إعداد المستشار محمد أبو زيد
خاص -نفحات القلم
الجزء الخامس
عاد طه حسين الى مصر عام ١٩١٩ مصطحبا معه زوجته سوزان ، فعين مدرسا بكلية آداب الجامعة الأهلية .
وفى عام ١٩٢٥ كتب ( قادة الفكر ) و ( منارة الاسلام ) والجزء الاول من ( حديث الأربعاء ) و ( فلسفة ابن خلدون الاجتماعية ) .
وفى عام ١٩٢٦ نشر طه حسين كتاب ( الشعر الجاهلى ) وفى ١٩٢٧ جعله ( الادب الجاهلى ) . وفى ١٩٢٩ نشر الجزء الاول من ( الأيام ) .
ومنذ العام ١٩٢١ بدأ طه حسين نشر مقالاته فى جريدة الأهرام ووجد مكانه الطبيعى بين مفكرى حزب الاحرار الدستوريين وساسته ، الذين اعتبرهم خلاصة الليبرالية المصرية . واخذ يكتب من عام ١٩٢٢ فى صحيفتهم ( السياسة ) ، ويبدى اعجابه بعبد الخالق ثروت ، ويتخذ موقفا معاديا وعنيفا من حزب الوفد .
ثم أخذ طه حسين ينشر مقالاته الادبية كل اربعاء فى جريدة السياسة ، وقد افتتحها بسلسلة مقالات عن الشعراء المجددين فى العصر العباسى ، واصفا العصر بأنه كان عصر شك ومجون وزندقة . وقد جمع بعد ذلك هذه المقالات فى كتاب ( حديث الاربعاء ) . وقد أثارت عليه هذه المقالات ثورة الادباء فى مصر وخارجها ، بدعوى انها تشوه العصر ، وتسئ إلى الشعراء . وممن هب لمناقضته رفيق العظم فى سوريا ، الذى حاول ان يدافع عن عصر المنصور والمهدى والرشيد والمأمون ، وعن شعرائه . فرد عليه طه حسين بأن العلم لا يعرف تقديس السلف ، ولا الحياد عن الجادة والصواب ، واتباع الحقيقة الخالصة .
…. ….. ….. …..
وعندما صدر دستور ١٩٢٣ ونص على ان دين الدولة هو الاسلام ، عارض طه حسين هذا النص ، لخطورته على حرية الفكر ، ورقى البلاد ، وافتئاته على حقوق الأقلية القبطية . وقال ان الذين وضعوه ، لم يخطر ببالهم انه سيكلف الحكومة واجبات جديدة لا قبل لها بها .
وفى مارس ١٩٢٥ تحولت الجامعة الاهلية إلى الجامعة المصرية ، وانتقل طه حسين من مجال تخصصه الأول وهو التاريخ القديم ، الى قسم اللغة العربية . وزف اليه الخبر وهنأه عليه ، عبد الخالق ثروت .
….. …. ……..
فى عام ١٩٢٥ نشر على عبدالرازق كتابه الاسلام وأصول الحكم . وفى ١٩٢٦ نشر طه حسين كتابه المثير للجدل ( فى الشعر الجاهلى ) . وقد اهداه إلى عبدالخالق ثروت رئيس الوزراء وقتئذ ، وكأنه كان يتوقع المتاعب التى سيلاقيها ، وأراد ان يستند إلى سلطانه . وعند نشر الكتاب ، ثارت قضيتان ، الاولى هى قول طه حسين بالتناقض بين نصوص الكتب الدينية ومابلغه العلم ومنها قول طه حسين :
( للتوراة ان تحدثنا عن ابراهيم وإسماعيل ، وللقرآن ان بحدثنا عنهما أيضا ، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى ، فضلا عن إثبات هذه القصة التى تحدثنا عن هجرة إسماعيل بن ابراهيم إلى مكة ، ونشأة العرب المستعربة فيها . ونحن مضطرون إلى ان نرى فى هذه القصة نوعا من الحيلة ، فى إثبات الصلة بين العرب واليهود من جهة ، وبين الاسلام واليهودية من جهة اخرى ) .
والقضية الثانية هى شك طه حسين فى الشعر الجاهلى .
وقد قامت على طه حسين بسبب كتابه ( فى الشعر الجاهلى ) ثورة عارمة ، هاجمته من مواقع إسلامية ، وغذى بعضها من طرف خفى عباس محمود العقاد ، فأشترك فيها بعض مريديه وتلاميذه ، وان لم يشارك هو فيها بنفسه ..وكان من ضمن من أنضموا الى حملة الهجوم على طه حسين الأمير شكيب أرسلان الذى أتهم طه حسين بعدم النزاهة والتبعية للغرب ، وقد انحازت جريدة الاهرام ضد طه حسين ..
ومن ضمن ماأتهم به طه حسين بأنه كان يعلم بأن ما أثاره فى كتابه عن الشعر الجاهلى قد سبق ان أثاره المستشرقون .وان فكرة انتحال الشعر الجاهلى كانت مطروحة للبحث قبل سنوات بالجامعة المصرية ، بعد ان أثارها المستشرقون الغربيون ، بل ظهر ان هذه الفكرة أقدم من هذا ، فقد أومأ إليها إبن سلام الجمحى فى كتابه ( طبقات فحول الشعر ) ، وأبوالفرج الأصفهانى فى كتابه ( الأغانى ) ، وانه لم يشر فى كتابه إلى من سبقوه كما تقضى بذلك التقاليد العلمية الرصينة ، وان كان لم يعلم بكل هذا ، فقد وقع فى نقص خطير .
….. …… …..
ادى نشر الجامعة لكتاب ( فى الشعر الجاهلى ) الى اعتصامات ومظاهرات طالبت برأس طه حسين ، بل تلقى عدة خطابات تهدده بالقتل . وهاجمه بعض أعضاء مجلس النواب ، وكان رئيس مجلس النواب فى ذلك الوقت سعد زغلول ، بينما يرأس الحكومة عدلى يكن . وقد نشبت بينهما مشادة ، فقد خلالها الاثنان أعصابها ، حيث طالب بعض الاعضاء بمصادرة الكتاب ، وطرد طه حسين من الجامعة ، ورفع الدعوى عليه .
وخطب سعد زغلول امام إحدى المظاهرات التى قامت للأحتجاج على الكتاب ، فقال :
( إن مسألة كهذه لايمكن أن تؤثر فى هذه الأمة المتمسكة بدينها . هبوا أن رجلا مجنونا يهذى فى الطريق ، فهل يضير هذا العقلاء فى شئ . ان هذا الدين متين . وليس الذى شك فيه زعيما ولا إماما ، حتى نخشى من شكه على العامة ..ليشكك ما شاء ، وماذا علينا إذا لم تفهم البقر ) .
ودعا الأزهر إلى مظاهرة عامة عامة بعد صلاة الجمعة ١٢ نوفمبر ١٩٢٦ . وتوجه ٢٠٠ عالم من المعاهد الدينية يتقدمهم شيخ الازهر وهيئة كبار العلماء ، لمقابلة رئيس الديوان الملكى ، وشكوا له من مطاعن طه حسين للإسلام ، فأعلن تضامنه معهم .
كما تقدم النائب بمجلس النواب عبدالحميد البنان فى سبتمبر ١٩٢٦ ، ثم الطالب الأزهرى خليل حسنين فى ٣٠ مايو ١٩٢٧ ببلاغين الى النائب العام يتهمان فيه طه حسين بتأليف كتاب يطعن فى الاسلام . وبعد ذلك بخمسة أيام ، بعث شيخ الأزهر للنائب العام بتقرير وضعه خمسة من علماء الأزهر حول الكتاب ، وطالب بإتخاذ الإجراءات القانونية .وفى نفس الوقت أرسل بعض أساتذة الأزهر وطلبته بسيل من الرسائل للمسؤولين وللنائب العام يلحون فيها فى طلب التحقيق مع طه حسبن .
وفى الجزء القادم نستكمل وقائع المعركة الذى أندلعت حول كتاب الدكتور طه حسين ( فى الشعر الجاهلى ) .
الدكتور طه حسين
الجزء السادس
نصح عبدالخالق ثروت طه حسين بأن يسافر مع أسرته حتى تهدأ الاحوال .فلما بدأ وكيل النيابة محمد نور تحقيقه ، ووجد ان طه حسين خارج البلاد ، أجل التحقيق حتى ١٩ اكتوبر ١٩٢٦ ، فلما عاد الى مصر ، أخذ أقواله ، وقد حضر مع طه حسين المحامون عبدالعزيز فهمى ، وكامل البندارى ، وأحمد رشدى ، وعبدالملك حمزة ..
واثناء التحقيق مع طه حسين ، قام طلبة الازهر والمعاهد الدينية بمظاهرة كبرى ضد الكتاب ومؤلفه ، تبعها مظاهرة ١٢ نوفمبر . ثم استمرت المظاهرات فى مصر والخارج شهورا . فقامت مظاهرة كبرى فى دمشق فى سبتمبر ١٩٣٣ .
كذلك تكرر الهجوم على طه حسين فى مجلس النواب المصرى لدواعى سياسية اكثر منها دينية او أدبية ، طوال الأعوام ١٩٣٠ ، ١٩٣٢ وحتى ١٩٣٩ .
وقد انتهى رئيس نيابة مصر الاستاذ / محمد نور بعد ان حقق مع طه حسين إلى اصدار قراره التاريخى فى ٣٠ مارس ١٩٢٧ بحفظ التحقيق وقال فى قراره : ( وحيث انه مما تقدم ، يتضح ان غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين . بل ان العبارات الماسة بالدين التى اوردها فى بعض المواضع من كتابه ، انما اوردها على سبيل البحث العلمى ، مع اعتقاده أن مبحثه يقتضيها . وحيث انه مع ذلك يكون القصد الجنائى غير متوافر ، فلذلك تحفظ الاوراق إداريا .
ورغم ذلك ظل الكتاب مصادرا ومخزنا بمخاذن الجامعة المصرية .
وفى العام ١٩٢٨ اصبح طه حسين استاذا للأدب العربى بالجامعة المصرية ، ثم انتخب عميدا لكلية الآداب . ولكن وزير المعارف طلب اليه ان يستقيل ، فاشترط طه حسين لاستقالته ان يتم تعيينه عميدا اولا . فلما عين ، قدم طه حسين استقالته .
وكان من الطبيعى بعد المحنة القاسية التى تعرض لها طه حسين ، ان ينضم قلبا وقالبا لحزب الاحرار الدستوريين وجريدته ( السياسة ) واللذين وقفا معه بقوة إبان محنته ..كما زادت قسوته تجاه حزب الوفد وزعيمه سعد زغلول ..فقد كتب مقال بعنوان ( ويل للحرية من سعد ) قال فيه عن سعد زغلول : ( ليس رجل ثورة ، وليس رجل حرب ، وليس هو رجلا واحدا ، وإنما هو ثرثار سريع الحركة مشعوذ …….سعد وكيل الأمة فى كل شئ ، حتى قراءة الصحف . أيتها الأمة المصرية طيبى نفسا ، وقرى عينا ، أهدئى وأطمئنى ، فقد قيض الله رجلا يريحك من كل شئ . لا تطالبى بالاستقلال ، فسعد يطالب به . لاتعشقى الحرية ، فسعد يعشقها )
وتتواصل رحلتنا مع عميد الأدب العربى …شكرا للمنابعين على قلتهم ..