الدكتور طه حسين
الجزء الثالث
ربما انجذب طه حسين إلى أبى العلاء المعرى بسبب اشتراكهما فى عاهتهما ، فاهتم بحياته واعماله ، وارجع أسباب محنته الى عجزه عن تذوق الحياة . وقد قدم عنه اول رسالة دكتوراه اجتماعية ونفسية وأدبية إلى الجامعة الأهلية ، تقرر بعدها ايفادها فى بعثة الى فرنسا .
لقد اعتبر طه حسين ان تاريخ الآداب العربية ، منذ عصر الجاهلية إلى عصرنا الحديث ، قد خلد رجلين بارزين ،لكل منهما ابتكار خارق ، لم يتصف به غيرهما ، والاول هو أبوالعلاء المعرى ( ٩٧٣ / ١٠٥٨) الذى قدم عنه رسالته للجامعة الاهلية . والثانى هو عبدالرحمن بن خلدون ( ١٣٣٢ / ١٤٠٦ ) الذى قدم عنه بعد ذلك رسالته للسوربون الفرنسية .
درس طه حسين فى رسالته الأولى بيئة المعرى ، وشخصيته ، والمؤثرات التى أثرت فيه . ثم نشر الرسالة فى كتاب له ، بعد أن أجازها ثلاثة من مشايخ الازهر ..
وكان من المقرر ان يسافر طه حسين الى فرنسا فى بداية اغسطس ١٩١٤ ، ولكن قيام الحرب العالمية الاولى منذ ٢٨ مايو ، ثم تقدم الجيوش الالمانية على الساحة الفرنسية، حتى قاربت باريس ، أخرت سفره إلى ١٤ نوفمبر ، على الا يذهب طه حسين إلى باريس القريبة من ميادين القتال ، وإنما إلى جامعة مونبلييه فى جنوب فرنسا .
ومما نشره طه حسين فى صحيفة عبد العزيز جاويش ( الهداية الاسلامية ) قبل سفره ، مقال عن زواج المصريين بأجنبيات اعتبر فيه عقوقا للأمة إرتداء المصرى للأزياء الاوربية ، والتزوج بكتابية ، واعتبره حرام ممقوت .
وقد صبر طه حسين على عمامته بعد فراق الازهر ، فأدى إمتحان الدكتوراة بالجامعة الأهلية فى ١٩١٤ وهو معمم ، وأقلته الباخرة من الأسكندرية إلى مارسيليا وهو معمم ..لكنه وهو بالباخرة ، القى بعمامته فى مياه البحر المتوسط .
فى مونبلييه أخذ طه حسين يدرس الفرنسية ، والتاريخ الحديث والأدب الفرنسى ، وعلم النفس ، وكان يرسل الى جريدة لطفى السيد بعض المقالات . وبعد عام واحد استدعته الجامعة الأهلية ، لنقص أموالها ، حيث قررت إعادة جميع مبعوثيها ، الا من كان يدرس على نفقته الخاصة
وكان ذلك عام ١٩١٥ .
وقد كتب لدى عودته قائلا : ماذا تريدون من رجل ، لم يكد يأنس الى حياة النور والهدى ، حتى ردته الأقدار إلى حيث الظلمة الداجنة ، والضلال المبين . ماذا عسى أن نصنع بذكائنا فى بلد قانع بالقليل كمصر ، وقد رضى أهله بالقليل فى كل شئ ….لقد عدت إلى مصر آسفا محزونا . ولقد أستحى أن أقول الحق ، فأعلن أنى أستقبلتها باكيا .
ثم انصلحت أحوال الجامعة الأهلية ، فعاد طه حسين إلى فرنسا فى ديسمبر ٢٠١٥ ولكن هذه المرة الى باريس حيث جامعة السوربون حيث حصل على الليسانس ، ثم الدكتوراة الجامعية بإشراف إميل دوركايم .
درس طه حسين فى باريس اللغتين اليونانية واللاتينية ، والتاريخ الاغريقى والرومانى ، وتاريخ العصور الوسطى ، والتاريخ الحديث ، وتاريخ الثورة الفرنسية ، والادب الفرنسى ، وحضر دروس دوركايم فى علم الاجتماع ، ودرس منهج دبكارت فى الشك . وفى رسالته عن ابن خلدون تأثر طه حسين بأفكار جوستاف لانسون ..
ويقول طه حسين فى الايام : ان إميل دوركايم قد انفقوعاما كاملا يدرس تلاميذه مذهب الفيلسوف الفرنسى سان سيمون ، الذى يقوم على ان أمور الحكم الصالح المنتج الذى يحقق العدل ، ويكفل رقى الشعب ، ويتيح للانسانية ان تتقدم الى الأمام يجب ان تصير الى العلماء ، لأنهم هم الذين يستطيعون ان يلائموا بين نتائج العلم على إختلافها ، وبين حاجات الناس وطاقاتهم ، وإستعدادهم للتطور .
وفى رسالته ( الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون ) تأثر طه حسين بدوركايم ولانسون والمدرسة الفرنسية ، وقد اتهم طه حسين بسببها بالإساءة لابن خلدون وفكره . فقد عارض اعتباره مؤسسا لعلم الاجتماع ، وقال ان كتابة يتركز حول نقطة واحدة وهى ( الدولة ) . وانه لم يكن له رأى واضح فيما يميز المجتمع عن الأفراد ، وانه لم يتحرر من عادات عصره تحررا كافيا ، ليكون علميا حقبقيا ، وليجعل الى درجة كافية ، من الحادث ( الواقعة : الاجتماع ) موضوعا .
وقد حصل طه حسين على درجة الدكتوراة سنة ١٩١٨، ثم واصل جهده فنال أيضا دبلوم الدراسات العليا برسالة عن القانون المدنى الرومانى ..
ومازال هناك الكثير فى مسيرة الدكتور طه حسين …
الدكتور طه حسين
الجزء الرابع
تعرف طه حسين على زميلة له تدرس فى جامعة مونبلييه ، أخذت تساعده ، وتقرأ له . وعندما ذهب بعد ذلك الى باريس ، أتصل بها عن طريق الخطابات ، ثم تزوجا فى اغسطس ١٩١٧ ، مما ساعد طه حسين على إجادة اللغة الفرنسية ، والاتصال عن طريقها بمفكريها ومستشرقيها
وتقول سوزان فى كتابها ( معك ) ان طه حسين عندما فاتحها فى الزواج ، صارحته : ولكنى لا أحبك !! ثم عادت لأهلها وأستشارتهم فيما عرضه طه حسين ، فأجابوها : كيف تتزوجين من أجنبى ؟ وأعمى ؟ وفوق كل هذا مسلم ؟ لا شك أنك قد جننت تماما ..فلما استشارت سوزان عما لها يعمل قسيسا ، اجابها بعد تامل : ولم لا ؟!! ..
وتقول سوزان انها تزوجت طه حسين فى كنيسة كاثوليكية بفرنسا وانها اشترطت عليه ان تحتفظ بديانتها المسيحية .وقد مكثت فى مصر ٧٥ عاما ، كانت تواظب خلالها على الذهاب للكنيسة كل أحد ، ولم تتخلف إلا لعذر قاهر . ولكنها اعتنقت الاسلام ( على ورق ) حتى لا تفقد معاشها بعد وفاة زوجها . وعند وفاتها دفنت فى مقابر المسلمين الى جوار طه حسين
وإلى جانب لغتها الفرنسية ، كانت مظاهر بيتها وأثاثه تحفة غربية . وقد لاحظ أحد تلاميذ طه حسين ذلك ، واتهمها بأنها تأنف الحياة فى جو عربى مع انها زوجة عميد الادب العربى .
وتحدث ( فريد شحاته ) سكرتير طه حسين عن قسوتها مع العاملين فى المنزل ، وانها كانت تعامله معاملة الخدم ، وان هذا احد اسباب تركه خدمته .
ويقول مصطفى عبدالغنى ان لسوزان وجها آخرا جامدا ومظلما ، يرمز الى ترفعها وتعصبها . وانها كانت طاغية الشخصية ، وذات تأثير كبير على زوجها وافكاره . وأنها بعد زواجها اصرت على التحدث بالفرنسية ، ولم تحاول ان تتعلم العربية ، وان أبنيها ( أمينة ومؤنس ) لم يحسنا التحدث بالعربية بالقدر الكافى .
لقد كان من نتائج هذا الزواج ان سوزان كانت تتحكم فى أصدقائه وزواره ، وان الحياة الباذخة والمسرفة التى عاشتها
قد فرضت على طه حسين أن يلهث وراء المال ، لنفقاتها اليومية ، ولرحلتها السنوية الى فرنسا .
ومع ذلك ، فقد كانت شديدة الرعاية لزوجها ، وقد نظمت له اوقاته أدق تنظيم ، وقدمت له طعامه ودواءه فى مواعيدها ، وكانت تقرأ له الأدب الفرنسى كل يوم بعد العشاء وقبل النوم . وكانت خير معين له فة آخر أيامه ، كما كانت فى كل أيامه ..
ومازالت رحلتنا مع عميد الادب العربى مستمرة ..
احترامى لكم ..ومحبتى ..