
في المقابل.. لو كان هناك من هدف مفيد يمكن تحقيقه من خلال جورج غالاوي، ربما كان بتقديم استعراضاته أمام جمهور بريطانيا وعلى منابرها الإعلامية.. كالبي بي سي وغيرها.. أن يفعل ما فعله عام 1994 في البرلمان البريطاني حينما وقف (بصفته برلماني بريطاني) في وجه بريطانيا وحلفائها في العالم انتصاراً لمعمر القذافي الذي اتهمته المخابرات البريطانية بتفجير طائرة البان آم فوق مدينة لوكربي في اسكتلندا.. وكذلك حينما انتفض في البرلمان البريطاني انتصاراً للعراق وشعب العراق الذي حاصرته قوى الأمبريالية وعملت على تجويعه بذريعة إسقاط صدام حسين..
كما أني لا أشكك بذكاء جورج غالاوي، فأنا أستذكر قول فائل أن "سياسات بريطانيا هي مثل (البرد) سبب كل علل العالم"…! إذ لا يمكن لعاقل أن ينكر أن سياسات بريطانيا منذ أكثر من 400 عام هي التي رسمت خارطة العالم الحديث بكل ما فيه من ألغام وشرور وحروب ومجازر إثنية ودينية وطائفية واقتصادية…!!!
لا ينكر عارفوه، أن جورج غالاوي شخص ظريف المعشر، وأن له منهجاً سياسياً شخصياً، يعتبر منطقياً ومقبولاً بالنسبة لثقافتنا ومعتقداتنا السياسية.. لكنه أولاً وآخراً، تلميذ نجيب في مدرسة السياسة البريطانية حتى لو حمل على ظهره منجلاً ومطرقة وصرخ بأعلى صوته أنه (عمالي) ومناضل من أجل الحريات في العالم..
وكما لدى غيره من نجباء السياسة البريطانية، فإن (كل شيء بحسابو) لدى جورج غالاوي..، الدقيقة من وقته أكثر تكلفة من رحلة بالطائرة حول العالم.. ويبدو أنه يدرك مدى سخاء بلهاء بلداننا تجاه بني جنسه من ذوي العيون الزرقاء والشعر الأشقر…
.
إن ما يعرضه جورج غالاوي هذه الأيام لا يعدو كونه معلومات باتت عامة (وبايتة) ولا جديد فيها سوى أنه هو من يقوم بعرضها.. ولا يختلف جورج في عروضه المملة عن أصدقائنا الذين باتت حلاوة ظهوراتهم تجعلنا نخشى من ارتفاع السكر.. فهم على الشاشة السورية صباح مساء يكررون الكلمات ذاتها والأفكار ذاتها وغالباً مع ذات المذيع أو المذيعة، حتى تكاد تعتقد أنك تشاهد الإعادة اليومية لهذا المسلسل الممل.. وتكاد تستجير وما من مجير.. ولا يتغير مزاجك بعد محاضرات (السولو) التي يلقيها الحكواتية علينا قسراً، إلا بجرعة إكسيرية ترفع المزاج وتعيد الأمل عبر لقاءات السيد الرئيس أو السيد حسن نصر الله اللذين يقطعان دوماً الشك باليقين في أحلك الحالات التي يفشل الحكواتية في ربط خيوطها أو فك ألغازها..
وللإنصاف، يلفت الجميع ما للأستاذ أنيس النقاش من أثر في النفس بواقعيته وقدرته على تبسيط المفاهيم دون فذلكات واستعراضات لغوية وبعيداً عن شخصنة الفهمنة أو استصغار المستعمعين والمشاهدين كما يفعل البعض بتكرارات لا تنتهي للـ(أنا) بكل أنانية ونرجسية..، مما يجعل أنيس النقاش الخيار الشعبي الوحيد على شاشاتنا المظلومة الظالمة… فهل عجزت الولّادات، بعد عامين ونصف من التجربة المريرة، عن استيلاد محللين سياسيين ومحاورين تلفزيونيين ومدراء حوار وبرامج، ولقاءآت جماهيرية تحرر العقول من عقال العقليات المهترئة التي ما زالت تقدم الـ(جظ مظ) وترفض الاقتناع بأن الطباخ المحترف يستطيع صنع أطباق شهية من ذات المكونات وبالتكلفة ذاتها…!