حطّتْ جوقة الحساسينِ على شُجيرةِ الصفصافِ , التي تحنو لهفة ً على اليَنبوعِ , الصغيرِ العذبِ , عزفتِ الجوقةُ صلاةَ الصباحِ , فاستفاقَتْ زهرة ُ النرجسِ , على أذانِها اللطيفِ , ففاحَتْ وباحَتْ , وركعَتْ تُصلّي جوارَ النبعِ من أجلِ صبيةٍ صغيرةٍ سمراءَ كانَتْ الصغيرةُ تنوحُ بلحنٍ حزينٍ وهي تنحني لتملأَ جرّتها .. فحبيبُها ودّعَها سرّاً هذا الصباحَ , ليلتحقَ بصفوفِ العسكر ِ المدافعينَ عن بلدتِهم المحاصرةِ من شهور ٍ عديدةٍ من قبلِ المسلحينَ القساةِ , الذينَ يصلونَ بيوتَ القريةِ بنارِ حقدِهم ليلَ نهارَ , , وقد وعدَها إن عادَ أن يخطبَها من أهلِها كانَتِ الصغيرةُ تتنهّدُ بصمتٍ , والدُّموعُ تتلألأُ فقي عينَيها , وهي تمتمُ ياربِّ أعدْهُ لي سالماً , لا تخذلْ قلبي ياربِّ واحفظْ بلادي من شرِّ الطغاة ِ .. عادَتِ الجوقةُ , تعزفُ هذه المرّةَ لحناً جنائزياً شجيّاً يوحي بألمٍ خفيٍّ مكتوم ٍ , وقد لاحَ مِنَ البعيدِ موكبٌ تتوسطُهُ سيارةُ إسعافٍ ومن فوقِها نعشُ شهيدٍ مسجى وقد لُفَّ بعلم ِ الوطنِ , إنه الجرحُ ذاتُهُ في قلوبنا جميعاً…