………
قصائد عدها النقاد أروع ما نظمه الجاهليون . واختلف في هذا الاسم، فقيل : سميت به لأنها كانت – بعد نيلها الإعجاب العام – تكتب بخيوط الذهب على الحرير المصري، وتعلق في أستار الكعبة، ولذلك سميت ” المذهبات ” أيضاً .
وقيل : لأن ملك الحيرة كان يقول لكتابه : علقوا هذه في الخزانة .
وقيل : لأنها سميت السموط : العقود النفيسة، ومن شأنها التعليق .
وقيل : لعلوقها بالذاكرة . وقيل : أول ما سميت : الطوال المشهورة . ويظن أن أول من رواها حماد . واختلف في عددها، فقال الأكثرون : انها سبع، وقال جماعة : عشر .
وأجمع النقاد على معلقات امرئ القيس، وطرفة، وزهير، وعنترة، .
واتفق الزوزني والتبريزي على قصائد عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، ولبيد . وضم التبريزي والقرشي وابن خلدون إليهم : النابغة، والأعشى، وان اختلفوا في القصيدة المختارة لهما . وضم التبريزي عبيد بن الأبرص، وضم ابن خلدون علقمة الفحل .
ويقال : أن عبد الملك بن مروان طرح أربعاَ من المعلقات وأثبت مكانها أربعاً أخرى .
وتمثل المعلقات أنضج صور الشعر الجاهلي شكلاً ومضموناً، فأكثرها يبدأ بالوقوف على الأطلال، ورحلة الحبيبة، وكثير منها يصور المطر والناقة والبقر الوحشي، ويتضمن فخراً بالخلق العربي الجاهلي، وينشر فلسفة الحياة الجاهلية ومثلها العليا، كما تصور المثل الأعلى في الفن الشعري .
وفي عُرفِنا أن نشر المعلقات من الشعر الجاهلي على أستار الكعبة كان عملاً صحافياً بكل معنى الكلمة، وباعتبار أن القصد منه كان اطلاع الرأي العام العربي آنذاك على خيرة أشعار العرب وأدلها على لغتهم وبلاغتهم وما تتضمنه من وصف لحياتهم الاجتماعية واتجاهاتهم والتغني بأمجادهم .
وبذلك شكلت أهم وسيلة من وسائل الاعلام ونشر الأخبار، وإذاعة الإنتاج الفكري بين العرب في العصر الجاهلي .
نخلص من ذلك إلى القول إنَّ الكعبة وأماكن عبادة الأصنام عند العرب كانت من المقامات الشهيرة أو الساحات العامة التي يجتمع فيها كل يوم خلق كبير، وفي هذه الساحات والميادين كانت تُروى الأخبار وتتلى القصائد، ويجري تبادل الرأي في شتى الأحداث الهامة التي تقع للعرب، هذا فضلاً عن المساجلات الخطابية، والمناقشات البليغة لاسيما وأن العرب امتازوا بفصاحة القول، ولذلك كان أكبر مظهر من مظاهر حياتهم العقلية يتجلى في لغتهم وشعرهم وخطبهم وأمثالهم، وما فصاحة القول إلا شكلٌ من أشكال صحافة ذلك الزمان، وسبيل من سبل اقناع الرأي العام وتوجيهه، وهو ما تقوم به الصحافة في عصرنا الحالي بطرق أخرى مختلفة .
ولقد ارتبط تقدم الصحافة بتطور الحضارة، وصارت مطالعتها عادة وشكلاً من السلوك الاجتماعي وان استهلاك الصحف والدوريات في العالم المعاصر هو المعيار الكاشف عن درجة تطور بلد من البلدان .
كما يسيطر على تطور الصحافة تطور أذواق القراء وحاجاتهم، وما التغيير الحاضر في بنياتها ومضمونها وشكل تقديم مطبوعاتها إلا برهان على ملاءمتها لرغبات وحاجات الحياة الإنسانية، ومن خلال مساهمة التقدم التكنولوجي الذي وضع نفسه تحت تصرف الصحافة في مجال تحويل النصوص وتنضيدها وطباعتها، وبفضل المواصلات البرقية – الكهربائية والاسطوانات المحورية وآلات التنضيد .
ويتجلى دور الصحافة كمهنة مقدسة تنبع قدسيتها من تعابيرها عن تطلعات الجماهير واندماج الفرد في الجسم الاجتماعي، أو غيرها من الخدمات العامة الحقيقية، ممثلة السلطة الرابعة في الدولة ( سلطة الرأي العام ) بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما يؤكد سمتها : الرسالة المقدسة، لأكبر دليل على عظم مكانتها وعمق نفوذها بين الناس وشدة تأثيرها في المجتمعات، حتى أطلق عليها لقب ( صاحبة الجلالة ) .
•• بسام جبلاوي .
•• المراجع :
– الصحافة العربية، أديب مروة ، بيروت ١٩٦١ .
– الموسوعة العربية الميسرة، دار الشعب، القاهرة
١٩٦٥ .
– موسوعة الإعلام والصحافة، طلعت همام، جزء ١ – ٢
بيروت، ١٩٨٣ .
– ايبلا منعطف التاريخ، عمر دقاق .
– تاريخ العرب قبل الإسلام، أحمد هبو .
– مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب، تموز
١٩٧٥