( آ )
كجبَلٍ مُنعزِلٍ عشتُ أنا
وحوليَ الصَّحراءُ تبخَلُ بالنَّدى …
لا ظِلَّ يحنو ، والهجيرُ لوافحٌ
فيهِ ، ولا غُصنٌ ، ولا طيرٌ شدا …
وسِياطُ أسئلةٍ تُلحُّ بخاطري
لم تجنِ من إلحاحِها غيرَ الصَّدى … !
( ب )
دَعْني … سأرحل …
ملَّ رُكنُ البيتِ منّي ،
وعَتْبةُ البيتِ بلا روحٍ ، وخاطَتْ شفتيها..
ولم تَعُدْ ” ليلى ” تُكحِّلُ من زمانٍ مُقلتَيها ..
وعريشةُ الدَّارِ التي أحببتُها
كُلُّ العناقيدِ استحالتْ حِصرِماً
لم تحْلُ يوماً في فمي …
تمجُّها الرُّوحُ كطعمِ العلقمِ
وتشتكي جوعاً قديماً
لافترارِ المَبسِمِ
يا لَروحي … !
كم داعَبتْ أحلامَها واستمْطَرتْ
سُحُبَ الوعودِ فما استقى إلّا
وعُوداً حُلُمي … ؟ !
( ج )
كم كانتِ الأيّامُ حُبلى بالأماني …
يحدونا شوقٌ باسطُ الكفّينِ
كي يُزجي التَّهاني
أتُراهُ حَمْلاً كاذباً كانَ وحُلْماً ،
وتهادَينا الأماني ، وأمانينا سَرابْ … ؟ !
جُلُّ مَنْ أحببتُهم لبُّوا النِّداءَ إلى الغِيابْ ..
والحقائبُ ملَّتِ الأسفارَ
يعلوها اكتئابْ …
والمآقي ذابلاتُ الجَفنِ
غشَّاها الضَّبابْ …
أينَ أيّامٌ رجونا نقطفُ الأحلامَ منها ،
ونُمنِّي النَّفسَ معسولَ الشَّرابْ ؟
وربيعٌ ضاحِكُ القَسَماتِ في أبهى الثِّيابْ .. ؟
زحَفَ الصَّقيعُ ؛
وفي الصّقيعِ تموتُ أزهارُ المروجِ ،
وينحني ظهرُ الهِضابْ … !
( د )
جُلُّ مَنْ أهواهُمُ صاروا على دربِ النَّوى …
والقلبُ أضحى مُثخَنَ النّبضاتِ
يقتلُهُ الجوى ..
والذِّكرياتُ تُصارعُ الأمواجَ في بحرِ الهوى …
مَنْذا يُعيدُ أُلفتي ؟
مَنْذا يُبرِّدُ لهفتي ؟
مَنْذا يُسامرُ وحدتي ؟
مَنْذا يُعيرُ صُبابةً من فرحٍ
في كأسِ أيّامي لأُنعِشَ مُهجتي .. ؟
ظمَأٌ في الرُّوح صَوَّحَ كُلَّ أزهارِ حياتي ..
وحنينٌ تكتوي منهُ الضُّلوعُ
لا يُداري عَبَراتي … !
( ه )
مَنْ منكُمُ يسطو على ذاكرتي ،
يبتاعُ منها كُلَّ
أشواقي
وآلامي
وأفراحي القتيلةْ … ؟
مَنْ منكُمُ يروي حنيني ، ويبلُّ الرِّيقَ في وَجْدي ،
ويحقنُ بعضَ ثوراتِ شُجوني … ؟
آهِ من شوقي
ومن عطَشٍ بشوقي … !
كُلُّ ينابيعِ الهوى فاضتْ عليهِ ،
لكنَّهُ ، لم تنتعشْ فيهِ العُروقُ ،
وما روى بَعْدُ غليلَهْ … ! ؟
…………. …………..
خليفة محمد