(1).jpg)
بعد قرابة العامين من تأجيل انعقاد المؤتمر القطري الحادي عشر لحزب البعث العربي الاشتراكي أتى اختيار قيادة قطرية جديدة لحزب البعث ليؤكد بأنه صامد في ساح النضال وقوي ومستمر في خندقه الواحد في وجه الحرب الكونية التي تشن عليه وعلى سورية.
لقد شكل اختيار القيادة الجديدة لحزب البعث العربي الاشتراكي المترافق مع تغيير كافة أعضاء القيادة القطرية السابقة بمثابة رسالة تجسد معاني البعث بما يتضمنه من إرادة الفلاح والعامل والجندي المقاتل والشباب الذي عقد العزيمة على إعادة بناء سورية بأفضل مما كانت عليه في السابق.
لقد تجسدت العزيمة الجديدة لفكر البعث المتجدد في تجسيد هيكل المفهوم الاستراتيجي لليقظة في توزيع المكاتب الجديدة، وهي التي كانت تشكل على مدى عقود وقيادات سابقة للبعث العامل الغائب الحاضر بقوة، فهو الحاضر من الناحية النظرية والغائب من الناحية التنفيذية في كثير من الأمور.
فتواجه القيادة الجديدة تحديات جمة على الصعد كافة خارجية وداخلية في ضوء التحول إلى الداخل وفق قانون الأحزاب، وتزداد هذه التحديات مع استعار الحرب التي تشن على سورية والتي بدأت تأخذ طابعاً اجتماعياً اقتصادياً، تجسدت في باكورة تحدياتها الميدانية فقاعة ثلجية للدولار في سوق الصرف غير الرسمية رافقها قفزات جنونية للأسعار أثقلت كاهل غالبية المواطنين عموماً، وطبقات العمال والفلاحين ومحدودي الدخل على وجه الخصوص.
لقد واجه حزب البعث في بداية الأزمة حراكاً واسعاً ألبسته القوى المتآمرة على سورية لبوساً تنموياً صرفاً برفع المتظاهرين شعار الحرية –بصرف النظر عن إدراك الشارع لهذا المفهوم- على اعتبار أن العالم ينظر للتنمية على أنها الحرية القائمة على توسيع خيارات الأفراد. وقد استطاعت القيادة السابقة للحزب بقيادة أمينه القطري تفادي المآزق التآمري على الشارع الذي أهملته القيادات الفرعية للحزب، وأحدثت فجوة بينها وبينه نتيجة الترهل والفساد وتشويه مفاهيم الديمقراطية والتشاركية، فتبنت في بداية الحراك إصلاحات عريضة وواسعة فاقت المطالب التي رفعها المتظاهرين تحت لبوس المطالب التنموية، الأمر الذي دفع القوى المتآمرة إلى إلباس الحراك لبوساً مدمراً للفكر التنموي يقوم على إحداث شرخاً مجتمعياً وإخراج فئات عريضة من الجيل القادم خارج نطاق العمل التشاركي للدولة والحزب الحاكم فيها، عن طريق إراقة الدماء وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعشائرية، وترويج الإشاعة وإحداث ثغرات أمنية وقنوات فساد عريضة بملفات تهريب السلاح والوحوش الآدمية إلى سورية، وملفات المعتقلين والمفقودين والموقوفين نتيجة الأحداث التي تشهدها البلد، مما عزز لدى بعض المواطنين الشعور بفقدان الأمن والأمان في بلد كان يُصنف وفق دول العالم أجمع من أكثر الدول أمناَ وأماناً.
إن النظرة الأولى للأحداث التي تعصف بالشارع السوري تشير إلى أن التحدي الذي يواجه القيادة القطرية الجديدة هو مواجهة خطر السقوط أو التقسيم الذي ترفعه فضائيات التآمر عربياً وأجنبياً، لكن التحدي الحقيقي الذي تدركه القيادة القطرية الجديدة والذي أفصح عنه أمينها القطري في أكثر من لقاء وخطاب هو تحدي العمل التنموي، والذي يتجسد بتحقيق التنمية بمفهومها العريض الذي أشار إليه العالم الباكستاني محبوب الحق في خمسينيات القرن الماضي، والذي يجسد النظرة الحالية للعالم نحو مفهوم التنمية المبنية على الأمن والحرية، فالأمن أن يعود الأمان إلى نفوس المواطنين ولا يبقى سلاح بالشارع إلا بيد الجيش العربي السوري، والحرية القائمة على توسيع خيارات الأفراد من أجل مستقبل أفضل يقوم على العدالة وتكافؤ الفرص في البناء وصناعة القرار وتحمل المسؤوليات وإعادة الإعمار، وإعادة إدماج الفئات التي غيبتها الأحداث عن مسؤولياتها نحو الوطن والمواطنة والتي تشكل ملفات المفقودين والمعتقلين والموقوفين والفساد حصان طروادة بالنسبة إليها في تحقيق التنمية الاجتماعية بمضامينها المتنوعة.
إن المتابع بدقة لما يجري بالبلاد يُدرك أن خطر السقوط قد دُفِنَ بعد بضعة أشهر قليلة من اندلاع الأحداث، كما فُنيَّ خطر تقسيم سورية بالتقادم بعد أن فشلت القوى المتآمرة في جعل الوحوش التي قامت برعايتها وإرسالها إلى سورية أن تحقق تطلعات الشعوب الحرة على أقل تقدير في إنسانيتها، مما دفع بالقوى المتآمرة إلى اللعب على ورقتي فدرلة التقسيم وتشابك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للوصول إلى الدولة الفاشلة، فهل ننتظر طويلاً حتى نُشيّع الفشل الذي يتمنونه لنا، أم أننا سوف نؤرخ للنصر الشامل بتاريخ تغيير أعضاء وأسماء مكاتب القيادة القطرية ليكون الاحتفال بالنصر هو بانعقاد المؤتمر القطري الحادي عشر للحزب. عشتم وعاشت سورية بفلاحيها وعمالها وشيبها وشبابها وجنودها أرض العطاء.