إليوم الجمعة، نهاية "الترويكا" بتونس.!
وتونس إليوم، بالجمعة المرجوّة والمهديُّ المنتظر.!
(مهدي جمعة) إسمان لشخص واحد بتونس، لا يُعرف عنه إن كان "أفلاطونيا خجولا، أم شهوانيا جسورا، أم إيمانيا صبورا.!" .. إلاّ أنهما (الإسمان) معاَ مهدي وجمعة يلوحان للقارئ والمستمع معاً، بما يوحي بالإتجاه الإيماني قبل العلماني في العاصمة تونس، الإيمانية بالوارثة والعلمانية بالتطبيق.!
الجمعة هو العيد الأسبوعي للمسلمين قاطبةَ في العالمين العربي والإسلامي، حوّلته تونس الخضراء الى واحةٍ حمراء منذ الشرارة الأولى إنطلقت منها بإحراق شاب تونسي نفسه بنفسه.! .. -حولته الى الجمعة الموعودة بالربيع العربي- جمعة الشعارات الغاضبة بالخطب النارية، جمعة حمم النيران، وجمعة حميم الغضب.!
والمهديُّ أمل بعض المسلمين يرونه قريباً بالموعود المنتظر، لكن ما لمع بتونس أخيرا بالإسم دون الشكل، إن كان له شكلاً بالفعل، نكتفي عنه هنا بإهابة سريعة على المهدي التونسي، لا السني لا الشيعي، لا السلفي المتشدد ولا العلماني المتحرر، لا الإسلامي والمسيحي، ولا حتى الديني ولاديني .. إذ لا علاقة لنا بهذا المهدي التونسي إن كان يصلّي الجُمَع ويستمع لخطبها بركوع الخاضعين.! .. أم انه لايرى للركوع والسجود لزمةَ الاّ في حدود شحنة العدسات وتغذية صفحات الجرائد لإرضاء شريحة من المجتمع التونسي الذي لازال يكنّ للقادة المتديّنيين إحترام بابا الفاتيكان وشيخ الصولجان.!
يقال عن مهدي جمعة أنه رجل الصناعات، ورجل الإنتاجي الميداني دون الخطب النارية على المنصّات، رجل قليل التدخل في الشؤون الخارجة عن إختصاصه .. وهذا ما تريدها دول الربيع العربي، ان لاترجع لدولة الرجل الواحد القائد الفرد الصمد .. المهندس مهدي جمعة لا علاقة له بالمهدية العقائدية ولا التوارثية كما يوحي الإسم، لانه المولود في (المهدية) بتونس ومنذ توليه منصب وزير الصناعة بصفة رسمية يوم 13 مارس 2013، لم يُسمع صوته في الإذاعات ولم تُرى صورته في الشاشات ولم يُسمع إسمه حتى في عهد زين العابدين بن علي، ولم تُروج له أنشطة سياسية حتى بعد ما أطاحت به الإنتفاضة الشعبية في يناير 2011، وحتى وبعد تعيينه وزيرا للصناعة لم نسمع لمهدي تونس تصريحات سياسية دعائية خارج مجال تخصصه الإقتصادي الصناعي وما يدور في فلكهما من جلب الإستثمارات للداخل لإعادة هيكلة الهرم الاقتصادي التونسي الذي أدت البطالة المتفشية فيها إلى إشعال الكبريت الأول إلى بركان الربيع العربي.
بوركتم ياشعب تونس بمهديكم الذي انتقل من كرسي وزارة الصناعة الى قصر الرئاسة بتفوق 9 اصوات مقابل صوتين، هذا التفوق الملموس يدلّ على التوجه الإقتصادي التونسي نحو التنمية الصناعية، إذ بالصناعات ازدرهرت شعوب ودول كانت تعرف يوما من أفقر فقراء الكون في قارة آسيا، والموار الطبيعية في دول شمال أفريقيا وبالخصوص تونس الخضراء الغنية بالماء والزرع والثروة السمكية والمعادن، جنبها اليد العاملة المهرة بثقافات أوروبية، قد تدفع عجلتها نحو الدول الصناعية الكبرى بإغراق شمال أفريقيا وغربها بما (صنع في تونس)
شاءت الأقدار اني إقتحمت الحدود التونسية في ربيع عمري ثلاث مرات، كنت بأواخر العشرينيات ودخلت تونس الخضراء جوا عبر مطار قرطاج الدولي، ثم دخلتها برّا عبر حدودها البرية مع ليبيا (رأس الجدير)، ثم بحرا عبر جزيرة جربة، واكثر ما أسرتني ولازلت اسيرا لها هى مشاهداتي في سوق الصناعات التقليدية الحرفية التونسية، السوق الشعبي المؤدي الى جامع الزيتون، إذ المشاهدات المصنوعة تنطق بمن وراءها من كفاءات تونسية لأياد ناعمة ورقيقة، إذ معظم تلك القطع المصنوعة بإحترافية ودقة توحي بكفاءة المرأة التونسية في الميدان الإنتاجي لاتقل عن الرجل، تماما كالمرأة اليابانية والصينية والكورية والهندية بجوار الرجل السياسي الاقتصادي والعسكري، تحلم وتطمح في الإستزادة من رؤية شعارات ما صنع في بلادي خارج بلادي.!
ويبقى الجانب الأمني يا أهل تونس، فأنه لن تأتيكم به العصى السحرية، ولن يأت به المهدي على جناح طائر بجناحين فوق تونس من الحدود الى الحدود، إنه وكما في مثلنا الشعبي الخليجي (ييد وحدة ما تصفّق) يأتي من اليدين إن صفقتا معا لتراب الوطن، انه يأت بيد الرئيس في يد المرؤوس، بيد القائد في يد الشعب، وبيد الطفل الرضيع المتسمك به الشيخ العجوز وبيد العامل في المصنع إن قبّله وزير الصناعة، وبيد الجندي في الخندق إن قبّلها القائد العام للقوات المسلحة، وبيد الجار الفقير إن تكاتفت الأيدي على سفرة الجار الغني.
تونس الخضراء ستزداد إخضراراً، إذا تلاشت من غاباتها الدودة التي تقطع ولاتشبع، القزّ التونسي الموروث كلما إزدادت ثراءا إزدادت جشعاً، أتذكر مصانع الأسماك التي مررت بها مرور الكرام في ميناء صفاقس، تطلّ على بواخر الصيد بالجرف القاضي على الثروة عن بكرة أبيها، ليزيد فحش الثراء بالدينار والدولار للباشا (زيد) على حساب بؤس وفقر وفاقة المسكين (عبيد).
تونس ستكون بألف خير يا أهل تونس، من جمعة لجمعة بالمهدي ودون المهدي إن وضعا (زيد وعبيد) يدا في اليد من اجلك يا وطن.