ليعذرني القارئ الكريم إن لم أبدأ موضوعي هذا بالتمهيد له وذكر المقدمات ؛ فتسارع الأحداث وزخم التصريحات لا تعطي أحدا فرصة لالتقاط أنفاسه حيث يجد نفسه أمام سيل عاصف من الأسئلة يحاول أن يجد لها إجابات ومنها :
هل اقتربت الحرب على سوريا ؟ كيف سيكون شكل هذه الحرب إن وقعت وما مدها ؟ هل ستقتصر الحرب على سوريا أم ستتحول إلى حرب إقليمية ؟ هل ستتخلى روسيا وإيران عن النظام السوري ؟ والأهم ما هي ردة الفعل للنظام السوري ؟
إن هذه الأسئلة وغيرها الكثير هي التي تتردد على ألسنة المواطنين ونحن هنا لسنا بصدد الإجابة عنها وإن كان يهمنا الإجابة عليها ولكن سيكون حديثنا عن حرب أخرى لم يشهد العالم حربا بضراوتها وشراستها تتعرض لها سوريا العربية الشقيقة ألا وهي الحرب النفسية والتي سنحاول من خلال بيان أساليبها وكشف أنقسامها واشكالها وذكر وسائطها الاجابة عن بعض تلك الأسئلة الواردة أعلاه .
لقد اصبح معروفا للجميع أن الحرب لم تعد تقتصر على المواجهة العسكرية فحسب ، فهناك الحرب الاقتصادية والحرب النفسية ، وإن أي حرب لا بدّ وأن تتلاءم وتترافق فيها المواجهة العسكرية مع النفسية ؛ لأنه لا يمكن القيام بحرب عسكرية دون حرب نفسية ولا يمكن الاستغناء عنها . وإذا أردنا معرفة ماهية الحرب النفسية فقد عرّفها المختصون بأنّها الاستخدام المدبّر لفعاليات معيّنة معدّة للتأثير على آراء وعواطف ومواقف وسلوك مجموعة معينة من الناس وقت الحرب ، ويستهدف منها تحقيق مكاسب عسكرية بجهدٍ أقل ، عن طريق إضعاف معنويات مَن تُشنّ ضدهم هذه الحرب وتغيير منهج تفكيرهم بشكلٍ يحقق مصالح العدو في القضايا التي يجري الصراع من أجلها .
أمام هذا التعريف السابق للحرب النفسية نجد أن سوريا العربية تعرضت لحملة مبرمجة وممنهجة من الحرب النفسية سبقت اندلاع الأزمة فقد شنّت عليها الحرب النفسية منذ احتلال العراق عام 2003 فاتهمت سوريا بمساعدة النظام العراقي السابق وبإيواء عناصره المطلوبين للعدالة الأمريكية وزادت هذه الحرب حدةً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري فاتهم النظام السوري بالمسؤولية عن هذا الاغتيال ومن ثم مطالبة سوريا بسحب قواتها من لبنان تحت التهديد والوعيد وقرار مجلس الأمن الدولي ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل تجاوزه أثناء حرب تموز فاتهم النظام برعايته للإرهاب وتمويله ولمّا بدا مايعرف بالربيع العربي زاد الغرب من حملته ضد سوريا فكانت أحداث درعا المصطنعة نقطة التحوّل في مجرى الأحداث .
فبحجة تحقيق مطالب الشعب والثورة تحوّلت الأرض السورية إلى ساحة حربِ مصالحَ وأطماعٍ مفتوحة بين الدول الكبرى وصراع دموي يدفع الشعب البريء ثمنه وتتحمّل الدول المتآمرة وزره . وكانت للحرب النفسية الدور المؤثر في مجرى الأحداث تلك الحرب التي تعددت أشكالها من علنية حيث تكون المعلومات والبيانات الصادرة تمثّل السياسة الرسمية للدولة ووجهة نظر حكومتها ومثال ذلك موقف دول الخليج ومصر في عهدالرئيس المعزول مرسي وموقف امريكا وتركيا وبريطانيا وفرنسا أو ما اصطلح على تسميته ( أصدقاء سوريا )والذي صرّح قادتها ورؤساؤها عن موقفهم المعادي من النظام السوري علانية وفي المقابل كان هناك الموقف الإيراني والروسي والصيني وموقف حزب الله الرافض لمواقف الدول الأخرى.
وكانت أيضا الحرب النفسية تأخذ شكلا شبه علني فأخذت المعلومات صيغة حيادية لم يصّرح فيها عن المصدر الحقيقي لها ومثال ذلك المعلومات التي تندرج صرّح مصدر مسؤول رفض الكشف عن اسمه ، أو كشفت مصادرنا الخاصة عن … دون ذكر لهذه المصادر .
أمّا الوسائل التي مارستها الدول المعادية للنظام السوري في حربها النفسية فهي وسائل واساليب كثيرة أهمها :
الدعــــــاية : ويقصد بها الترويج لمعلومات وآراء منتخبة وفق تخطيط معيّن بقصد التأثير على عقول ومشاعر وأعمال مجموعة معيّنة من الناس لغرض معيّن قد يكون عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا . ولنجاح الدعاية لا بد من توفر المال والخبرة والذكاء والجرأة في الاستخدام ، وأنت عزيزي القارئ لن تجد صعوبة في كشف ما تتعرض له سوريا من دعاية مغرضة سُخّرت لها قنوات إعلامية مضللة على رأسها قنوات ك الجزيرة والعربية وقناة سكاي نيوز العربية ، إلى جانب القنوات التي مارست العزف على أوتار التفرقة الطائفية والمذهبية والترويج للفتاوى الشاذة كأصحابها.
وهناك الإشاعة وما أكثرها في سوريا والتي تهدف بالمقام الأول إلى تحطيم معنويات الشعب بإثارة موجة من الرعب والخوف في نفوس السكان لأجل تصدّع الجبهة الداخلية وزعزعة معنويات القوات المسلحة وخلق نوع من فقدان الثقة بينها وبين قياداتها ؛ لغرض احلال روح التمرد وتحطيم الروابط بين الدول المتحالفة والصديقة . والأمثلة على الإشاعة في الشأن السوري لا يمكن حصرها ولكن يكفينا أن نستمع يوميا إلى ما تبثه القنوات المغرضة من أخبار عن مجاز يرتكبها الجيش السوري بحق المدنيين الآمنين عن طريق القصف الجوي أو القصف المدفعي والصاروخي ومن استخدامه للأسلحة الكيماوية بحق المواطنين كما هي الحال هذه الأوقات وما يروج له المسلحون من انتصارات كبيرة تمّ تحقيقها على الجيش النظامي بحيث لم يعد بمقدور الجيش والنظام السيطرة الا على أجزاء من العاصمة وبعض المدن والأحياء السكنية ، كذلك الحديث عن انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش السوري .
ومن وسائل الحرب النفسية التي تتعرض لها سوريا وشعبها الضغوط الاقتصادية ، فقد قامت الدول المعادية للنظام السوري بالكثير من الإجراءات التعسفية الظالمة بحق الشعب السوري بحجة محاربة النظام فتم منع وصول الأطعمة والمواد الضرورية له وتجميد أمواله وتدمير أمكاناته الانتاجية وذلك بهدف خلق حالة من الجوع والحرمان تؤدي إلى نقمة الشعب على النظام وقد تعددت طرق الضغوط الاقتصادية على سوريا من مقاطعة اقتصادية وحصار اقتصادي وتزييف للعملة السورية بقصد اسقاط الموازنة بين النقد المتداول وذلك الموجود في البنوك مما أدّى إلى انخفاض وهبوط قيمة العملة السورية وضعف القدرة الشرائية للمواطنين السوريين وزد على ذلك ما تمارسه العصابات الاجرامية من السطو على مخازن القمح والطحين واتلافها أو بيعها خارج سوريا وفرض الحصار الاقتصادي الخانق على بعض البلدات كحال بلدات ( نبّل والزهراء ) .
واخيرا وليس آخرا نقول أن من أشكال الحرب النفسية التي تتعرّض لها سوريا الشقيقة ( العربية ) وأكرر سوريا العربية هو شكل المناورات السياسية ومن مظاهر هذه المناورات السياسية التي نعيشها الآن التهديد المستمر بالحرب من قبل أمريكا وحلفائها وايضا ما نسمعه من تشكيل حلف عسكري ضد سوريا وربما يكون اجتماع رؤوساء هيئات الاركان لجيوش 10دول في عمّان اليوم دليل على ذلك وهناك ما يجري في مياه البحر المتوسط من حركة للأساطيل العسكرية الامريكية وقبلها كانت المناورات العسكرية فقد جرت مناورات ما يعرف بالأسد المتأهب في الاردن قبل عدة أشهر وقد ركزت تلك المناورات على طرق السيطرة على الأسلحة الكيماوية السورية ونختم بالقول أن التصريحات الاستفزازية التي تتعرض لها سوريا وشعبها وقيادتها كل ساعة هي شكل من المناورة السياسية .
وبعد نقول أن هذه الحرب المسعورة التي تشن على سوريا حكومة وشعبا هي ضريبة على جريمة اقترفها النظام السوري الأ وهي جريمة ( إرادة الاستقلال ) . فهل يسمح السوريين بأن يحقق أعداؤهم ما يصبون إليه من زرع بذور الفرقة بينهم وبين قيادتهم ويصدقون أن قضيتهم التي يدافعون من أجلها ويبذلون الأرواح والدماء قضية غير عادلة وأنها خاسرة وميؤوس منها ؟ وأن ما ترتكبه العصابات المسلحة من أعمال وما يمارسه أفرادها من سلوكيات هي القضية العادلة التي يجب من أجلها أن يتخلى الشعب السوري عن مبادئه وينقلب على قيادته ويضع يده بيد أمريكا وإسرائيل ليتعلم منهما معاني الديمقراطية والحرية . وليعلم السوريون أنّهم وقود حرب بين الدول الكبرى ولو وقعت الحب لا سمح الله سيكونون وحدهم في الساحة ولن تنفعهم عبارات الشجب والتنديد والاستنكار ولهم في ما جرى في العراق وليبيا عبرة لمن يريد أن يعتبر
حمى الله سوريا وحمى شعبها الصابر على البلوى وحمى جيشها وحقق له النصر على أعدائه أعداء الحياة .