“النواة الشامية Noyau Levantin”
اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- أصدقائي… لنتذكر دائما… السوري أول من أطعم العالم خبزا… وأنه في في سورية… أول زراعة للقمح… وأولى المجتمعات البشرية… انها حقيقة أثبتها البحث العلمي… وليست فقط استنتاجا لتحليل وقائع أثرية وتاريخية.
*- البحث بعنوان : “من القمح الى الخبز, متى تم تدجين القمح البري؟”, للباحثين :
– الفرنسي جورج ويلكوكس – عالم الآثار النباتية – جامعة ليون /2/- مخبر آثار الشرق الأوسط
– الياباني كين إشي تانو – جامعة طوكيو – معهد البحوث من أجل الإنسانية والطبيعة
*- ملخص البحث :
1- درس الباحثان بقايا متفحمة من القمح مأخوذة من عدة مواقع أثرية في الهلال الخصيب وبالذات من حوض الفرات السوري.
– تبين للباحثين, أنه بين /9250/ و/7500/عاما سابقة, انتشرت في هذا الهلال الأقماح البرية وأصناف محلية أخرى من القمح والشعير, وكانت هذه الأصناف يزداد عددها تدريجيا.
– هذا يؤكد, بأن الانسان السوري بدأ يتوقف عن الترحال والصيد بهدف الاستقرار قبل /12000/ الى /10500/ عاما, وكان له الدور المطلق في خلق مفهوم الزراعة وتشكل المجتمعات البشرية.
2- القمح… والموطن الأصلي…
– بداية, في العصر الحجري القديم, كان إنسان بلاد الشام يقطف القمح ويأكله بحالته البرية أينما صادفه.
– عندما بدأت “زراعة” القمح, حدث تحول بمثابة ثورة بكل معنى الكلمة, ثورة بدأ فيها العصر الحجري الحديث.
– مع انتشار بؤر زراعة القمح في الهلال الخصيب, انتقل الانسان من رحالة وصياد وقطاف خلال مئات من القرون الى متوطن ومقيم وفق نمط حياة مختلفة تماما.
– انها حالة التفاف مصيرية في تاريخ الحياة البشرية, بدأ فيها الانسان نمطا جديدا من الحياة في هلالنا الخصيب, عنوانها التجمع والاستقرار, لتتولد من رحمها مجتمعات بشرية بمفاهيم اجتماعية جديدة في الحياة الإنسانية.
3- لولا زراعة القمح لما بدأ تشكل المجتمعات البشرية :
– كان إنسان ما قبل التاريخ (إنسان ما قبل الزراعي) آكلا للحبوب في ترحاله, يقطف سنابل القمح البرية ويلتهم حبوبها كيفما صادفها بشكلها النيء (قبل النضج) الى شكلها الصلب (عند النضج).
– يعتقد أن هذا التعامل كان الأساس الغذائي للإنسان في الهلال الخصيب قبل /12000/ عاما.
-عندما انتقل الانسان من حالة التجول الى حالة الاستقرار وبدأ يشكل مجتمعاته, نشط زراعيا, وغدا خلاقا في تدبير شؤون طعامه وتعامله مع القمح.
4- ملحمة القمح البري في الهلال الخصيب :
– سمحت الدراسات المتعمقة, التي شارك فيها علماء الآثار, والنبات والوراثة والكيمياء, بكشف النقاب عن معلومات كثيرة حول هذا التحول المذهل في نقل القمح من الحالة البرية الى الحالة الزراعية عبر مراحل من التحول في المجتمعات الزراعية, بداية من الأنواع المزروعة مرورا بتقنيات الزراعة وصولا الى طحن القمح وصناعة العجين.
– أدت نتائج الاكتشافات والدراسات والتحاليل (باستخدام الكربون /14/ بشكل خاص), الى أن القمح شهد أول زراعة له في ذلك الهلال الذي يبدأ من غور الأردن ممتدا الى حوض الفرات عابرا الساحل والوسط والشمال السوري,
– أطلق عالميا على هذا القوس تسمية “النواة الشامية”. وهذه النتائج باتت حقيقة ثابتة, لا جدال فيها, ويؤكدها يوما بعد يوم, توفر العديد من أنواع الأقماح البرية القديمة حتى اليوم في سهوب هذه المنطقة متناثرة بين النباتات العشبية الأخرى.
– بعيدا عن الدخول في المجال الوراثي الزراعي المعقد للقمح, فأن النجاح في زراعته تطلب الكثير والكثير من الجهد, وخصوصا أن زراعة القمح تتطلب التجديد في كل جيل بمساهمة الآباء المزروعة سابقا. فالقمح فريد من نوعه تماما ومختلف عن غيره في عالم النبات, إذ يحدث إخصاب الزهرة حتى قبل أن تتفتح أي أن هنالك إخصابا ذاتيا داخل الزهرة نفسها.
5- النواة الشامية تحول القمح المزروع من بذور الى طحين :
– بحث علماء الآثار كثيرا في تلك المرحلة الحاسمة من تطور التعامل مع الأقماح البرية منها والمزروعة مفتشين عن الطرق والسبل الوسائل المستخدمة آنذاك في عمليات فصل قشرة البذور والطحن.
– اختاروا مواقع عديدة أغلبها في قرى حوض الفرات الأوسط بالإضافة الى غور الأردن.
– البحث كان صعبا, إذ أن الأواني اللازمة للسحق والترطيب والطبخ لم يكن إنسان ذلك الزمان قد اخترعها بعد.
– في البداية, كان إنسان ذلك الزمان يأكل القمح المزروع بعد جمعه بالطريقة التي كان يأكل بها الأقماح البرية, فمع البذور النيئة لم تكن هنالك مشكلة, ولكن بعد جفافها وتصلبها الذي لا يطول تأثرت أسنانه ودلالة ذلك شكل التسطح المتعرج (السحجات) في أسنانه وبقايا قشور القمح العالقة بينها.
– ثم بدأ يطرق البذور بالحجارة مكتشفا إمكانية فصل القشرة عنها, كما أكتشف إمكانية تحميصها تجنبا لتعفنها عند التخزين.
– ثم عمل الانسان على صقل أحجار رحى خاصة بطحن الحبوب. وكانت عملية الطحن طويلة ومتعبة جدا, أدت الى حدوث تشوهات عظمية في الركبتين والكتفين كما بينت الهياكل العظمية لإنسان ذلك الزمان.
– ظل هذا الشكل من التعامل قرونا طويلة, حتى الى ما قبل /8000/ الى /7000/ عام, حيث ظهرت إحدى إبداعات الانسان الهامة وهي “الفخار” الذي ساعد على إمكانيات حفظ الطحين والطبخ وغير ذلك.
– مع استخدام الأوعية الفخارية, ازداد استهلاك الانسان للطحين بشكل كبير, فازدادت كميات النشا التي يتناولها, فظهرت علامات التسوس بين أسنانه نتيجة تحول النشا الى سكر مع لعابه وبوجود البكتيريا.
– زراعة القمح وتخزينه في الفخار كان إحدى أحجار الأساس لتطور واستقرار المجتمعات البشرية, ونشوء الحضارات المتتالية في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.
– احتاج الغرب, الذي كان “متوحشا” في ذلك الوقت كما تصفه المراجع العلمية, الى /3000/ عام بعد الانسان السوري ليتلقف زراعة القمح.
*- نسخة سورية مميزة للقمح :
– كما غيره من الكائنات الحية… هنالك أكثر من نسخة سورية من القمح أشهرها القمح الحوراني, الذي يقع تصنيفيا ضمن الأقماح الصلبة, وهو تحت نوع اسمه العلمي : تريتيكوم دوروم حورانيكوم Triticum durum ssp. Horanicum
– مواصفاته :
– مطلوب عالمياً لما يتمتع به من الصفات التكنولوجية العالمية حيث تصنع منه المعجنات و المعكرونة ويستخرج منه النشا و هو مفضل للمجدرة والبرغل و الفريكة.
– يعتبره علماء التربية مورثاً ممتازاً في البرامج البحثية ويستطيع إعطاء صفاته للأصناف الأخرى المشاركة في برامج التربية بسهولة.
– يقدر إنتاج الهكتار الواحد منه بـ /1500/ إلى /3000/ كيلوغرام.
*- شواهد عن القمح من جنوب سورية, بينت الدراسات والمكتشفات الأثرية أن :
– زراعة القمح الأولى في منطقة حوران كانت حول روافد نهر اليرموك والزيدي و الهرير و العلان, حيث تطورت ومنذ الألف 9 ق.م الأدوات المستخدمة في الزراعة, وهو ما تشير إليه أدوات الصوان الخاصة بالحصاد و أحجار الطاحون التي تم العثور عليها.
– مدينة “عشترة” الأثرية في حوران كانت مصدرا لهذه الزراعة وتكريماً لهذه المدينة عبد كنعانيو الداخل الآلهة “عشتروت إلهة الخصب والخير” كما عرف اإلهاً خاصاً للحصاد سمي “موت”.
– ابتكار المحراث خلال الفترة الرومانية واكتشاف الدورة الزراعية واهتمام الغساسنة والرومان في تطوير الأرض واستصلاحها ودعم الفلاح أدى إلى زيادة كبيرة في إنتاج القمح.
– كان إنتاج حوران من القمح يكفي حاجة روما العظمىو ويصدر قسما منه إلى مصر, ويخصص قسم من ريع الإنتاج لخدمة المعابد وإقامة الطقوس الدينية.
*- أصدقائي… لنتذكر دائما… السوري أول من أطعم العالم خبزا.
