(خاص – داماس بوست) كعادته في كل صباح يقف أبو محمد في الطابور أمام أحد شركات الصرافة بدمشق.
أبو محمد الذي خسر عمله نتيجة الأزمة، أصبح يتاجر بالدولار، لتأمين حياة كريمة لأولاده، وأصبح معروفاً لدى جميع شركات الصرافة.
ويبدو أن هذه المرة مختلفة، أبو محمد أحضر كل دولاراته لتصريفها إلى الليرة السورية، وذلك بعد الهبوط الحاد في سعر صرف الدولار، يقول بأنه اشترى الدولار بـ 175 ليرة وهو مضطر الآن لبيعه بـ 125 ليرة، يخاف من هبوط جديد وخسارة أكبر.
وشهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية انخفاضاً كبيراً في سعر صرف الدولار، وبعد أشهر طويلة من الارتفاع، انخفض سعر الدولار إلى 120 ليرة، واقترب من سعر الصرف الرسمي، وارتفعت الليرة السورية إلى أعلى مستوى لها في سبعة أشهر، وكالعادة لم تتأثر أسعار المواد الغذائية والسلع اليومية بانخفاض الدولار.
وتعزو الحكومة السورية الانخفاض الكبير للدولار إلى تحسن الظروف سياسياً وأمنياً خصوصاً في العاصمة دمشق، وتقول بأنها تشن حملة أمنية على المضاربين وتجار العملة، و الذين تحملهم السلطات السورية المسؤولية عن التذبذب الكبير في سعر العملة في الأشهر الماضية.
المضارب السوري فقد الثقة بالدولار الأمريكي
ويقول الدكتور قيس خضر أستاذ التحليل في كلية الاقتصاد جامعة دمشق في تصريح لـ (داماس بوست) أن المحلل الاقتصادي يمكن أن يرى في تقلبات سعر صرف الدولار الأخيرة تأكيداً لفكرة مفادها أن سعر الصرف انفلت في السوق السورية عن المتغيرات الاقتصادية الحقيقية (منذ قرابة العامين)، وأصبح يتبع لمتغيرات تتعلق بالأزمة مباشرة لا سيما المتعلق منها بالبعد العسكري والسياسي، وعليه فإن عدم وضوح الرؤية كاملة حول ما آل إليه الوضع السياسي والأمني مع تغير الوجهة مؤخراً نحو بعض الاستقرار فيما يخص الدولة السورية، فإن هذا يمكن تفسيره وإلى حد بعيد بتراجع دور المضاربين وانحسار دورهم لا بل وعدم قدرتهم على الصمود وانكفائهم من السوق السورية ليعود بذلك الهبوط اللاعقلاني بعد الصعود اللاعقلاني، مشيراً إلى أن المتغيرات الاقتصادية العينية الحقيقية لا يمكن لها أن تفرز تغيرات سريعة كتلك التي شهدها السوق المالي السوري، كما أن التغيرات النفسية وتلك المتعلقة منها بالثقة وتراجع دور المضاربين يمكن لها مجتمعةً أن تسجل تحركاً سريعاً وباتجاهين (الصعود ـ الهبوط) وهذا ما يفسر حالة التذبذب الحاد في السوق المحلية.
خضر أوضح لـ (داماس بوست) أن دينامية التحرك في السوق الداخلية دفعت ببعض المضاربين إل استشعار انحسار الدور الأمريكي على المستوى العسكري السياسي لا سيما بعد تراجعهم عن التدخل العسكري وانتقالهم إلى الحل السياسي، وعليه فإن تراجع الضغط الأمريكي على خط المواجهة مع الإدارة السورية تجسد اقتصادياً لدى المضاربين الذين تراجع ثقتهم هم أيضاً بالرمز الأمريكي في الأزمة السورية ألا وهو الدولار ومموليه، بمعنى أن التراجع السياسي والعسكري الخارجي قابله في الداخل السوري تراجعاً على الصعيد الاقتصادي.
الإجراءات الصارمة
وقال تجار ومصرفيون إن ارتفاع قيمة الليرة جاء بفعل الاجراءات الصارمة التي اتخذتها أجهزة الأمن السورية، حيث قامت بمداهمة وإغلاق ما لا يقل عن 12 مكتب صرافة في وسط دمشق في الأسابيع الماضية، وتم استجواب العشرات من التجار البارزين فيما يتعلق بتهم بالتربح من تخزين الدولار بعد شرائه بسعر رخيص من البنك المركزي.
ويواصل البنك المركزي ضخ كميات محدودة من الدولارات في النظام المصرفي ومكاتب الصرافة المرخص لها، وتقول الحكومة إن الليرة حصلت على دعم نفسي، من المكاسب التي حققها الجيش السوري في الآونة الأخيرة شمال سوريا.
لكن خبراء اقتصاديون قالوا، إن ارتفاع سعر صرف الليرة الأخير، ليس دليلا على قوة العملة السورية أو الوضع الاقتصادي على الأرض المصاب بالشلل، وإنما نتيجة لانخفاض الطلب حاليا في ظل خوف تجار السوق السوداء وانكماش الاقتصاد.
عابد فضلية
وعزا الخبير الاقتصادي، عابد فضلية، أمر الانخفاض لأسباب عدة، منها «ارتفاع قيمة الليرة السورية والمناخ الأمني والسياسي والدبلوماسي الداخلي والخارجي. إذ إن الظروف اليوم مختلفة عن تلك التي سببت ارتفاعاً للدولار في السابق».
كذلك شرح فضلية أحد الاسباب، وهي العائدة لتدخل مؤسسات الدولة الإيجابي، خصوصاً في مجال التجارة الخارجية والداخلية، مما وفر السلع والخدمات. كما صَحَت الجهات الحكومية على أهمية الأنشطة الإنتاجية لزيادة العرض السلعي وللتخفيف من الطلب على الدولار. وكان لتدخل الجهات الرقابية العليا وليس المركزي وحده التي ضبطت السوق ولجمت المضاربات في السوق السوداء، دور في الانخفاضات الأخيرة.
ويتابع فضلية في عرض الأسباب مشيراً ايضا الى «الحملة الإعلامية المركزة لتطمين المواطن الى توفر السلع التي انخفض سعرها قليلاً»، لافتاً الى أن «ضعف القدرة الشرائية للمواطن كان له دور أيضاً فالطلب اليوم أقل وبالتالي الاستيراد والطلب على الدولار أقل».
وبالنسبة لعمليات شراء الدولار واكتنازه، رأى فضلية أن «هذا الطلب شبه معدوم حالياً لأن من أراد ذلك فعلها في البداية، وحتى من كان يسعى لتبييض الأموال أو تهريبها فعلها مسبقاً أيضا». وأوضح ان «خوف الناس من استمرار الانخفاض دفعهم للتهافت على البيع كحالهم حينما تهافتوا على الشراء».
وعن توقع ارتفاعات جديدة، رأى فضلية أن الارتفاعات التي تعد قفزات «لن تحدث في الوقت القريب إلا إذا وقعت هزات اقتصادية وسياسية وأمنية، وهو أمر غير متوقع وعدا ذلك فستكون ارتفاعات بسيطة».
———————————
المصرف المركزي
أعلن "مصرف سورية المركزي" عن جلسة تدخل جديدة لبيع شريحة قطع أجنبي اليوم إلى المصارف ومؤسسات الصرافة المرخصة.
وكان سعر الدولار وصل يوم الثلاثاء إلى 125 ليرة منخفضا بمعدل 25 ليرة خلال يومين الماضيين بعدما كان عند 15 ليرة، لكنه عاد اليوم ليرتفع وحقق 145 مبيع و140 شراء.
ويسمح في جلسات التدخل السابقة للشركات ببيع المواطنين 10 آلاف دولار أميركي في العام، على ألا تزيد عن ألف دولار في الشهر، لكن المركزي شدد الشروط في الفترة الأخيرة بحيث طلب من شركات الصرافة أن تطلب من المشترين فاتورة للكهرباء أو الماء أو الهاتف وكذلك سند إقامة.
يشار إلى أن سعر دولار السوق السوداء كان وصل حزيران الماضي إلى أكثر من 300 ليرة بعد أن كان مستقراً عند 46 ليرة قبيل الأزمة السورية.