يرتكب الآباء سلوكيات خاطئة كثيرة في تربية أبنائهم، لعل أبرزها "الحرص الزائد على سلامة الطفل"، ومن ثم القيام بأعمال كثيرة نيابة عنه، فتكون النتيجة كيانا مشوّها عدوانيا متوترا أو ضعيف الشخصية.
ويخاطر هؤلاء الآباء بان يجدوا أنفسهم يوما في ورطة بين "هل نتشدد مع طفلنا، أم نترك الحبل على الغارب؟".
ويقول علماء نفس إن الإفراط في حماية الطفل يعني في النهاية أن يكبر في البيت "الرجل الطفل"!.
فكيف تحل هذه المعادلة الصعبة لينشأ الطفل رجلا قويا قادرا على تحمل المسئولية؟
يقول بعض الأخصائيين إن الحماية الزائدة تنقلب للضد بعد فترة، ولذلك ينبغي أن تكون هناك حماية واعية ومتابعة رشيدة وفعالة على أساس أن إيقاع العصر تغلب عليه المادة، ما يترتب على ذلك ضرورة المتابعة والحماية، غير ان هذه المتابعة لا يجب أن تكون بصورة متشددة تجعل الأبناء يعيشون في قفص وتقتل فيهم ملكة الإبداع والإحساس بالاختلاف. ويضيف هؤلاء أن من الضروري العمل على تكوين مفهوم الذات بالتعامل مع الآخرين، ما يساهم في تكوين الخبرة لديهم، إذ عندما يحرمون من ذلك بالحماية المفرطة، سوف يصبحون نماذج لا تستطيع مواجهة المجتمع ولا تؤدي دورها بالمهارة المطلوبة.
وتشير أغلب الحالات المرضية لشباب في سن منتصف العمر يعانون من وساوس وتردد، في الغالب إلى تعرضهم في سن صغيرة إلى قهر نفسي نتيجة التربية الخاطئة.
ويقول خبراء في علم نفس الطفل إن الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة كثير التقليد والمحاكاة والحركة الزائدة وأحرص على تكوين الشلل والجماعات، وذلك بغرض اكتساب الخبرة من المحيطين، وممن هم في حكم سنه.
والطفل في هذه المرحلة كثير المطالب والإلحاح والاستفسارات، ويحتاج من العائلة دائما لمعلومات مبسطة وإجابات لاستفساراته وتشجيع قدراته وإمكانياته، غير أن الإفراط في الاستجابة له يعني التدليل وبالتالي عدم الاعتماد على النفس، ويصبح الطفل مستهترا يطلب تحقيق الاستجابة لما يريده فورا وبأي وسيلة، ويمكن لهذا التطور في السلوك أن يجعله يؤذي نفسه والمحيطين به.
ومن جهة مقابلة، يمكن للقسوة والحرمان أن تدفع الطفل للانزواء والاكتئاب والخوف، مع ما يصاحب ذلك من اضطرابات في النوم وكوابيس، إضافة إلى التبول اللاإرادي وقضم الأظافر ومص الأصابع.
ويشير هؤلاء إلى أن بعض الأسر توقف كل مسئوليتها نحو أطفالها على توفير الطعام والغذاء والملبس فقط بينما هناك أسر أخرى تسعى للاهتمام بكل التفاصيل حول ما يتعلق بأطفالها.
وتمثل كل من الحالتين جملة من السلوكيات الخاطئة. وفي النوع الأول سنجد الأم تترك طفلها يلعب في أي مكان وتذهب هي لقضاء احتياجاتها، وفي النوع الثاني سنجدها تصطحبه إلى كل مكان ولا تفارقه إلا عند النوم أو الدرس.
ويقول الأخصائيون أن المطلوب أولا أن نعلم الطفل كيف يكون واعيا في علاقاته بالآخرين، وأن نصنع منه إنسانا اجتماعيا يحب الآخرين، ويعتمد على نفسه، ففي صغره لابد أن تمنحه الأم فرصة لأن يقف بمفرده وتساعده إذا سقط، وشيئا فشيئا يتعلم المشي بمفرده وبثقة عالية.
ويرى هؤلاء أن حماية الطفل مطلوبة كوقاية، ولابد أن تكون حماية واعية تعتمد على الجانب الأخلاقي والديني معا، بحيث بقدر ما يعطى الطفل الحرية والمرونة بقدر ما يتجنب الفوضى مع عدم الاعتماد على القسوة التي تسبب آلاما نفسية أهمها الإصابة بالأمراض العصابية، والتي تنتج عنها شخصية لطفل غير قادر على المواجهة ويكثر من التمتمة ومن القيام ببعض الحركات اللاإرادية.
وينصح الخبراء في علم نفس الطفل بالحرص على تشجيع قدرات الطفل وهواياته ومساعدته على الوصول للمرحلة المدرسية بسلام، حتى يصبح فيما بعد شابا قادرا على العطاء.
كما ينصحون الآباء بعدم التفرقة في المعاملة بين البنت والولد؛ لأن الفتاة بحكم تركيبتها الفسيولوجية والسيكولوجية لا تحتاج في التعامل معها لعنف، حيث إن هذا الكائن الحي يكتسب الخبرات بقدرة تفوق الولد أحيانا.