اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
السيد فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية
وجدت من الضرورة أن أخاطبك كوني مواطن سوري أولا وعربي مسيحي عاش في فرنسا لسنوات عديدة متابعا فيها دراسته العليا. وأسمح لنفسي من خلال عشقي لوطني وغيرتي على كل ذرة تراب فيه وخوفي على شعبه بكل أطيافه وحزني الشديد على كل ضحية سقطت وعلى كل مؤسسة دمرت وعلى كل جامع وكنيسة انتهكا….. أسمح لنفسي أن أسألك بضع أسئلة ناتجة كرد فعل طبيعي على آرائك ومقترحاتك وتصاريحك وأعمالك تجاه وطني مذ تسلمك الرئاسة وردا على الدعوات الأخيرة لبعض مسئولي حكومتك لمسيحي الشرق عامة وسورية خاصة أحفاد من نشروا المسيحية في العالم, بأنه ليس أمامهم سوى الهجرة إلى الغرب. وبالمقابل لا يهمني تشابك استراتيجيات المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتضاربة التي بتفاعلاتها وصلت كما غيرك إلى سدة الرئاسة كونك لم تربطها لا تصريحا ولا تلميحا في اندفاعاتك السلبية الغير مفسرة أو مبررة حول سورية.
أسألك :
– ماذا كانت تمثل لك سورية قبل أن تبدأ الخطوات الأولى للوصول إلى موقعك الحالي. ماذا كنت تعرف عنها كإنسان سياسي عندما بدأت تسعى لتبؤ موقع الرئاسة في دولة لها قرار النقض النهائي في مجلس الأمن.
– هل قرأت ما يكفي عن تاريخ سورية, سورية الأبجدية الأولى والنوتة الموسيقية الأولى وشجرة الزيتون الأولى وحقل القمح ورغيفه الأول… هل سألت عن طبيعة الشعب السوري الذي يعتز بأرضه وتاريخه… القائمة في هذا الجانب طويلة وطويلة جدا. حتما, ستبهرك سورية بتاريخها المستمر في حاضرها الذي صنعه شعبها….. حتما لست الأول ولا الأخير في ذلك.
– هل بحثت عن مستوى مصداقية المعلومات ومنطقية التحاليل والاقتراحات التي وضعت أمامك عن سورية لتحدد مواقفك حتى غدوت الأكثر تطرفا لتقف على المنابر وتملي “آراء جافة وقطعية” على مجمل مكونات الكيان السوري, وانتم الفرنسيون المشهود لكم بلطف وأدب الكلام…. عجبا!!! ألم ينقل لك أحد مستشاريك أن سورية دولة استطاعت الجمع بين العلمانية في حياة المجتمع والإيمان في القلب والمعتقد…. عجبا مرة أخرى!!!
– في كل تصريح أو توجيه أو عمل قمت به بخصوص سورية كم كان معيار الديمقراطية فيه. بمعنى – وأنت تمثل كما أعرف أعرق الديمقراطيات – ما هو الهامش الذي تركته آراؤك ودعواتك من ديمقراطية موعودة وحق في ممارسة الديمقراطية للشعب السوري. لا أفهم كيف سمحت الديمقراطية لك ولمن قبلك أن تكرر لمرات لا تحصى طلب تنحي فخامة رئيس بلدنا قبل أن نوافق على منحك شرف الجنسية العربية السورية وقبل أن يمضي على منحك هذا الشرف /5/ سنوات ليخضع هذا الطلب الغير ديمقراطي للدراسة القانونية.
– هل سمحت لك الديمقراطية أن تطلب تسليح الخارجين عن القانون والمرتزقة إذا لم يكن التسليح يتم فعلا. وأخيرا وليس آخرا إذا كانت الديمقراطية تفرض بأن تصدق مع نفسك في بحث شؤون شعب بلدك, فكيف يسمح هذا الإيمان بالديمقراطية بأن تخفي عنه حقيقة الوضع في سورية.
– هل بحثت عن سبب صمود سورية بكل مكوناتها منذ ما يقرب السنتين وأنت العليم – كما يفترض- بما خطط ويخطط لها. ألم يقنعك هذا الصمود بأن كرامة الإنسان السوري وتعلقه بهويته وترابه فوق كل اعتبار.
قائمة أسئلتي أطول مما تعتقد وهي بالمناسبة أسئلة ملايين السوريين بمختلف أطيافهم. ولكن أود أن أضع أمامك ما يفكر به ويتداوله ملايين السوريين, ولا يجدون مقابلا مقنعا من مواقف مسئولين غربيين يمارسون الديمقراطية في بلادهم وتتقدمهم حضرتك في تطرف المواقف المعادية وفي الوقت ذاته ممثلا لبلد لم يحقق حتى الآن شعاره بالحرية والعدالة والمساواة.
الشعب السوري لم يتعرف على مسيحيته من خلال الفاتيكان بل عرفت الفاتيكان المسيحية من رحم ارث الانسان السوري وكيانه التاريخي والثقافي, وعندما آمن بالإسلام غدا أصدق الشعوب المسلمة في ممارسة الإسلام المسالم الصحيح المبني على احترام أهل الكتاب. وأسأل لماذا هذه الدعوات لتهجير مسيحي وطني كي يغلف إسلامه بالرايات السوداء.
– أذكرك بأن أرض الشعب السوري فيها جزء محتل اسمه الجولان. عجبا !!! لماذا لم تتضمن تصاريحكم التي لا تعد ولا تحصى عن سورية أي ذكر عن هذا الموضوع إذا كنتم فعلا تريدون لسورية مستقبلا مستقرا ومشرقا وحضاريا متطورا. ان سورية منذ وجودها تشخص عيونها نحو المستقبل فهي مشرقة منذ فجر التاريخ وحضارتها عمرها أكثر من /10/ آلاف عام ومتطورة بحيث لم يكن ينقصنا من ما لديكم قبل تدخلاتكم وما نتج عنها من تخريب وتدمير سوى “المترو” الذي حتما سيؤخر إنشاؤه أعمال التخريب والتدمير التي تقوم بها العصابات المسلحة التي تدعمونها.
– متى كنتم مسيحيون مؤمنون إلى درجة الغيرة على مسيحي الشرق وأنا لا يغيب عن ذهني تغييب الدين عن مجتمعكم باسم العلمانية والوضع المهمل للكنائس والأديرة في بلدكم مقارنة بدور عبادة الديانات الأخرى.
– السوريون لم يكونوا يوما أبناء حاجة وعوز تبهرهم المغريات حتى يعتبرون أن دعوتهم للهجرة إلى الغرب قضية حلم يريدون أن يتحقق. السوريون لديهم من الوعي والمعرفة عن شعوب العالم أكثر مما تتصور. على سبيل المثال : لست أدري ماذا ستقدمون للأكاديمي المسيحي السوري من عمل لديكم أكثر من كاتب أو أمين مكتبة وأنتم لم تقدموا عملا يليق بمثيله من مواطنيكم الذين ولدوا في مستعمراتكم بأفريقيا والمغرب العربي حين عادوا إلى فرنسا بعد تحرر الدول التي استعمرتموها, حتى أنكم أطلقتم على مجملهم تسمية عنصرية : “بأصحاب الأقدام السوداء.
– تحدثت كثيرا عن مسيحي سورية وأراك مؤخرا تتحدث عن الأقليات في سورية. أريدك أن تعلم أن الروح السورية تلغي كل شعور بالأقلية. والمثال الواضح أمامك – وأؤمن بأنه سيبهرك كل يوم – هو الجيش السوري.
– لست أدري – بعد أن أرسلت جيشك إلى مالي ( وهو بلد آخر) لمحاربة الارهابين – لماذا لا تعترف أننا نحارب أمثالهم في بلادنا. إنها ازدواجية في التعامل يسأل عنها كل السوريون.
أخيرا وليس آخرا ما هو الأذى الذي صنعته لكم سوريا حتى تثابرون على أذيتها. إذا كانت المصالح الغير معلنة التي صنعتكم تدفعكم لذلك فنحن كرئيسنا لسنا صنيعة أحد وثرواتنا التي فوق الأرض وتحت الأرض يحميها صليب يغلق بابها من أطرافه الأربعة وهلال يدور حوله ويحميه من كل جانب.
السيد فرانسوا هولاند
إننا السوريون المسلمون والمسيحيون لن نترك سورية, ولدنا سوريين وسنظل نعيش على الأرض السورية وسيختلط رفاتنا بالتراب السوري.
دكتور سمير نصير – أستاذ جامعي
05/02/2013سورية – اللاذقية –
*- الرسالة تم نشرها باللغتين الفرنسية والانكليزية أيضا.