يمكن القول ان طه حسين قد وعى درس ( فى الشعر الجاهلى ) وعيا تاما ..فتخلى عن بعض عناده واستفزازه ، واتبع طربق المهادنة والاعتدال والحرص الذى نصحه به أصدقائه ..فقد اصبح صاحب مواقف وسطية بين القاهرة وباريس ، وبين الازهر والجامعة ، وبين القديم والحديث ..
وفى ١٩٢٩ نشر طه حسين كتابه الأيام مسلسلا فى مجلة الهلال ، وقد ترجم كتاب الأيام للفرنسية مع مقدمة بقلم اندريه جيد فى ١٩٤٧ ..
وكان طه حسين يحرص فى تدريسه بالجامعة المصرية على ان يدخل ويخرج الى مدرج طلابه فى موعد محدد، والا يعتذر عن محاضرته إلا لأسباب قاهرة ، والا يسمح لنفسه بأن يشرب شايا او سيجاره خلال المحاضرة . وتقول تلميذته دكتورة سهير القلماوى أنه كان شديد التزمت حتى انه رفت يوما طالبا لأنه زعق على الآخر فى مدرج المحاضرة ، وآخر لأنه دخن سيجارة فى رمضان ،وأخرى لأنها جلست تنسج التريكو فى شمس فناء الجامعة . وكان لطه حسين وهو استاذ ، ثم عميد لكلية الآداب ، رهبة ، وجلال ، فكانت أوامره وطلباته مجابة ، ورأيه مسموعا ..وقد حدث وهو وزير للمعارف ان رد على المتظاهرين ضد الوزير الأعمى بقوله : الحمد لله الذى جعلنى أعمى حتى لا أرى وجوهكم
….. …… …….
وفى ١٩٣٣ نشر طه حسين كتابه دعاء الكروان ، وفى ١٩٣٥ نشر كتبه ( أديب ) ، و ( مع أبى العلاء فى سجنه ) وفى ١٩٣٦ نشر طه حسين ( من حديث الشعر والنثر ) ، وفى ١٩٣٧ نشر مع توفيق الحكيم ( القصر المسحور ) ثم كتابه ( مع المتنبى ) وترجم فى ١٩٣٩ الادب التمثيلى لسوفوكليس .
…. …. ….. …..
فى ١٩٢٧ أشرف طه حسين على رسالة اليهودى إسرائيل ولفنسون ، الذى اصبح فيما بعد من كبار المفكرين والأدباء الاسرائيليين ، وكانت رسالته عن تاريخ اليهود فة المملكة العربية . وقد اتخذ هذا الاشراف من بعض المتحزبين والمتعصبين ، قرينة ضد طه حسين ودليلا على محاباته لإسرائيل ، ومساندته للصهيونية . رغم ان دولة إسرائيل لم تكن قد قامت بعد ، والعرب لم يكونوا قد حاربوها ، واليهود كانوا يملأون بالآلاف الدول العربية كمواطنين .
وفى ١٩٣٦ تم انتخاب طه حسين عميدا لكلية الاداب للمرة الثانية ، ووافق وزير المعارف على انتخابه ، وبعد بومين طالبه اسماعيل صدقى رئيس الوزراء بأن يصبح رئيسا لتحرير الصحيفة الجديدة التى أنشأها ، لكن طه حسبن رفض ، فأضمر له إسماعيل صدقى العداء .
وقد أعادت حكومة اسماعيل صدقى فتح باب المناقشة فى كتاب طه حسين فى الشعر الجاهلى فى مجلس النواب . وأعلن شيخ الأزهر الظواهرى ان أداء طه حسين لا يصلح لتربية طلاب الجامعة ، ثم قام وزير المعارف بنقل طه حسين الى ديوان وزارته ، ورفض لطفى السيد مدير الجامعة آنذاك قرار الوزير ..ثم توصل لحل وسط مع رئيس الوزراء يبقى بمقتضاه طه حسين أستاذا بكلية الآداب دون أن يكون عميدا لها ، ولكن وزير المعارف رفض ذلك ، فأستقال لطفى السيد من ادارة الجامعة ..فقامت مظاهرات من طلبة كلية الاداب والجامعة ، تطالب بعودة طه حسين إليها ، وذهبوا إلى بيته ، وهتفوا بحياته . فنفذ طه حسين أمر نقله الى الوزارة ، لكنه رفض ان يقوم بأى عمل ، فأحاله رئيس الجامعة إلى التقاعد ..ويجدر التنويه الى ان طه حسين هو الذى قام بتحويل المدارس العليا : الهندسة والتجارة والزراعة والطب البيطرى الى كليات جامعية ..
ومازالت رحلتنا مع طه حسين مستمرة …