13 عاماً من الصراع قبل العام 2000 وبعده، لم يسبق أن توافق العالم أجمع على رئيس دولة جديد، كما توافقوا على الشاب ابن الـ 34 عاماً فقط، فلماذا؟
أعداء سوريا اعتقدوا أنّ الشاب سيسهل التعامل معه، وهو صغير السن، الذي درس الطب، وتابع دراسته في انكلترا، فأين له بدهاء السياسة، والأعمال العسكرية! وهو ابن جاه وعز، وعلى هذا اتفقوا، وغمزوا بعضهم بعضاً: إن الشاب في أيدينا، وسنسيره كما نريد، بالتأكيد سيطمح لعلاقات مع الغرب..
أصدقاء سوريا لا بدّ وأنهم كانوا على اطلاع بمنهجية الشاب، الذي لازم والده اعبتاراً من العام 1994 عام رحيل الفارس باسل الأسد رحمه الله، فرحبوا به أيضاً.
لم يمضي أكثر من ثلاثة أعوام حتى اكتشف وتأكد أعداء سوريا، أنّ الشاب، “مو مصلي ع النبي” وأنه قرر المواجهة، واستنتجوا على ما يبدو أن سوريا بقيادة هذا الشاب ستسير بنحو متسارع جداً عن عهد أبيه الراحل حافظ الأسد، رحمه الله..
بطبيعة الحال، لا بد من استدراك الأخطاء، فكان خطأ مبايعته من قبل الدول الثلاث الرئيسية: أمريكا، وفرنسا، وانكلترا يجب أن يُصحح.. وقرروا العمل الجاد، والحازم، في سبيل اقصاء هذا الرئيس العنيد، فكان العام 2005 أول ضربات النظام العالمي المضاد، بقتل الرئيس الراحل رفيق الحريري، رحمه الله.. تلاها معركة الـ 33 يوم مع حزب الله، تلك الحرب التي أظهرت فعلياً أن الأسد قرر المواجهة، وبين قتل هذا والمعركة مع ذاك، اختصم الرئيس الأسد مع كل من حكام مصر والسعودية، اللتان بطبيعة الحال ليس لهم قرار مستقل، وهذا لم يسبق عملياً أن حدث في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، رحمه الله.. واختصم مع حكومات كل من فرنسا، وانكلترا، وطفت الخلافات إلى السطح، بشكل فاضح، وتعامل الأسد مع كل رؤوساء الدول الند للند دون إظهار أن تهاون أو تخاذل في العلاقات السيادية للدول.
العام 2006 لم تكسر شوكة حزب الله، بل قويت..
بعد ذاك:
جاء إلى إيران رئيس دولة قادر اسمه أحمدي نجاد، وإلى روسيا رئيس محنك، قوي، طامع، طامح، اسمه فلاديمير بوتين، الذي تعاون مع ديمتري مدفيديف، الذين سيطرا بشكل فعلي على العمل الدولي بطريقة ذكية جداً، وطفى إلى السطح التنين الصيني، صاحب السطوة الاقتصادية الهائلة..
فكان تكامل سياسي اقتصادي عسكري يمتد على مساحة جغرافية واسعة جداً، بكوادر بشرية هائلة أيضاً.. سمح بعودة الحرب الباردة من جديد.. بعد أن بدأت كفتي الميزان للقطبين المعسكر الغربي والشرقي بالتعادل..
العام 2007 بدأ المعسكر الغربي التحضير لمعركة ما يسمى الربيع العربي لاحكام السيطرة نهائياً على دول البحر الأبيض المتوسط، إنّ هذا الإحكام سيعيد روسيا أعواماً طويلة إلى الوراء، ويكسر شوكتها، ويجعلها تلغي التفكير نهائياً بعودة القيصرية، التي بالتالي ستنهي حلم المادر الصيني، ومن ثم عودة سيطرة القطب الواحد، وهو القطب الغربي.
ماذا فعلت الأقطاب المتناحرة:
بدأ القطب الغربي فعلياً بالمعركة، واعتقد أنّ إيران مكسر العصا، التي سترجع جميع من في المعسكر الشرقي عن أحلامه، وبدأ الأحداث في إيران عند إعلان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فبدأت أحداث الشغب تماماً وبنفس الكيفية التي حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا..
لم تستمر الأحداث طويلاً، وباءت الخطة بفشل ذريع، وانتصار للقوى الموالية للحرس الثوري الإيراني، وأثبت عجز الغرب في التدخل المباشر أو غير المباشر في إيران التي تنهج النهج العقائدي.
بعد عام أي في 2010 بدأ الربيع العربي، للملاحظة: أن التسمية أمريكية بحتة، أول من أطلقها هو الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.
كانت بداية الأحداث غوائية وغامضة، ولم نفهم كثيراً ما الذي يحدث هنا أو هناك، إلا أننا شاهدنا سقوط دول وحكومات، وسقوط شعوب، وقتل ودمار..
الغرب بدأ بالنجاح المدوي، وبدأ بإحكام سيطرته على المتوسط من خلال حلفائه الثلاثة، تركيا، والسعودية وقطر.. وبدأ التحضير عملياً لبدء العمليات في غرب المتوسط، بعد أن أنهى معركة جنوب المتوسط بمعركة سريعة جداً، لم تكلفه الكثير، ولم تترك العالم في تخبط، في نجاح وانتصار باهر.. والحكومات التي جاءت كانت تحت سيطرة هذه الدول مباشرة، وقراراتها نابعة من قرارات هذه الدول الثلاث، التي بدورها تتلقى التعليمات من مخابرات الدول التالية: أمريكا، وفرنسا، وانكلترا.
ماذا كان يفعل المعسكر الشرقي وبماذا يفكر:
الاستعداد بدأ بنفس اللحظة التي بدأت بها الأحداث في إيران، أي قبل الربيع العربي بعام تقريباً، كانت ليبيا بالنسبة لهم معركة خاسرة، لا يمكنهم الدخول فيها، وإنّ خسارة هذه الحرب الليبية لو دخلوها كانت ستقضي على خطوط الدفاعات الخلفية، والتي بنظر الطرفين هي الرئيسية، وخطوط الدفاع الخلفية هم سوريا وحزب الله، فوقفت روسيا على الحياد تقريباً من قضية ليبيا، وقفت إيران موقف المتفرج، صمتت الصين صمتاً تاماً، وعارضت سوريا معارضة غير مؤثرة، وسط اجماع عربي ودولي، لا يمكن الوقوف بوجه، وترك المبنر لحزب الله ليدلي بإشارات فقط.
في العام 2010 سئل الرئيس الشاب بشار الأسد من قبل أحدى الصحف الأجنبية: هل تتوقع أن تقوم ثورة ضد حكمك، كان الجواب: لا اعتقد.
انتهى الجواب عند هذا الحد، فهل رئيس كالرئيس السوري، ومن يسانده كان جوابهم للإعلام كما جوابهم لأنفسهم؟!
كيف فكر القطبين:
الغربي:
في استطلاع للرأي: سنكتشف دون مواربة أن 90% أو أكثر من الشعب السوري لم يكن يريد هذه الحكومة الحالية التي تحكم البلاد، لتفشي الفساد الإداري والرشاوي، وتحكم شخصيات بعينيها بحال البلاد والعباد.
إن غالبية الشعب هو من الطائفية السنية.
إن الشعب لا يعرف أن الحكومات التي تتوالى على استلام زمام البلاد والعباد هي صيغة مشتركة من كل الطوائف، ومن كل البلاد، ولكنه “الشعب” يعرف أمراً واحد فقط: أن الرئيس الحالي للبلاد هو من الطائفة العلوية، أي من الأقلية، وباعتقادهم أنه ليس من حقه هذا المنصب، وحتى هذه اللحظة، وبعد مرور أكثر من عامين على الأزمة يقولون الرئيس بشار من الطائفة العلوية، ولا يدركون أو يتعامون حتى هذه اللحظة أن قائد العمليات السابق هو السيد العماد داوود راجحة رحمه الله، هو من الطائفة المسيحية، وأن قائد العمليات اليوم هو السيد العماد فهد جاسم الفريج، حفظه الله، وهو من الطائفة السنية، ويصنف السيد العماد فهد جاسم الفريج في اللائحة التي تضم أخطر وأحنك العكسريين في الشرق الأوسط، وهذا تقرير صادر عن معهد مشهور للاستراتجيات العسكرية في أوروبا.
حالة الجيش العربي السوري ستكون بحالة تفكك مجرد أن قرر أهالي هؤلاء الجنود تغيير الحكومة والرئيس.. وبهذه الحالة فإن الجيش سيتفكك من تلقاء نفسه.
إذاً: كم يحتاج هذا النظام، وبالتالي رحيل الأسد الممانع، وإحلال حكومة تابعة خانعة لإرادة الغرب؟
الجواب بحسب الاستخبارات في المعسكر الغربي: شهرين فقط، ريثما ينشق أو يهرب أو تتخلى الفئة العظمى عن مناصبها، ومواقعها.
وكيف فكر وتصرف المعسكر الشرقي وعلى وجه الخصوص سوريا:
مثلما كانت هناك دراسات جيواستراتيجية ولوجستية، وعلمية، وعملية، وعسكرية دقيقة جداً من قبل الغرب لواقع الحال في سوريا، كانت هناك دراسات دقيقة جداً أيضاً من قبل خبراء ومحللين استراتيجيين وعسكريين، وخرجوا بنتائج دقيقة جداً، كما خرج الغرب بنتائج، وكل من وجهة نظره، الغرب أراد انشقاق العسكريين والمدنيين، والمسؤوليين، بعين إعلامية ضخمة، وعملية جندت لها الكثير من المال، والإعلام، والقادة السياسيين، والعسكريين، وموارد بشرية أخرى كثيرة جداً، وسوريا قررت أيضاً: من يريد أن ينشق لينشق.. بالتأكيد أنهم حصروا الأعداد والأسماء والأشخاص التي ستخرج على الدولة، وأيضاً احتسبوا من دول الجوار، والبحر، وماذا يمكن أن يحدث من على تلك الحدود.. وبدأ الرهان.. الجميع راهن على خطوات بعينيها، والنتيجة أحد المشروعين سيموت لا محالة، ثمّ بدأت المعركة، معركة السيطرة على أهم ساحل في العالم، ساحل الأبيض المتوسط، وبدأت المعركة للسيطرة على أهم جزء من هذا الساحل، هو الجزء التي تحده كل من اسرائيل ولبنان، وسوريا وصولاً إلى تركيا، من الشهر السابع من العام 2011 وحتى هذا التاريخ، كانت هناك لحظتين فارقتين: الللقاء الأخير للرئيس الأسد مع قناة محلية، وبعدها بدأت العمليات العسكرية باستراتيجيتها الجديدة، التي كانت فيصلاً مهما في كسر شوكة الإرهاب ومن يموله، والإرهاب هنا هو ذراع المعسكر الغربي في الحرب الطاحنة في سوريا، وبدا جليّاً بعد أسابيع ثلاثة ميول دفة الجيش العربي السوري للانتصار بشكل لا يقبل شك، وأن استمرار العمليات سيفضي بنهاية الأمر، وهي قريبة جداً إلى انتصار ساحق، وسط ذهول وتراجع، واستسلام من حمل سلاح، تحت وطأة الضغط القوي جداً من الجيش العربي السوري، واللحظة المفصلية الثانية: هو خطاب السيد حسن نصر الله الأخير، الذي كان معقداً تعقيداً بالغاً، والذي كان واضحاً فيه، إن كلمة السيد حسن نصر الله لم تكن أبداً موجهة إلى عامة الشعب، وإنما كانت رسالة خاصة جداً، جاءت بعد اجتماع السيد بالخامنئي، في إيران، فلماذا كانت الرسالة عن طريق السيد حسن: لأن الحزب هو الأقرب إلى خطوط التماس الاسرائيلي والسوري وأنه بقلب لبنان، ولأنه “السيد حسن نصر الله” إذا ما وعد وفى، ولأنّ كلامه يؤخذ على محل لا يقبل المساومة، لأن الحليف الروسي يدعوا دائماً إلى الحوار، والحليف الإيراني لديه المشكلة النووية، وأما الحليف الباقي وهو حزب الله، فهو الطرف الوحيد الذي لا حوار معه ولا مساومات، فجاءت الرسالة منه بالتحديد..
لماذا كانت العجلة في الكلمة وتقديمها عن موعدها المتوقع؟
إن انتصارات الجيش لم يكن متوقع لها هذه السرعة في الانجاز، والتقدم، ناهيك عن فهم الأطراف كل للآخر بشكل دقيق، اعتقدَ المعسكر الشرقي أن كل من أمريكا وفرنسا وانكلترا لن تسمح بهذا الانتصار، وأن التدخل لا بد وأن يحدث تحاشياً لمخاطر لا يمكن احتمالها في حال انتصر الجيش، لأن هذا سيعيد البلاد إلى اليد الأمنية، والقبضة الحديدية، التي ستتيح لهذا المعسكر العمل الحر في التسليح، والتموضع، والتجهيز، والتطوير العسكري، والاقتصادي والسياسي، ناهيك عن استفراد القرار السوري بكل من العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن، عن طريق الفعاليات المختلفة، وتهتك الحالة السعودية الصامدة حتى الآن خصوصاً بالمنطقة الشرقية، وعدم القدرة على السيطرة على أحداث البحرين التي ستقلب الطاولة رأساً على عقب، ناهيك عن المخططات الأهم وهي النفط والغاز، والممرات البحرية والمائية، والتحكم بشريان الاقتصاد العالمي، وسقوط قطر بدوامة لن يحمد عقباها.. وبقاء حكومة الأسد يعني بقاء العقد القوي للمعسكر الشرقي.. أو ما يسمونه “الهلال الشيعي”.. وانفراط عقد الحكومة السورية ورحيل الأسد سيقوض بدون أدنى شك تلك القوة التي لا يمكن مواجهتها إذا ما اكتمل نصابها، وهذا أمر بات قريباً جداً..
إذاً لا بد من الخيار العسكري، والتعاون الاسرائيلي المستميت مع الجماعات المسلحة والتكفيرية، وسط عجز تركي واضح، وعدم قدرته على التدخل عسكرياً بسورياً لأن هذا سيجعلها عرضة لحرب لا يمكن حتى للحلف الاطلسي مساعدتها فيها، فروسيا وأرمينيا، واليونان وسوريا وتركيا والعراق كلها تحد الدولة العثمانية، والجميع يكره هذه الدولة.
فكانت الغارة العسكرية الضخمة على جمرايا، في ريف دمشق، لتهز دمشق كلها، وسط تحشد للجماعات المسلحة لدخول العاصمة وسط بلبلة، وتخبط الجيش والساسة، والمقرات الأمنية التي تحتاج بأدناه ثلاث ساعات لاستدراك ما حدث، وما يحدث، وما سيحدث.. فكانت محاولة، يبدو أنها تكللت بالفشل والفشل الذريع..
ماذا حدث في عام ونصف: هجوم مستمر من قبل المعسكر الغربي على سوريا، وسط هجمات مرتدة فقط لسوريا وحلفائها، بعد امتصاص كل الانشقاقات، والتهويلات، والخراب والدمار، والعمل الإعلامي المضاد الضخم، بدأ العمل العكسي، وهو الذي لم يكن يحسب له المعسكر الغربي الحساب، لأنه لم يكن يعتقد أن الحكومة في سوريا ستصمد إلى الوقت الذي ستبادر به، العمل العكسي، فتجلى في بدء الهجوم من قبل الحكومة والجيش والشعب في سوريا على الإرهاب في الداخل السوري، فما كان من المعسكر الغربي إلا محاولة الرد بهجمات مرتدة سريعة ربما تنقذ اللحظات الأخيرة من هذه المعركة..
إنّ الرد العسكري المباشر على الغارة الاسرائيلية سيعطي فرصة الرد العكسي.. وهذا ما لن يحدث، لأن القيادة في سوريا احتاجت عامان وشهر حتى تتملك الميدان، بعد أن تركت كل من يريد الفرار أن يفر، وصارت القوة على الأرض قوة صافية، فلن تعطي أبداً الفرصة بهذا الوقت القصير لاستعادة زمام المبادرة وعكس الحالة.. الصمت السياسي سيكون المتوقع، والإعلام السوري سيكون حائراً، لا يعرف ما يتصرف تجاه شعبه الذي انتفض مطالباً بالرد العسكري، ومحي اسرائيل، والجيش على الأرض سيبقى ملتزماً بالخطة، وبالهجوم المطبق، حتى أننا نشاهد بهذه الأيام أنه ما من هجمات مرتدة أبداً، إلا من الأعضاء الرئيسيين بالمعركة، وعلى رأسهم اسرائيل.. وما هي إلا نفض بدن قبل موت..
ليهدأ الجميع.. ليكن الكلام لسيد الكلام الجيش العربي السوري..
سوريا ستنتصر