أمينة ساهي / شاعرة تستلقي على الشواطئ اللازوردية فتبعث لنا نسائمها من هناك حيناً…وحيناً تتوغل بنا الى أقبية الحزن حد البكاء .
فنانة تشكيلية ..دارسة للأدب الانكليزي …شاعرة تضع أمامنا مجموعتها الشعرية البكر ، والتي أطلقت عليها ( بيلوغرافيا الأشجان السومرية ) ، وهي تلك المرأة السومرية التي تعشق
تلك الأرض إذ تمتد جذورها إلى سومر .
وأمينة ساهي تعيش الغربة فتلقي بظلالها على أغلب القصائد وكذلك البعد عن الوطن الذي جثم على مشاعرها فأحالها الى ناي حزين ، وكونشرتو بيانو غارق بالوجد .
إنها رواية مثقلة بالهموم ، ورحلة موحشة الإغتراب الممزوج بالخوف من المجهول .
إنها الصوت المغترب الذي يضع خطوته الأولى على درب الشواعر العراقيات بثقة عالية تنبئ عن وجود طاقة شعرية خلّاقة بصور واقعية متتالية في النص الواحد ، تأخذ القارئ لعوالم التمتع بالمفردة الجميلة ، والانزياحية الجميلة الرائدة التي قلّما نجدها اليوم بين النسوة اللواتي دخلن الى عالم القصيدة .
قادتني المصادفة الى قراءة أحد نصوصها الشعرية على صفحات التواصل الاجتماعي ، فقررت الدخول الى عالمها الشعري للتعرف عليها عن كثب ، فطلبت منها المزيد من النصوص ، وبعد فترة علمت بأنها على وشك إصدار مجموعتها الشعرية الأولى ، فرغبت أن أرى النصوص لأكتب التقديم للمجموعة .
وهاأنذا أضع بين يدي القارئ الكريم هذا الجمال الطبيعي من قصيدة النثر الذي لم تدخله مساحيق التجميل من رموز وأساليب ونصوص تضع المتلقي في حيرة من أمره عند القراءة .
حين نقف على تجربة ( أمينة ساهي ) الشعرية يتضح أمامنا الأسلوب المتميز في الكتابة متمثلاً بخطين ، أولهما الغربة وتلك الظروف القاسية التي عاشتها وهي تضع خطاها في رحلة الإغتراب والإبتعاد عن الوطن ، ومايحدث فيه من الآن من صراعات دينية وفئوية وعرقية تحاول تقسيمه الى أجزاء متناثرة ومتناحرة فيما بينها ، وثانيهما هو مايعتلج في القلب من رؤى تتداخل في ظلمات الروح فتحيل ذكرياته الجميلة الوادعة الى آلام يومية وسهد دائم موجع ، وعلى الرغم من مرارته فهو جميل في ذكراه .
ولنبدأ بعنوان المجموعة ، والذي هو عتبة كل منجز أدبي …
وقد اختارت الشاعرة عنوان ( بيلوغرافيا الأشجان السومري)
وبيلوغرافيا كما يعلم القارئ هو مصطلح يتألف من مقطعين
هما ( بيلو ) وتعني الكتاب و ( غرافيا ) تعني الوصف ، وبالمعنى العام وصف الكتاب أو البيانات .
والشجن هو شدة الحزن الذي تشير إليه ابنة سومر المتجذرة في أرض الحضارات والأنبياء .
وتلك التسمية تشعرنا بوجود غصة من ألم في نفس الشاعرة نتيجة لما مرّ من ذكره من معاناة رحلة الإغتراب والبعد عن الوطن والأحبة .
وهي بالتأكيد ذلك الصوت الذي غربته المواجع ، وسكنت بين جوانحه الوحدة حين تقدم لنا بريق رعد من رحلة الإغتراب المبكية في تفاصيلها الدقيقة إذ تقول :
مذ حملتُ حقيبتي وهاجرتُ
إلتَصَقَت بظهري
ماعادت تفارقه
تحوي أوراقاً فيها اسمي
ومسقط حزني
المتخم بأحلامٍ متشظية
وتصف حنينها للعراق في قصيدة ( الشبّوي)
من ضجيج الذاكرة البائسة
رغم حسرات الغياب
اتنفسك
أشم ضوع ( الشبّوي )
فيك ياعراق ..(الشبوي نوع من الزهور المنتشرة في العراق)
كما انها لم تنس تلك اللحظة المرعبة التي رافقتها في رحلة الاغتراب ….
تحاصرنا وحوش آدمية
لامكان للإختباء
أو لمجرد شهيق أليف
فينشب الرعب مخالبه الدبقة
بمخمل الروح .
وفي قصيدة ( أرواح مذعورة ) وصفت الشاعرة المشهد اليومي للحياة في قصيدتها…
نخلٌ عارٍ
هجرته العصافيرُ
قارسٌ شتاؤهُ
أناسٌ رماديون
عالقون في الأسى
أصابتهم فتنةٌ
كل الآفاق لديهم خاوية
وفي رحلة القلب تبدع الشاعرة في صورها فتقول :
حبك زنابقٌ بريةٌ
ماغزلها قبلك عاشقٌ
ولاارتدتها قبلي حبيبة
وهناكةمجموعة اخرى من قصائد الحكمة منها :
اغمض عينيك في صمت الظلمة
وتأمل حوار الروح والجسد
فما أن يحتويك الصمت
حتى تلمس جوهر الحقيقة.
وربما تصل الشاعرة الى درجة اليأس في بعضها :
وما انا سوى فكرة
ترزح تحت قيدها
ولدت من ظلام
وتنتهي الى ظلام .
ولا أريد أن أطيل على المتلقي ..فهو وحده سيكتشف هذا المنهل العذب في القصائد الستين من ( بيلوغرافيا الأشجان السومرية ) لامرأةٍ تلقفتها الغربة والحنين للوطن والحب فجعلت منها شاعرة .
لأمينة ساهي كل الموفقية والسداد ..
الدكتور
جليل البيضاني
بغداد / العراق