تتردد سهام خلال حديثها عن أسباب طلاقها، فتارة تحمّل «ظروف المعيشة وفقدان زوجها لعمله» السبب، وطوراً ترى أن الحرب التي تعيشها سوريا «جعلت الطلاق يبدو بسيطاً أمام الكوارث الإنسانية».
تشرح سهام قائلة «هذه الحرب دمّرت الكثير من الضوابط الاجتماعية التي كانت تلزم الزوج بالتفكير مراراً قبل أن يقدم على خطوة كالطلاق»، مشيرة إلى أنه قبل هذه الأحداث كان زوجها «على الأقل، يحسب حساباً لأهله، وأهلها، اليوم لم يعد لهذه الضوابط الأُسرية أية قيمة».
قد تبدو مشكلة سهام بسيطة في وطن مقطّع الاوصال أرهقته الحرب، إلا أنه وبنظرة أوسع يمكن ملاحظة أن المشكلة تخطّت كونها حالة ظرفية لتفتك الأزمة بعمود الوطن، الأسرة. تُفيد إحصاءات المحاكم الشرعية في وزارة العدل السورية أن «حالات الطلاق في سوريا تضاعفت بنسبة 45 في المئة العام الماضي، في حين انخفض معدل الزواج بنسبة 40 في المئة».
وتقدّر مصادر حكومية عدد حالات الطلاق بنحو 350 حالة يومياً، نصفها تقريباً في محافظتي حلب ودمشق. إلا أن هذه الإحصاءات لا تشمل المناطق التي يسيطر المسلحون عليها، والتي يغيب فيها دور المحاكم الشرعية الحكومية، حيث استعاض عنها المسلّحون بمحاكم «شرعية» تتبع كل منها لجماعة تعمل بشكل منفصل عن الأخرى.
وكشف مصدر في «محاكم حلب الشرعية»، لـ«السفير»، أن «حلب وحدها تشهد يومياً نحو 75 حالة طلاق مسجلة»، مقدرا عدد حالات الطلاق الإجمالي في المحافظة بنحو 130 حالة، حيث تخضع معظم مناطق الريف الحلبي، ونصف مدينة حلب تقريباً لسيطرة المسلحين.
وأضاف أن «معظم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة تشهد حالات طلاق عرفية، غير مسجلة لدى الدوائر الرسمية، فيما بعض الحالات جرى تسجيلها لدى هيئات غير رسمية أنشأتها المعارضة»، لافتاً إلى أن «ارتفاع معدّل حالات الطلاق مقارنة بعام 2011، حيث كانت تسجل في محافظة حلب نحو 70 إلى 80 حالة طلاق يومياً، علماً أن نسبة كبيرة من سكان حلب نزحت إلى مناطق أكثر أماناً داخل سوريا، أو لجــأت إلى دول مجـــاورة».
ولا يختلف الوضع كثيراً في دمشق، حيث أكد المحامي العام الأول أحمد البكري أن نسبة الطلاق ارتفعت في المدينة بنسبة 100 في المئة، مشيراً إلى أن «حالات الطلاق ارتفعت في محافظتي دمشق وريفها خلال العام الحالي إلى نسب قياسية وصلت الى 100 في المئة، وهو ما يعادل 100 حالة في اليوم الواحد».
وتابع «هذه النسبة تشكل ارتفاعاً خطيراً وغير مسبوق مقارنة بالأعوام الماضية»، معتبراً أن «الكثير من الأزواج أصبحوا عاطلين عن العمل، ما يدفع الزوجة إلى طلب الطلاق نتيجة عدم توفير احتياجات الحياة المعيشية الضرورية»، مستدركاً بأن هناك حالات طلاق كثيرة ترجع إلى أسباب اجتماعية منها «عدم وجود الكفاءة الزوجية بين الزوجين». من جهتها، تشكك رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة إنصاف حمد بمعدلات الطلاق في سوريا، وتقول «هناك التباس في فهم دلالة الرقم الإحصائي في ما يخص معدل أو نسبة الطلاق. فمعدل الطلاق هو نسبة واقعات الطلاق المسجلة إلى حالات الزواج المسجلة»، مشددة على أن «معدّل الطلاق يتأثر إحصائياً بعدة عوامل، منها انخفاض معدل الزواج وتراجع معدل تسجيل حالات الزواج بالمقارنة مع تسجيل حالات الطلاق».
وتشرح حمد «في ظل الأزمات تحدث العديد من حالات الزواج الشرعية، لكن غير المسجلة قانونياً، في حين أن تسجيل حالات الطلاق يكون أقل مكتومية بسبب الحقوق والواجبات المرتبطة بها». وتربط رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة بين ارتفاع عدد حالات الطلاق في دمشق وبين حالات النزوح الداخلية التي شهدتها سوريا نتيجة الأحداث.
وتوضح «في ظل النزوح المستمر بين المناطق السورية، وصل حجم الهجرة الداخلية إلى نسبة 70 في المئة في 4 محافظات أساسية هي السويداء واللاذقية وطرطوس ودمشق، وكان لدمشق النصيب الأكبر منها، لا سيما أن سكان ريف دمشق اتجهوا بنسبة كبيرة إليها فضلاً عن سكان درعا وحمص»، معتبرة أنه «لا يجوز أن تنسب حالات الطلاق إلى السكان فقط، بل أيضاً إلى النازحين كما المقيمين فيها بشكل مؤقت». وعلى الرغم من تشكيكها في أرقام، تبدو للوهلة الأولى شبه خيالية، تؤكد حمد أن «السهم الأول للأزمة كان موجهاً إلى سويداء المجتمع السوري، وهي الأسرة».
وتقول «بفعل التماسك التاريخي للأسرة السورية فانها جهدت في امتصاص الضربات الواحدة تلو الأخرى، وابتكرت لنفسها وسائل حماية ذاتية عديدة، أو استثمرت ما لديها من عوامل قوة مثل: أسرة صغيرة، تعليم عالي، مدخرات مناسبة، مستوى معيشي متوسط فما فوق، مشاركة مجتمعية بأطر المجتمع الحديث غير التقليدي..الخ، لكن ذلك لم يفلح في حالات عديدة، لاسيما لدى الأسر غير المحصنة ذاتياً أو الفاقدة لعوامل القوة الذاتية».
وترى حمد أن «الأزمة تجلّت لدى الأسر غير المحصنة بأشكال مختلفة، منها التفكك الأسري والطلاق وتشرد الأبناء وتدهور المستوى المعيشي والعنف والزواج المبكر وتعدد الزوجات»، لافتة إلى أن «معدل الزواج ارتفع في الفئات العمرية دون العشرين سنة، إلى جانب ارتفاع نسبة العزوبية في الفئات العمرية الأعلى، بعد أن كان وصل سن الزواج قبل الأزمة إلى مستويات إيجابية بحدود 25 إلى 26 سنة للأنثى و30 إلى 31 سنة للذكر».
وتعرب حمد عن خشيتها من «عودة موضوع تعدد الزوجات، لأسباب تبررها المجتمعات التقليدية، والأخطر أنها مبررة من قبل نساء هذه المجتمعات»، رابطة الموضوع بتزويج الفتيات في سن مبكرة لرجال أكبر سناً، لافتة إلى أن «هذا الاستغلال البشع وغير الإنساني بررته فتاوى عديدة، أبرزها جهاد السترة».
وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي رسمتها الحرب لمستقبل المجتمع السوري، ترى رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة «بعض التغير الإيجابي في مراسم الزواج عبر الابتعاد عن الحفلات الضخمة»، مشددة على أن في ذلك «اتفاقا ضمنيا بين السوريين على مشاركة بعضهم البعض لأحزانه وهمومه، والتي انتشرت على مساحة الوطن السوري».
أما سهام فتجلس في منزل أهلها، تنتظر وثيقة الطلاق التي يبدو أنها لن تحصل عليها في وقت قريب بسبب «صعوبة الوصول إلى المحكمة الشرعية». تزورها بعض الجارات يومياً، يخبرنها قصصاً عن حالات مشابهة علّها تبلسم جرحها. وتقول سهام «منذ طلاقي، سمعت عن عشرات حالات الطلاق، وعن حالة زواج لطفلة في الـ17 من عمرها»، مضيفة «اصطحبتها والدتها لشيخ الحارة بعد وفاة والدها وطلبت منه أن يجد لها عريساً يسترها ويحمل عنها عبء إطعامها، حيث تمكن الشيخ من إيجاد عريس لها. سمعت أنه متزوج ولديه أطفال».
السفير