
أحداث كثيرة حصلت بين تاريخي انعقاد جنيف 2 و 3، فبعد إطلاق رئيس وفد الجمهورية العربية السورية السيد وليد المعلم مقولته القديمة الحديثة والتي وجهها للعالم ، وأشار بها بأصبعه إلى وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري قائلاً : " لا أحد في العالم – والتجربة خير دليل على ما أقول _ لا أحد في العالم- سيد كيري – له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس، أو حكومة ، أو دستور ، أو قانون ، أو أي شيء في سورية إلا السوريون أنفسهم، هذا حقهم وواجبهم الدستوري ،وما سيتم الاتفاق عليه هنا مهما كان سيخضع للاستفتاء الشعبي … "
الحدث الآخر ما جاء في خطابات الدول ( الحريصة على أمن واستقرار سورية) فنصبت السعودية "فخامة الرئيس" أحمد الجربا لرئاسة سورية، وأنشد الأتراك لحن الصداقة للسوريين، و وزعت وسحبت الولايات المتحدة الأمريكية الشرعية على قادة دول. وتبرأت الدول "الصديقة" لسورية من أي دعم للإرهاب والإرهابيين.
أدرك الوفد السوري وقبل دخوله أبواب الجلسة الأولى أنه آت لمفاوضة دول داعمة لطرف يحتاج إلى مساحة أكبر وكراسي أكثر لأتساع داعميه، ولكن لسوء الحظ لم يتسع المكان الذي خصصته الأمم المتحدة لأكثر من /10/ أعضاء، فتدارس السفير الأمريكي "فورد" الأمر مع رؤوسائه فأدخل هذا وترك الأخير على الباب ليقوم بتسليم قصاصات الورق ورسائل SMS للعضو المفاوض ، وكشف عن هذه الرسائل مؤخرا وكانت جميعها تحتوي على كلمة واحدة وهي : لا، ثم لا، لالا.
فكانت نتائج جنيف2:لا، للورقة السورية،لا للسيادة السورية،لا للاتفاق،لا لمكافحة الإرهاب.
لكن ورغم هذا الفشل أعلن وفد الجمهورية العربية السورية انتصاره رغم أن ما سجل لـ جنيف 2 هو إعلانه عن موعد لإنعقاد جنيف 3 في العاشر من الشهر الجاري . فلماذا اعتبرت سورية جنيف2 انتصاراً لها ؟؟
الجواب :لأنه عرض لفكرتين رئيسيتين لا تستطيع دولة في العالم رفضهما وهما:
الأولى : عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول ( مبدأ ساري في القانون الدولي )
الثانية : مكافحة الإرهاب وفقاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية .
وإجرائياً طالب الوفد السوري بضم مزيد من أطياف المعارضة لتشمل معارضة الداخل .
ورغم ذلك رفض المجتمع الدولي المبدأين اللذين كلفا البشرية الملايين من الضحايا لصياغتهما بقوانين وشرائع دعمها المجتمع الدولي بمئات من القرارات والاتفاقيات الدولية، أليس غريباً الآن رفضهما ولماذا ؟
علقت أعمال جنيف 2، لأن المؤتمرين كانوا على موعد مع مؤتمر "ميونخ" للأمن والذي عقد في 2/2/2014 . جلا عناوينه كانت مكافحة الإرهاب .. وكيفية الخروج من المستنقع السوري .. وإيجاد حل سلمي للأزمة، وبحث سبل مكافحة الإرهاب العالمي، مع بدء عودة قوافل الجهاديين إلى أوطانهم وتحسس أوروبا لخطرهم بعد خيبة أملهم في تأسيس دولتهم الإسلامية العتيدة .
أكد مؤتمر" ميونخ" للأمن على تعنت السعودية اللاهثة وراء حماية عرشها الملكي، و المرتعد من التقارب الإيراني – الأمريكي، فلم تجد إلا (عدو عدوك صديقك) فتعانق السعودي والإسرائيلي الساعين لعرقلة هذا التقارب مع توعد الرئيس الأمريكي "أوباما " الكونغرس بالفيتو الرئاسي عند أي مقترح بمعاقبة إيران، وكان باكورة تعاونهما الهجوم الكيميائي على غوطة دمشق ومحاولة توريط "أوباما" في حرب جديدة .
في جنيف 2 الأمر تجاوز سورية، عندما حرف الوفد السوري مسار جنيف نحو مكافحة الإرهاب العالمي ، كيف لا وهي التي اكتوت بناره وتسعى لتجنيب العالم لظاه، وبدأ المجتمع الدولي يدرك حجم الخطر والخطأ، فحكيت خيوط اللعبة الدولية في جنيف، لتغزل خارجه كيف ؟ :
– رفضت الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة إيران في اجتماعات جنيف2، وسحبت الدعوة التي وجهت لها بالمشاركة، للضغط عليها لمزيد من "التنازلات" في ملفها النووي ولإرضاء السعودية .
– لقاء تركي – إيراني، بحثاً عن مخرج مقابل تقديم إيران صكوك اقتصادية كاتفاق عبور الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، على أن تقوم الأخيرة بضبط حدودها مع سورية ووقف دعمها وإمدادها للإرهابيين، فردت تركيا أن من أولويات حكومتها هي مكافحة الآرهاب فأغمضت عين قصفت بها مواقـــــع "داعش" على حدودها وتركت الأخرى مفتوحة بانتظار الجزية .
– مطالبة الاتحاد الأوروبي تركيا باتخاذ مزيدا من الإجراءات على حدودها، تخوفاً من قوافل "الجهاديين" العائدين بعد تجربة فاشلة في سورية.
– انقلاب السحر على الساحر فورقة الضغط "الإنسانية" على سورية بشأن اللاجئين السوريين في أوروبا والعالم أنقلب عبئاً أمنياً واقتصادياً أثقل كاهل حكوماتها .
– استقالة السفير الأمريكي فورد "الغير مرغوب به سورياً" .
– إقالة نائب المبعوث الأممي ناصر القدوة "الغير مرغوب به سورياً" .
– تمسك سورية وروسيا بتوسيع وفد "المعارضة"، والتأكيد على أن الحل بيد الشعب السوري.
– اجتماع وزير الخارجية الروسي مع وفد المعارضة السورية برئاسة أحمد الجربا برسالة مفادها "انزلوا من حصان طروادة " .
– تنسيق أمني سوري – مصري لمكافحة الآرهاب .
– خلافات خليجية (إماراتية – قطرية) حول الشيخ القرضاوي (وقود ثورات الربيع العربي) والمطالبة بإسكاته، وخلاف ( قطري – مصري) على خلفية مطالبة السلطات المصرية تسليمها الفارين من جماعة الأخوان المسلمين في قطر، وطلب إسكات القرضاوي وقناة الجزيرة القطرية المحرضة، فأعلنت قطر عن تعهدها بمنع القرضاوي من أي تصريح أو خطبة في المستقبل .
– إعلان السفارة السعودية في أنقرة على استعداد لاستقبال السعوديين العائدين من "الجهاد" في سورية وتأمين عودة آمنه إلى أراضي المملكة .
– تقهقر "داعش" في الفلوجة والرمادي والصحراء الغربية العراقية.
– تونس تضبط 8000 من مواطنيها كانوا متجهين "للجهاد" في سورية، والقبض على المئات من مديري شبكات التجنيد "للجهاد" .
-الأهم في هذه المعادلة هو ما يجري على الساحة الداخلية في سورية – انتصارات متسارعة وساحقة للجيش العربي السوري في العديد من المدن السورية، والاستعداد لإعلان دمشق وريفها بالكامل مناطق آمنة وخالية من المسلحين، وحلب على سكة دمشق.
-مسلسل التصالح المتسارع في عديد من المدن السورية، وتسليم المسلحين لأسلحتهم، مع ضعف الحاضنة الشعبية السورية الداعمة لـ داعش والجبهة الإسلامية وللنصرة ومحاكمها الشرعية في بعض المناطق السورية بعد المجازر والعقوبات التي تفننت بها المحاكم الشرعية التابعة لهذه الجبهات .
جنيف 3 :
ينعقد جنيف 3 في العاشر من هذا الشهر، بعد أن اكتملت خيوط اللعبة في مؤتمر ميونخ للأمن، واللقاءات المعلنة والسرية استعداداً لـ جنيف 3 وجس نبض كل فريق قبل بدء معركة جنيف 3 التي يتوقع محللون أن تخرج بنتائج ملموسة في هذه الدورة .
كل طرف يحاول تسجيل نقاط يعود بها إلى طاولة المفاوضات وهو قويا، فقد اشتدت حدة المواجهات في سورية مؤخراً مع وصول المساعدات الأمريكية للمعارضة وتأكيد الجربا على حصوله على أسلحة نوعية أمريكية (رفض ذكر مصدرها) .
ويعود الوفد الوطني السوري أقوى بعد انتصاره في الجولة الأولى مكتسباً دعماً شعبياً أكبر وانتصاراً عسكرياً أوسع وتصالح أعمق.
ووفقاً لمصادر مطلعة من داخل المطبخ السوري أفادت أن الوفد السوري مشغولاً حالياً بتأريخ أوراقه السابقة التي عرضها في الجولة الأولى، فمن يظن أن الوفد السوري يحمل جديداً، فهو واهم، فلا تنازل عن المبادئ ولا الثوابت الوطنية، ومقولة رئيس الدبلوماسية السورية وليد المعلم في خطابه الأول في جنيف 2 بأن ((ما سيتم الاتفاق عليه هنا مهما كان سيخضع للاستفتاء الشعبي، فنحن مخولون بنقل ما يريده الشعب لا بتقرير مصيره، ومن يريد أن يستمع لإرادة السوريين فلا ينصب نفسه ناطقاً باسمهم.. هم وحدهم لهم الحق بتقرير قيادتهم وحكومتهم وبرلمانهم ودستورهم، وكل ما عدا ذلك كلام لا محل له من الإعراب))