
العالم النفسي الشهير سيغموند فرويد تحدث و كتب كثيرا عن “ثاناتوس” ، يرى فرويد أن غريزة الموت تدفع الإنسان إلى تدمير الذات ، بل بالإمكان أن تدفعه لقتال الآخرين و استخدام العنف ، ثاناتوس يدمر نفسه و يدمر الآخرين ، المثير أن هذه الجفوة و الكراهية و العنف التي يمارسها ثاناتوس ضد الأخر لا تجعله يشعر بتأنيب الضمير ، بالعكس ، فهو يتلذذ الكراهية باعتبارها تحفظ له بقاءه في الحياة ، و يتلذذ ممارسة العنف و القتل لأنه يرى في دمار الآخر فرصة له في البقاء على قيد الحياة ، إذن ، ما نقله فرويد ليس حالة مخاض فكرية خيالية، بل هي واقع نعيشه و ندفع ثمنه اليوم على كامل مساحة الوطن العربي .
ما الذي دفع بثاناتوس لتدمير سوريا ؟ …هناك أسباب عديدة ، ما سمي بالربيع العربي كان هدفه سوريا في نهاية الأمر ، من دفع رياح الربيع العربي كان يريد أن يجعل منها كرة ثلج متدحرجة لان الأسباب و الدوافع التي أخرجت الناس في تونس هي نفسها في كل البلدان العربية بدون استثناء ، بحيث أنه بتوفر السبب و الدافع يصنع الحدث فتكون الرغبة الشعبية في التغيير و الاقتداء ” بالمثال التونسي ” أمرا بديهيا للناس و المتابعين ، لذلك كان متوقعا أن ينتفض الشعب السوري ضد النظام ، لكن المشكلة لم تكن في الانتفاضة و المطالبة فهي حق مكتسب و مشروع ، بل المشكلة أنه لا أحد تفطن أو تساءل ماذا بعد ؟ لا أحد أنتظر ماذا سيحصل بعد “الثورة” التونسية من ارتدادات و إرهاصات ، لا أحد انتظر مآل هذه الثورة أو بحث في حيثياتها و خلفياتها و توقع فشلها ، لان ما حصل في تونس هو ما يحصل للجمهور الرياضي الذي تفاعل مع هدف لكن الحكم سرعان ما أعلن التسلل .
على الجانب الآخر ، كان ثاناتوس متخوفا من رياح التغيير و من الموت و الفناء ، ثاناتوس أو نظام الخليج أو آلهة الموت السلفية الوهابية الإرهابية ، سمهم ما شئت ، شعروا بقرب موجات المد و الجزر الشعبية ، و أنه لا عاصم اليوم لهم من هذه الرياح المطالبة بالتغيير ، فمصر التي كان الجميع يظنها عصية على السقوط سقطت ، فمن سيحمى إذن عروش الخليج الآيلة للسقوط أصلا ؟ ، و الغرب الذي ترك حسنى مبارك مع ما فعل مبارك خدمة للصهيونية و المشاريع الغربية لن بهمه من يسقط تاليا من هذه الأنظمة التي لا تملك أسباب الوجود أصلا ، بل من المهم لهذا الغرب أن يستفيد من ” رغبة ” التغيير الشعبية و حالة الهستيريا الثورية لدفع هذه الأمواج البشرية لإسقاط أنظمتها و الدخول لاحقا في صراع الفتنة الطائفية و المذهبية و كل ما “تنتجه” الثورات من إرهاصات ، كل هذا و أكثر كان يدور في عقل حكام الخليج فأين الحل ؟.
بطبيعة الحال ، ثاناتوس الخليجي كان مستعدا للتضحية بكل شيء مقابل بقاء العرش ، و كان عالما أنه يواجه أكثر اللحظات حرجا ، لذلك كان لا بد من قربان و من ضحية تثير شهية الطامع الأمريكي و العدو الصهيوني ، و ما يحصل في سوريا من مظاهرات و مناكفات بين النظام وبعض “المعارضين” في الداخل و الخارج كان هدفا يمكن اللعب عليه و تحويله بقدرة منظومة الكذب الإعلامية القطرية السعودية ، إضافة إلى إمكانية تسخير الجامعة العربية لتقديم “وعد بلفور” عفوا وعد عمرو موسى كغطاء سياسي يسمح بمحو سوريا عسكريا بمجرد قرار “دولي” من مجلس الأمن تحت الفصل السابع ، قلت تحويل هذا ” الغطاء” الشعبي السوري مع ” الغطاء” العربي إلى فرصة تاريخية لإسقاط النظام و هدم معبد المقاومة ، بقليل من الذاكرة ، تلاحظون أن هذا ما حصل فعلا في البداية .
ثاناتوس يحب رائحة الموت و الدم و النار ، لذلك أستقدم نظام الخليج كل قتلة السلفية في العالم ، تماما كما فعل الصليبيون قديما في فلسطين ، فالحرب في سوريا حرب صليبية صهيونية خليجية لا علاقة لها بالدين أو بالمفاهيم الدينية ، هي حرب المنافع الدولية و حرب البقاء و الهيمنة الصهيونية ، و قربان الدم و القتل الذي قدمه الخليج للصهيونية مقابل البقاء لم يكن الأول و لا الأخير طبعا ، لكنه الجائزة الكبرى التي كان ينتظرها العقل الاستعماري الغربي منذ سقوط النظام العراقي السابق ، مع ذلك لم تسقط سوريا لان نزعة الحياة لدى ايروس أو الشام كانت أقوى من نزعة التدمير و الموت و الفناء ، كانت حالة غير مسبوقة في التاريخ تمثل تضاربا قدريا بين ايروس ملكة الحياة و ثاناتونس ملك الموت ، و في سوريا ضربت المفاهيم الميثولوجية ، بحيث كشف الصمود السوري الأسطوري أن الجيش العربي السوري قادر أيضا على صنع الأساطير .
نعم ، لم يفلح أريوس ملاك الظلام القرضاوى و الشيخوخة غيراس سعود الفيصل و لا ثاناتوس القوة الخليجية المظلمة التي تسعى إلى الدمار و القتل و لا حزب الشيطان العدالة و التنمية في مسعى فرض ثورة على الشعب السوري ، لان الخير ينتصر دائما ، لكن من الواضح أن حكام الخليج يعيشون حالة اغتراب و شعور بعدم الانتماء و اضطراب في الهوية تجعلهم يسكبون النار على الزيت في المنطقة العربية ، فسعود الفيصل شيخ الفساد و الإفساد الذي يقف اليوم مدافعا عن الجماعات الإرهابية مناصرا لها بالمال و السلاح ، مطالبا بمواصلة سفك الدم السوري ، لا يدرك أن حالة الانتصاب الفوضوي لهذه الجماعات الإرهابية في سوريا قد أوشكت على النهاية ، أن المؤامرة قد انتهت ، أن الجميع يهربون من الجحيم السوري ، فهل رأيتم أعته من هذا الرجل ؟ .