الفرسان الثلاثة كانوا هناك، الاميركي روبرو فورد، البريطاني جوناثان ويلكس والفرنسي ايريك شوفالييه. العرابون العرب كانوا هناك ايضاً. الجميع في حضرة الصدر الاعظم (العثماني) الذي لاحظنا، بالعين المجردة، وبالعقل المجرد، مدى التزامه القيم الديمقراطية في تعاطيه مع المتظاهرين من بني قومه.
اذا، لاحظوا هذه التسمية الكوميدية "الائتلاف الوطني السوري"، غريب انه لم تتم دعوة مارك سايكس وجورج بيكو، ولو من العالم الآخر، لضبط الايقاع في اجتماع اسطنبول، لا بأس احفادهم حلوا محلهم. تغيير المايسترو، انها الكاوبوي الاميركي لا اللورد الانكليزي ولا الكونت الفرنسي.
حقاً، خيّل للكثيرين ان الاجتماع يعقد في القرن التاسع عشر، بالهراوات والدنانير كان يساق اولئك الذين يعتبرون انفسهم المعارضة السورية في الخارج، وحقا ان ثمة من استشعر الخجل ممن يعرفون ما هي سوريا، ويعرفون يوسف العظمة، وحتى شكري القوتلي واكرم الحوراني، ناهيك بابي العلاء المعري الذي حطم "المجاهدون من اجل الديمقراطية" حتى عينيه المطفأتين، وبمحيي الدين بن عربي الذي يكاد الياسمين يجثو عند قدميه.
كيف يكون هؤلاء سوريين، ويجرهم روبرت بيرو ومعه التابعان البريطاني والفرنسي من اعناقهم؟ واي سوريا ستكون على ايديهم اذا ما بقي شيء من سوريا التي يتم تدميرها منهجياً، بل تلمودياً، كدولة وكدور، هل يعمل الوصي الاميركي لخدمة النسر السوري ام لخدمة نجمة داود؟
صدمتنا اكثر بكثير حين نرى شخصيات لطالما احترمناها لا تنظر الى الوراء لتكتشف اي بلاء تجره الآن عندما لا تجد مكاناً سوى بين سراويل القناصل ظناً منها انها تختال بين سراويل القياصرة.
قال لهم احد العرابين العرب "لقد خسرنا مصر، ولن نخسر سوريا ولو زلزلت الدنيا"، يا صاحبنا هل تعتبر علي صدر الدين البيانوني او محمد رياض الشقفة صلاح الدين الايوبي او خالد بني الوليد، وقد اصبح "الاخوان" ظلالاً بائسة لزبانية ايمن الظواهري ولورثة ابي مصعب الزرقاوي؟
انهم القهرمانات في بلاط اي سلطان يغدق عليهم السلطة (او الحلم بالسلطة) والمال…
ولا ندري ما هي علاقة هؤلاء بالناس الذين ثاروا من اجل ان يكون لهم مكان في ارضهم لا ان يمشي محترفوا الثراء ومحترفوا التشكيل فوق ظهورهم. لا علاقة البتة، انهم مجرد حجارة غبية، برؤوس مطأطئة، على رقعة الشطرنج.
ما الجدوى، اذا، حين يقول لهم عراب آخر "اريد منكم دمشق، دمشق، دمشق، فلا حجة لكم بعد الآن، ها هي صواريخ ارض – ارض، وصواريخ ارض – جو، وصواريخ ضد الدروع، فهل تريدون صواريخ لحرب الكواكب".
لعل صاحبنا يدري ان المسافة بينهم وبين السلطة هي المسافة ذاتها بين الأرض والمريخ..
تابعنا اجتماع اسطنبول خطوة خطوة، وكنا على اتصال مع من ينقل الينا اجواء الفضيحة، وكنا قد شبهناها بالأفعى ذات الأجراس. أي صدقية لهؤلاء حين يكونون ظلالاً لجو بايدن ووليم هيغ ولوران فابيوس، بل وظلالاً لجون ماكين وبرنار – هنري ليفي؟
هذا لا يعني ان باستطاعة النظام المسؤول عن جزء كبير مما حدث ويحدث في سوريا ان يغسل يديه من كل ذلك الدم ومن كل ذلك الرماد، وهو ينظر ساخراً الى مسرح العرائس في اسطنبول، هو الذي قال ان الدبابات ليست الحل، وانه لا بد من الحوار، ولكن اي حوار اذا لم يجترح تلك المبادرة الكبرى التي تتجاوز النظام وتتجاوز المعارضة من أجل سوريا، أجل، من أجل سوريا؟
نقول للنظام، كما للمعارضة، اي دمشق تدافعون عنها او تريدون تحريرها، وأي حمص، واي حلب، واي دير الزور، وقد تحولت كلها الى حطام او الى شبه حطام، فيما الشاشات التي كثيراً ما تنطق باسم المقابر تزغرد لسقوط مروحية او للاستيلاء على حاجز، او لاحتلال بناية، هل يمكن للتراجيديا (التراجيديا العربية بالدرجة الاولى) ان تكون مضحكة ومخزية الى هذا الحد؟
النظام الذي آن الأوان لكي يتجاوز ذاته، ودون ان يتجاوز في اي ظرف من الظروف مواجهته للعبة الامم، وما تحت الامم، ويطلق افكارا خلاقةويتخذ خطوات تاريخية ومنطقية ومسؤولة، فسوريا على ابواب البلقنة، وخارطتها الجديدة بين ييدي الصدر الاعظم وبين يدي القناصل…
اذا بقي النظام يراوح هكذا، ومع اعتبار ظروفه الدقيقة والضاغطة، فالأزمة باقية والى الابد. نقول له طارد المعارضة حتى تسقط كل اقنعتها، وكل وجوه الشمع. ضناً بسوريا، فكروا في العمق واطلقوا صيحة الانقاذ، هذه هي لحظة النظام في سوريا. لحظة سوريا…
الديار