ في بَلَدٍ وَالرُّوحُ في بَلَدِ
يَا وحشَة الرُّوحِ بَلْ يَا غُربَةَ الجَسَدِ
إِنْ تَبْكِ عَيْنَاكَ لي يَا مَنْ كلِفْتُ بِهِ
مِنْ رَحمَةٍ فَهُما سَهْمانِ في كَبِدي
*قدر فقيدنا أن يرحل بعيدا عن تراب أحبّه ، وبلا وداع الأحبّة ،فله الرحمة ، ولأولاده وذويه ، بل لزيدله التي عشق أرضها وناسها ، كما لطلابه وعارفيه صادق التعازي ، ولهم الصبر والسلوان آمين ..
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات