في بداية القرن الحادي و العشرين و بعد أحداث أيلول سيطرت على العالم نظريتين أو حالتين سياسيتين حصرتا التوجه الفكري و السياسي في العالم تجاه ما أصبح يعرف بالإسلام السياسي الذي بدأ يظهر إلى العلن فطوقته و أمنت له مناخا و بيئة مناسبتين للنمو و التمدد بشكل فوضوي و غير منضبط مما أدى إلى وقوع حاله من الفلتان الإيديولوجي الراديكالي لما عرف اصطلاحا بالإسلام السياسي .
النظرية الأولى أو الحالة الأولى : هي إعلان إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن و محيطه الضيق المسيطر عليه من قبل المحافظين الجدد (الحرب على الإرهاب ) و التي أعطت للجيش الأميركي مهمة تدمير المجتمعات التي كانت تقف على أسس من القواعد الغير مقبولة أميركيا و استبدالها بمجتمعات هشة و غير مستقره مع ما يمثله هذا الأمر من مخاطر جسيمه و كوارث محدقة بالعالم عموما و بالمحيط الجغرافي خصوصا إلا أنها رغم ذلك قامت الولايات المتحدة الأميركية بإعادة تركيب تلك الدول و مجتمعاتها على أسس أكثر مطواعية أميركيا بعد الإعصار الأميركي الذي مر بها و إعادة ترتيب العلاقات الجيوستراتيجية بين الشرق الأوسط و الولايات المتحدة على هذه الأسس الأميركية الجديدة .
النظرية أو الحالة الثانية : (و التي تعد الوجه الآخر للنظرية الأولى إن لم نقل أنها المكملة لها من الناحية الإيديولوجية) هي التي تبناها فكر تنظيم القاعدة و زعيميه أسامه بن لادن و أيمن الظواهري و التي تعتمد على الإيديولوجيات الغامضة و المصطلحات الفضفاضة في نشر ثقافة الجهاد العابر للحدود ضد العدو البعيد و محاولتهم إرساء هذا التوجه في المجتمع المنهك و الإيحاء بأن هذا الفكر المتطرف الجديد هو الطريقة المثلى لإرساء قواعد جديدة لتعامل الإسلام مع محيطه الإقليمي و الدولي بعد تكريس حاله من الثقافة الإسلامية الغريبة عن منطق الإسلام المتعايش مع محيطه الديموغرافي .
بينما كان أسامه بن لادن و تنظيم القاعدة الغارق في الإيديولوجيات السوداء يشيع فكره أن زعيمهم بن لادن هو المبعوث الإلهي لدحر الشيطان و قوى الشر من الأرض و العمل على أن يسود شرع الله و الإسلام الأرض ( من منظور تنظيم القاعدة ), كان الرئيس الأميركي و ماكينته السياسية و الإعلامية الممسوكة بحزم من قبل ما يعرف بالمحافظين الجدد تسوق لفكره أن الرئيس الأميركي هو الذي الشخص بمرتبه اله الذي قد اختارته السماء لنشر الديمقراطية و الحرية في أرجاء العالم وعليه هذه المهمة الموكلة إليه يجب أن تنجز و ان تسخر لها كامل طاقات الولايات المتحدة الاميركية العسكرية و الاقتصادية و السياسية.
و في كلتا الحالتين كانت النظريتان تستهلكان العقل و المجتمع البشري على اختلافه اجتماعيا و سياسيا و دينيا و اقتصاديا و قد شكلت فضاء لمعركة خياليه ذات أهداف مستحيلة مع ما أحدثه هذا الفضاء من عواقب و آثار مدمره على المجتمع .فدخل أصحاب هاتين النظريتين في دوامه المجهول و غرقا في المصطلحات و الأدبيات السياسية الصعبة المبهمة خاصة فيما يتعلق بالأهداف و المكان و الزمان و الولاءات و التحالفات و بالتالي أصبحت هاتان النظريتان مع أنصارهما يتجهون نحو العزلة و الجمود نتيجة عدم القدرة على الصمود أمام حركه الواقع والتطور المتسارع للمجتمعات.
إن ما دعا إليه الكاتب الأميركي صموئيل هنتنغتون في كتابه ذائع الصيت ( صدام الحضارات ) هو تكريس فكره عدم التوافق التام بين قيم الحضارات .. هذه الخلاصة التي استلهمتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن و صقور إدارته السياسية المسيطر عليها من قبل تيار المحافظين الجدد أدت إلى بدء ظهور حاله أخرى من الإسلام السياسي المعتمد على أخطاء النظريتين و الاستفادة من الآثار المدمرة التي خلفتاه وراءهما في حربهما الدونكيشوتية ساعدهم في ذلك ازدياد قلق المجتمع الأوروبي من تصاعد حاله الإسلام و الثقافة الإسلامية و التي عرفت اصطلاحا في الأدبيات الغربية بـ ( الإسلام السياسي ) .
ليس لدى الغرب ( الأوروبيين خصوصا ) من حل ( من وجهه نظرتهم الاجتماعية ) لحماية خصوصية المجتمع الأوروبي سوى العمل على عوده تلك الحالة الإسلامية إلى حضنها و منبتها الإيديولوجي و العمل على صناعه هجره معاكسه للحالة السياسية الإسلامية المتنامية في المجتمع الغربي إلى المجتمع الشرق أوسطي الذي نشأت منه وذلك عبر تكوين مناخ ملائم لتكاثر تلك الإيديولوجيات الإسلامية و هذا يعطينا تفسرا عن دعم الغرب لحركه الإخوان المسلمين في وصولها إلى السلطة و تكريس حاله دينيه اجتماعيه معينه لا ضوابط اجتماعيه أو دينيه أو فكريه تنظم إيقاعها و الذي أدت هذه الحالة إلى ظهور عوامل فتاكة للمجتمعات الشرق أوسطية تحت مسميات دينيه مفعمة بالتطرف و التي أصبحت تندرج في السياسات المستقبلية الغربية عموما و الأميركية خصوصا ضمن إطار الفوضى الخلاقة التي ستنشأ الشرق الأوسط الجديد و الذي هو قيد التكون حاليا ..