الأميركيون لا يستطيعون أن ينسوا أنهم يواجهون أكثر من أزمة واحدة في الشرق الأوسط. على درجة مشابهة من حراجة الوضع في مصر، الوضع في سوريا لا تزال يستمر في الخروج عن نطاق السيطرة، مما يؤثر على أمن لبنان وتركيا وإيران والعراق ويمنح ايران فرصاً جديدة.
لا يزال نظام الأسد يستمر في تحقيق المكاسب مما يتسبب بتضائل أسباب جلوسه الى الطاولة للتفاوض. في معرض الحديث عن نقل الأسلحة الأمريكية، المتمردين السوريين لديهم مشاكل في نقل الأسلحة والإمدادات عبر الحدود التركية، اللبنانية والعراقية. في هذه الأثناء، يقوم كل من لبنان وإيران بتزويد النظام بالمتطوعين والأسلحة. عدم وجود الدعم الخارجي يضعف المعتدلين في صفوف الثوار، في حين أن الاضطرابات في مصر تستقطب السنة في سوريا، وتميل إلى تمكين الفصائل أكثر تطرفا.
حتى أن "نجاح"، أو سقوط حكومة بشار الأسد، قد تؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة هيكلها لا يمكن التنبؤ به والتي من شأنها أن ترث المشاكل السياسية المستمرة والتوترات الإقليمية. في موازاة ذلك، ومع ذلك، هناك أسباب إنسانية وأنانية واضحة للولايات المتحدة الأميركية من أجل تتدخل.
على الأقل قتل 93 ألف شخص – ربما ما يقارب ضعف هذا العدد – وما يقارب الـ 400 الف شخص أصيبوا بجروح خطيرة. قدرت وزارة الخارجية في مايو ايار ان 6.8 مليون شخص من السوريون بحاجة إلى مساعدات جدية، حيث 4.2 مليون منهم من المشردين داخليا و 1.4 مليون شخص مشردين خارج سوريا: وهذا أكثر من ثلث الـ 22.5 مليون شخص في البلاد. التكاليف الاقتصادية والاجتماعية سترتفع إلى ما لا نهاية ما لم يحصل الشعب السوري على حكومة موضع قبول في العالم.
هذا قد لا يكون كافيا للتأثير على الرأي العام الأمريكي، أو أجبار الكونغرس على اتخاذ خطوات، في الوقت الذي يشعر فيه الامريكيون بأن الحرب قد أنهكتهم وانهم يواجهون أزمة في الميزانية الاتحادية ومطالب استراتيجية متنافسة. ولكن على الرغم من أن واشنطن لا يمكن أن تضمن النتيجة في سوريا ببساطة عن طريق تسليح ودعم المتمردين، عدم القيام بأي شيئ يمكن أن يخلق تهديدا أوسع بكثير لمصالح الولايات المتحدة الأميركية وحلفائنا في المنطقة.
ما بدأ كصراع أهلي منذ أكثر من عامين يهدد الآن بتأجيج صراع كبير بين السنة والشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. الصراع يقسم لبنان كما أنه يخلق أيضا مشكلات في الأردن وتركيا، ويدفع العراق نحو حرب أهلية، ويجعل القيادة الشيعية في العراق أكثر اعتمادا على إيران.
إذا نجح الأسد في سحق المعارضة أو الحفاظ على السيطرة على معظم سوريا، إيران سيكون لديها قدرة واسعة النطاق من النفوذ على العراق وسوريا ولبنان في الشرق الأوسط الذي يستقطب الإنقسام بين السنة والشيعة. الأقليات سوف تكون مجبورة بشكل مُطرَد بالذهاب الى المنفى. هذا من شأنه أن يتسبب بمخاطر جدية لإسرائيل، إضعاف الأردن وتركيا، والأهم من ذلك، إعطاء إيران نفوذ في الخليج الفارسي أكثر بكثير مما هو عليه الآن، وهي منطقة تختزن 48 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم.
إذا قامت واشنطن بإمداد المتمردين بالسلاح واستمرت هذه الأخيرة في الخسارة، سوف تظهر الولايات المتحدة الأميركية على الأقل استعدادها لاتخاذ القرارات وتنفيذ تعهداتها. ستكون أيضاً قد أظهرت انها سوف تتعهد بإيفاء تعهداتها ودعم حلفائها.
المزيد من الأسلحة المتطورة الأمريكية، مثل الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات وصواريخ أرض جو التي يقول قادة المتمردين يمكن تقلب المعادلات، يمكن تمويلها من قبل حلفائنا في الخليج. لا يجب أن تكون من أنظمة الولايات المتحدة الأميركية المتطورة، المتمردين لديها بالفعل الآن بعض صواريخ أرض جو من الطراز المحمول الصينية والروسية، وكذلك النظم التي يمكن أن يكون تهديدا كبيرا لأهداف مدنية، هل ينبغي أن تقع في أيدي المتطرفين. فمن غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة الأميركية مراقبة هذه التحويلات من دول الخليج العربي الحليفة إذا لم نقم بتزويد المتمردين، ومن المرجح أكثر بكثير أنه بإمكاننا أن يكون لنا تأثير كبير على تحديد الفصيل الذي سيحصل على مثل هذه الأسلحة إذا عملنا مع المتمردين – خاصة الآن أن قطر تبدو أكثر استعدادا للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
الخيار الأمريكي المكلفة والأخطر هو التدخل المباشر. لتكون فعالة حقا، فإن هذا يتطلب "منطقة حظر الطيران" فوق كل سوريا، بحيث تغطي جميع الأجواء وحركة المروحيات. بإمكان الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك، أن تبدأ بعمليات نقل الأسلحة التي من شأنها أن تكون لها فرصة أكبر بكثير من النجاح إذا ما شملت صواريخ أرض جو من طراز المحمولة على الكتف والأسلحة المضادة للدبابات الموجهة. بإمكان المسؤولين الأمريكيين أن يوضحوا إما أن المتمردين لن ينجحوا بمثل هذه الأسلحة، مما سيؤدي إلى رحيل تفاوضي لحكومة الأسد وتنصيب حكومة وطنية جديدة، أو أن الولايات المتحدة سوف تنضم الى الحلفاء في إنشاء منطقة حظر الطيران.
لا أحد يدافع عن حملة جوية أمريكية جادة، مع الأموال الكبيرة المدفوعة وربما خسائر جوية كبيرة لأمري?ا. ولكن يتعين على الولايات المتحدة الأميركية أن تبدي استعدادها للعمل إذا حلفائها انضموا إليها وساعدوا في تخفيف التكلفة. وبذلك تعطي المتمردين بما فيه الكفاية مزية لإجبار الجهود للتفاوض – وربما أيضاً إجبار قوات الأسد على وقف العمليات الجوية دون الحاجة إلى هجوم واسع على القواعد الجوية السورية. انها تظهر ان الولايات المتحدة الاميركية جادة في شراكات استراتيجية. قد تساعدنا إقناع حلفاء على دعم تعهداتهم باتخاذ الإجراءات. ومن الممكن حتى أن تظهر للعالم الإسلامي أن هناك بديلا للتطرف والصراع بين السنة والشيعة.