قصة الكتاب : المقدمة
……………………………
في شتاء 2003 كنت في مكتبة بمدينة لندن مختصة بالتاريخ والأدب والدراسات الاسلامية، لدرجة يسميها اللندنيون (لندنستان )
لاحظت أثناء تجوالي في ردهات المكتبة، خريطة فريدة للعالم، لوّنت فيها البلاد حسب نسبة المسلمين فيها، وكان الأخضر الغامق للدول ذات الأغلبية المسلمة الكبرى وكلما بهت الأخضر دلّ على تناقص نسبة المسلمين في البلد الملون. وكانت الألوان وكأنها تقسم العالم إلى مسلمين من جهة وغير مسلمين من جهة أخرى
وفي إطار الخريطة كان هناك صوراً لأشهر المساجد الإسلامية في العالم مكة- الأقصى- الجامع الأزرق في اسطنبول وكان هناك صورة للمركز الاسلامي في ميونيخ
وهذه أول مرة أسمع فيها عن مسجد في ميونيخ (المركز الإسلامي) يوضع مع المسجد النبوي في مكة. ومسجد الصخرة في القدس. ما قصة هذا المسجد؟؟….. ولأنني كنت أنوي زيارة ميونيخ قررت المرور على هذا المسجد، لأتعرف على أهميته
بعد رحلة طويلة خارج ميونيخ وصلت إلى المسجد، وجدته بناء مهملاً رغم أنه كان على شكل منطاد (تصميم مستقبلي) ووجدت حارس نحيل رث الثياب يحرس الجامع وعندما سألته (لماذا كان هذا الجامع مشهوراً جداً؟؟) لم يهتم، وأجاب (لا أعرف) ولما سألته من أسسه؟؟ لم يجبني.تساءلت ما الذي حصل في هذا المسجد؟؟ وظننت أنني سأحصل على إجابة من بعض أفراد الجالية المسلمة في ميونيخ – والذين هاجروا إليها في ستينيات القرن الماضي- ولكن ما حدث أن الإجابة تفيد أن سر هذا الجامع يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي- وهكذا بدأت رحلة بحث أخذتني إلى ملفات في المحفوظات الأميركية والأوروبية، وتابعت شهادات أناس شاركوا في أحداث هذا الجامع وهم الآن على حافة القبر ووجدت ثلاث مجموعات دعمت الجامع وصولاً لأهداف معينة :
1- مفكرون نازيون يعملون مع المخابرات النازية خططوا لاستخدام الإسلام كسلاح سياسي خلال الحرب العالمية الثانية، ووسّعوا تلك الاستراتيجية لتمتد إلى مرحلة الحرب الباردة
2- أعضاء في المخابرات المركزية أسسوا على ما أنجزه النازيون، وعملوا لاستغلال الإسلام في محاربة الشيوعية
3- مجموعة من المسلمين الأصوليين وجدوا في الجامع موطئ قدم وقاعدة لعملهم وسعيهم لتحقيق ما يؤمنون به الخلافة الإسلامية
وهكذا فإن المجموعات الثلاث التي دعمت الجامع وعملت من خلاله لم يكن هدفها إنشاء مركز للعبادة والتدين، بل هدفت وأنشأت مركزاً للنشاط السياسي والعنفي
وخاضت هذه المجموعات في البداية حرباً نفسية معركتها الأفكار ما لبثت أن تطورت لتصبح معركة جنود وأسلحة – وما بدأ في ميونيخ تطور إلى ما حصل في كثير من البلاد، كإنشاء تنظيم (القاعدة) ومحاربة السوفييت بالمجاهدين الإسلاميين – كما امتدت هذه الحرب إلى العراق – (وفي أحداث ما يسمى بالربيع العربي اُستخدم الإسلام سياسياً وعنفياً لتحقيق أهداف المخابرات الغربية !!!
الإخوان المسلمون هم أكثر المجموعات الإسلامية تنظيماً، واستغلت الجامع لتنشط في الغرب (ولتؤسس مايسمى التنظيم الدولي الذي يدير الجماعة كلها) وهكذا حول الإخوان المسلمون جامع ميونيخ إلى منصة انطلقوا إلى المجتمع الغربي ليشكلوا قوتهم وامتداداتهم الدولية (التنظيم الدولي). كقيادة لعملهم السياسي في العالم كله بهدف تحقيق الخلافة الإسلامية !!!
يغطي هذا الكتاب الكثير من الفجوات في تاريخ العلاقة بين المخابرات النازية ثم الأميركية وبين الإخوان المسلمين- ويكشف عن تاريخ عمل الإخوان وخدمتهم لأجندات خارجية (نازية- ثم أميركية) من أجل التمكن من الوصول لأهدافهم – ولتحقيق هذا الكتاب اضطررت إلى فتح ملفات كثيرة والعودة إلى كتابات عديدة، والأهم أن كثيراً من الشهود الذين أدلوا بشهادتهم لي كانوا يقضون نحبهم وعلى حافة قبرهم. وهكذا فقد اعتمدت وثائق المخابرات والمراكز الإسلامية وشهادات من عاصروا وعملوا وشاركوا في إدارة نشاط الجامع .
والحكاية كلها بدأت من ساحات معارك الحرب العالمية الثانية
الحروب الساخنة
…………………….
في العام 1941 زج الجيش الستاليني بالوحدات العسكرية المؤلفة من جنود جاؤوا من القفقاس وآسيا الوسطى التي ضمها الاتحاد السوفييتي إليه وهي مؤلفة من شعوب مسلمة. ونتيجة هزيمة الجيش الستاليني في كثير من المعارك. استسلم عدد كبير من الجنود السوفييت وكثير منهم هرب. والتئم جمعهم في ميونيخ. مهاجرين ومحتجزين في معسكرات اعتقال الجيش الألماني وعمل على استثمار أبناء الأديان والقوميات المعادية للنظام السوفييتي، وبدأ في معسكرات الاعتقال بحملة تثقيف لدفع هؤلاء الأسرى للانتقال للعمل مع الجيش الألماني والقتال معه ضد السوفييت والجيش السوفييتي، وفي العام 1942 كان هناك حوالي مليون جندي سوفييتي من هؤلاء وقد انتقلوا للعمل في الجيش الألماني كان من بينهم 250 ألف مسلم، وسميت خطة استخدام الأسرى السوفييت هذه بخطة (النمر ب). وزج بهذه الوحدات في المعارك العسكرية، فحققت نتائج مهمة وبعضهم اشترك في معركة ستالينغراد. وثبت للألمان جدوى استخدام المسلمين ضد السوفييت
توسعت خطة (النمر ب) وأنشأ الألمان وحدات عسكرية من المسلمين فقط، وكان هتلر يرتاح للمسلمين، وبارك هتلر شخصياً الاعتماد على المسلمين وهذا ما جعل الألمان ينتبهون إلى قوة الإسلام، حيث جنود داغستان وكازاخ وأمثالها كانوا يعرّفون عن أنفسهم بأنهم مسلمون وهذا جعل الألمان يهتمون: هؤلاء رجال يحاربون من أجل دين يعارض الشيوعية بشدة (نفس الفكرة اعتمدتها أميركا عندما قامت مع السعودية بتجنيد المجاهدين ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان
بعد ذلك طلبت قوات الاستخبارات النازية تشكيل وحدات عسكرية من غير الألمان عندما تم جمع وحدات المسلمين (الفرقة 450) مع وحدات أخرى ضمن فرقة كبيرة تابعة للاستخبارات الألمانية وسميت (تشكيلة قوات شرق تركمانستان) قاتلت في اليونان وإيطاليا واكتسبت شهرة بالقضاء على انتفاضة وارسو !!!
وفي عملية لمعرفة ما يمكن أن تستفيد المخابرات الألمانية من الجنود السوفييت الذين يقاتلون معها. كانوا يقيمون معسكرات تثقيف مستمرة ، وزار أحد هذه المعسكرات فريق تفتيش على رأسه (هاينز أونغلاب) وهو محامي ألماني معجب باللغة التترية، أعجب أونغلاب بجندي سوفييتي شاب من أصول تترية ، أمم السوفييت أعمال عائلته، اسم الشاب غريب سلطان، وعندما سأله أونغلاب كيف تعلم اللغة الألمانية فأجابه أن (أحد أقارب أمي تزوج من ممرضة ألمانية اسمها فون مينده) وانتبه أونغلاب أن رئيسه في وزارة الأراضي المحتلة اسمه غيرهارد فون مينده (وهو مهندس استخدام ألمانيا النازية للمسلمين)، أي أن هناك قرابة ما بين سلطان ورئيس أونغلاب غيرهارد
غيرهارد فون مينده عالم الأجناس التوركية:
…………………………………………………………..
في 22 حزيران 1941 قام هتلر بغزو الاتحاد السوفييتي، وفي نفس اليوم بدأ (غيرهارد فون مينده) عمله في وزارة الأراضي المحتلة، (والأراضي المحتلة برأي النازية هي آسيا الوسطى والقفقاس)، وكانت مهمة (فون مينده) وضع الخطط للاستفادة من المسلمين في حربهم ضد السوفييت، ويبدو أن خططه (لدعم الإسلام: استراتيجية سوف تستمر طويلاً، بعد هزيمة النازية، وربما استمرت حتى وقتنا الحاضر، حيث مازال الغرب يستفيد من هؤلاء المسلمين في حروبهم حتى ضد البلاد الإسلامية والعربية – وغيرها
كانت عائلة (فون مينده تعيش في لاتفيا عندما هزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وشاهد غيرهارد بأم عينه كيف قام البلاشفة بقتل والده ، وهربت عائلته إلى ألمانيا وكانت أمه تعيل الأسرة من عملها كسكرتيرة .
وغيرهارد عمل في أعمال كثيرة (بحاراً – عاملاً في مناجم الفحم….الخ) كي يؤمّن تكاليف تعليمه وبالفعل وصل إلى مستويات أكاديمية متقدمة
كانت برلين في ذلك الوقت مركز الدراسات المتعلقة بروسيا. وصبّ فون مينده اهتمامه على الدراسات الروسية المعاصرة والاقتصادية. وبالفعل أصبح مختصاً فيها، وأتقن عدداً من اللغات منها العربية، وتزوج بكاتبة نرويجية اصبحت مستشارته وضميره وناسخة كتبه
وكتب غيرهارد كتاباً شرح فيه التركيبة العرقية للاتحاد السوفييتي ثم نشر بعد ثلاث سنوات أكثر أعماله تأثيراً (النضال الوطني للشعوب التركية في روسيا) وكانت أطروحة الكتاب مدوية: شكلت الأقليات غير الروسية في الاتحاد السوفييتي كتلة من المواطنين غير مترابطة وغير متماسكة، ونبه (فون مينده) إلى أن الصراع بين الروس وبين الترك (الأوزبك والكازاخ والقرغيز والتتار سيستمر ويستمر ولكنهم لن ينالوا استقلالهم دون مساعدة خارجية (وهذا ما حصل فعلاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي
تقرب فون مينده من الحزب النازي عبر عمله مع قوات العاصفة، ثم عبر ارتباطه برئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحزب النازي، ثم انخرط مع النازيين في محاربة اليهود (كان يكره اليهود وربما هذا ما جعله يفضل المسلمين) واعتبر أن البلشفية أعطت لليهود مساحات من الفعالية كبيرة. وهذا مازاد من عدائه للسوفييت
ووجد غيرهارد في المسلمين مؤمنين بدين يحارب البلاشفة والشيوعية وهذا ما جعله يركز على استثمار هذه الفكرة، وأصبح المخطط الاستراتيجي والمنقذ لدى النازيين للاستفادة من المسلمين… وهذا ما شكل مرحلة مهدت لعلاقة بين عناصر من الإخوان المسلمين استغلت ظروف الحرب لتعمل مع المخابرات النازية، ولتستغل جامع ميونيخ كما سيتضح لتؤسس لنفسها التنظيم الدولي:
النموذج النازي الأولي لتعاون المسلمين مع الغرب :
……………………………………………………………………..
من المراحل الهامة في تبلور نشاط الحركات والجماعات الإسلامية في الغرب ما حصل عبر النموذج النازي الأولي، والذي قادته (وزارة الأراضي المحتلة) حيث لعب (فون مينده) الدور البارز فيها. كصاحب الفكرة وواضع الاستراتيجية والمساهم في تنفيذها
وبدأ المسلمون العمل مع النازيين والقتال في صفوفهم ضد الشيوعية، ولكنهم عند هزيمة النازيين، أعلنوا أنهم لم يقاتلوا مع ألمانيا نصرة للنازية بل سعياً وراء تشكيل حكومة في المنفى تحارب الشيوعية والسوفييت، وهكذا فإن العمل السياسي، لهؤلاء المسلمين انتقل للتفكير بدورهم السياسي ولو عبر اختراع التبرير الملائم لإقناع المنتصرين الأميركيين والبريطانيين ولكن كل ذلك تأسس في عملهم عبر وزارة الأراضي المحتلة الألمانية
وقصة (وزارة الأراضي المحتلة) أنشأها هتلر كي تكون مسؤولة عن إدارة روسيا وبولونيا وأوكرانيا والقفقاس وآسيا الوسطى – بعد احتلالها من قبل الجيش النازي – وكان (فون مينده) في البداية مسؤول قسم القفقاس ثم رئيس مكتب (قسم الأشخاص الأجانب) ثم تولى مسؤولية جميع الشعوب المسلمة بما فيها آسيا الوسطى. (مسؤول جميع الشعوب المسلمة لاستخدامها لصالح المخابرات النازية
في الثلاثينيات انتقل عمل العاملين مع (فون مينده) ضد الشيوعية إلى بولونيا وفرنسا وبريطانيا، ونال دعم المخابرات الفرنسية والبريطانية واصبحت تلك المجموعات تحت سيطرة الألمان عندما احتل النازيون فرنسا
وصل غريب سلطان إلى برلين مع تبلور خطط (فون مينده) بإقامة مكاتب ارتباط، فانضم سلطان إلى مكتب ارتباط التتار كإعلامي، وكان لديهم إذاعة وفرقة مسرح وصحيفة، كما عمل قيوم خان مع فون مينده في إدارة الشعوب التركمانستانية ونال دعم فون مينده، الذي حاول تحويل مكاتب الارتباط إلى مكتب إرشاد (وربما كان رئيس كل مكتب إرشاد يسمى المرشد العام وربما جاءت هذه التسمية من تسمية مرشد الإخوان المسلمين العام) وأعلن وزير الأراضي المحتلة أنه سيحول مكاتب الارتباط إلى حكومات
في العام 1944 بدأ تراجع الجيوش الألمانية وبدأت نذر الهزيمة تلوح بالأفق، فعمل (فون مينده) على نقل وحدات المسلمين إلى الجهات الغربية بحيث يقعون بأسر الأميركيين والبريطانيين لأن وقوعهم بأيدي السوفييت يعني موتهم
وبتأثير من الأحداث ومن فون مينده ادعى المسلمون أنهم لم يقاتلوا الروس من أجل النازية بل من أجل نيل استقلالهم الوطني وإقامة حكوماتهم المستقلة وكان هذا التبرير بمثابة برنامج أولي لمقابلة صديق المسلمين الجديد : الولايات المتحدة… (وهذا هو الانتقال من المخابرات النازية للعمل مع المخابرات الأميركية ) !!!
الحرب الباردة:
…………………………
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- كانت برلين مقسمة فهجرتها الفعاليات الاقتصادية والشركات الهندسية وبيوت المال إلى ميونيخ ، التي رغم أنها كانت مدمرة بالكامل، إلا أنها كانت العاصمة السرية لألمانية خاصة وأن بون التي سميت العاصمة لم تكن أكبر من قرية كما قال أحد الكتاب
وبعد ان تخلص الغرب من النازية، تفرغ للشيوعية، وشكل في الولايات المتحدة وكالة المخابرات المركزية – ومجلس الأمن القومي – واعتمدت أميركا في استراتيجيتها محاربة الشيوعية سياستين :
1- سياسة الاحتواء التي تعمل على الحد من انتشار الشيوعية وتقليص وجوها
2- محاولة الانقلاب على الشيوعية من داخلها. (وتفتيتها عبر زرع بذور الفتنة والانقسام ضمنها
ولتحقيق نتائج لهاتين السياستين اعتمد الغرب على (الحرب النفسية) فأنشأوا لذلك منظمة غير حكومية باسم (اللجنة الأميركية للتحرير) وكانت تتبع سراً للمخابرات الأميركية، وأنشأت اللجنة الأميركية للتحرير
أنشأت إذاعة الحرية إضافة إلى معهد دراسات الاتحاد السوفييتي- ودائرة علاقات المهجرين (وكانت تعمل على تجنيد العملاء). ومعظم العاملين في الإذاعة أو المعهد أو دائرة العلاقات كانوا ممن عمل مع (فون مينده) عبر وزارة الأراضي المحتلة… وهكذا فقد بدأوا يعملون مع المخابرات الأميركية نفس العمل الذي كانوا يقومون به مع المخابرات النازية
وهكذا فقد كانت وزارة الأراضي المحتلة النازية توازي تماماً اللجنة الأميركية للحرية، وبعد سنتين أو ثلاث من عمل اللجنة الأميركية للحرية عبر الإذاعة والمعهد ودائرة العلاقات، اكتشف الأميركان أن العاملين معهم من أبناء الاتحاد السوفييتي لم يكن لديهم ثقافة إسلامية ذات مصداقية، وبالمقابل فقد استطاع فون مينده بهذه الأثناء الوصول إلى الارتباط بالمخابرات الأميركية واستطاع اقناعهم بأن الإسلام والمسلمين هم العنصر الأكثر قدرة على محاربة الشيوعية وتدميرها، واستطاع فون مينده إقناع المخابرات الأميركية بضرورة البحث عن مسلمين يمتلكون ثقافة دينية إسلامية ذات مصداقية تمكنهم من التأثير على الرأي العام في صناعة العقول وحشدها ضد الشيوعية وضد الاتحاد السوفييتي، وهكذا بدأ البحث عن هؤلاء المسلمين للعمل مع المخابرات الأميركية
المفتاح إلى العالم الثالث:
………………………………….
للبحث عن عناصر مسلمة تملك ثقافة إسلامية مؤثرة لابد من التوجه إلى العالم الإسلامي وهو جزء أساسي من العالم الثالث، الذي يشكل أهمية استراتيجية لكل من العالم الغربي والاتحاد السوفييتي (العالم الثاني)، وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أهم المجموعات الإسلامية المنظمة، وهذا ما لفت الأنظار نحوها
وتوجهت أنظار كل من السوفييتي والأميركان إلى العالم الثالث في حرب العقول والإيديولوجيا التي يخوضانها ضد بعضهما البعض… وفي موسم الحج لعام 1954 توجه إلى مكة مسلمان مدعومان من المخابرات الأميركية هما ( روسي نصر) و(حميد رشيد) وحاول نصر تقليب حجاج سوفييت ركب معهم الباص من جدة ولكنه لم يفلح، فما كان منه إلا أن بادر لمهاجمة شيخ سوفييتي كان يخطب قرب الكعبة متحدثاً عن معاملة السوفييت الحسنة للمسلمين فتصدى له (نصر) وهاجمه (كيف تسكتون على السوفييت الذين يحاربون الإسلام؟؟) فرد عليه الشيخ (من حاربنا نال عقابه من الله…)، فهاجمه نصر: (ألا تستحي أن تكذب وأنت تقف قرب الكعبة وأنت شيخ على حافة قبرك، كيف تدافع عن أعداء الإسلام السوفييت…). ومن ثم قام بعض من استأجرهم نصر بالهتاف معه ومهاجمة الحجاج السوفييت لدرجة أن الحكومة السعودية منعت الحجاج السوفييت من إقامة صلاة الجماعة بإيعاز أميركي
كل ذلك روجه الإعلام الأميركي وكأنه ثورة إسلامية ضد السوفييت. وقامت كل من "تايم" و"نيويورك تايمز" باعتبار ماجرى (انتفاضة كراهية) ضد الشيوعية
وهكذا تأكد الأميركيون أن ساحة صراعهم مع السوفييت هي العالم الثالث. والسلاح هنا هو الإسلام والمسلمين، خاصة وأن (مجلس الاستراتيجية النفسية) الذي ورثه الرئيس الأميركي روزفلت عن سلفه ترومان أكد على أهمية العامل الديني، كذلك فإن الباحث إدوارد كيللي قدم مذكرة تركز على ضرورة استخدام العامل الديني لتأليب الشعوب ضد الشيوعية، وللحد من تأثير السوفييت. كما أن الورقة 162/2 المقدمة من مجلس الأمن القومي دعت إلى ضرورة تحريك المصادر الروحية والأخلاقية (الإسلام) بالتوازي مع القوة العسكرية لمحاربة القوة النووية والانتشار الشيوعي
العالم الثالث اجتمع في أندونيسيا في مؤتمر باندونغ وأعلن منظمة دول عدم الانحياز كتعبير عن قوة العالم الثالث، ومع أن الولايات المتحدة لم تدع إلى هذا المؤتمر، إلا أن (روسي نصر) تحول في هذا المؤتمر من حاج في مكة إلى صحفي في باندونغ موفداً من قبل صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" ما لبث أن أعلن عن أنه يمثل (مجموعة وحدة تركمانستان) وقام في المؤتمر بمهاجمة الشيوعية والنظام السوفييتي الذي يضطهد المسلمين، وسبب إحراجاً للسوفييت وحقق اختراقاً إعلامياً، جعل الإدارة الأميركية تشعر بالزهو وتحس أنها حققت ضربة نفسية للاتحاد السوفييتي عن طريق هذا المسلم وبسلاح الإسلام، هنا تحرك (فون مينده) المسيطر على مجموعة وحدة تركمانستان وكل بقايا وزارة الأراضي المحتلة مطالباً الإدارة الأميركية بضرورة تنظيم عمل المسلمين بشكل أفضل الأمر الذي لاقى تجاوباً عند الإدارة الأميركية. (المخابرات الأميركية
الجامع يتحقق :
………………………..
بعد أن استقر العمل في (امكوم لب) أرادت المخابرات المركزية الأميركية تفعيل عمل المسلمين بشكل أكبر للتأثير على الاتحاد السوفييتي فأرسلت أحد رجالها (أريك كوينهولم) إلى اسطنبول ليطوع عدداً من المسلمين ليعملوا مع اللجنة الأميركية للحرية (امكوم لب) ويبدو أن مساعيه لم تنتج أكثر من نصيحة قدمها له وزير الداخلية التركي حيث أشار عليه بضرورة إقامة مركز أبحاث كتغطية للعمل الأميركي في تجنيد المسلمين ضد السوفييت
من جهة أخرى أنشأت الخارجية الأميركية (مكتب التنسيق السياسي) وسلمته لأحد عملاء المخابرات الأميركية (فرانك ويزنر سينيور) الذي أدار العمل في راديو الحرية وراديو أوروبا الحرة، ولكنه ركز على الفخامة والتظاهر والمغامرات، وقام بعمليات كانت نتيجتها كارثية على المخابرات الأميركية
وفي نفس الإطار قام مسؤولوا (امكوم لب) باعتماد من المهاجرين هو (جاكا أوغلو) ورغم أن له هيئة الشيخ إلا أن ثقافته الدينية ضحلة كما أن لغته الألمانية ضعيفة، إضافة إلى أنه كان جلف الطباع حاد الأخلاق وغليظ المعاملة
كل ذلك جعل (فون فينده) يبتعد عن الأميركيين بعد أن تعاون معهم وبقي في دوسلدورف في مكتبه يعمل في خدمة المهاجرين، ويتابع اتصالاته ودراساته وأعماله الدعائية
وتجاهلت جماعة (امكوم لب) رغبة المسلمين المهاجرين المقيمين في ميونيخ وتوقهم لإقامة جامع، بينما انتبه (فون مينده) إلى أهمية إقامة مثل هذا الجامع في ميونيخ وبدأ يعمل من أجله
وفي هذه الأثناء، بدأ الميل الألماني إلى توحيد الألمانيتين يبرز كحلم تعمل الحكومة على تحقيقه في المدى الاستراتيجي، وكان لبعض الوزراء خلفيه ألمانية قومية وكانوا يعتبرون أن المهاجرين المسلمين هم عنصر فاعل في تحقيق أحلامهم بتوحيد الألمانيتين وفي استعادة الأجزاء الألمانية المقتطعة من أراضيها والمسيطر عليها من قبل السوفييت وحلفاؤهم… وبدأت ألمانيا العمل لاستمالة المهاجرين المسلمين من جديد ولم تجد أفضل من (فون مينده) ليساعده في تحقيق ذلك… ولتنظيم كل ذلك أنشأت المانيا (الإدارة المدنية للاجئين المسلمين) ووضع فون مينده أحد أصدقائه (نمنجاني) كرئيس لها… وفي عام 1958 تمت دعوة هذه الإدارة إلى اجتماع حضره عدد من المهاجرين المسلمين وكان هدفه إعلان بناء جامع في ميونيخ وسيكون إمامه صديق فون مينده (نمنجاني ) …..
وصل سعيد رمضان – وصل الإخوان:
…………………………………………….
عقد الاجتماع في كنيسة ميونيخ وحضره حوالي خمسون شخصاً من أجل إطلاق عملية بناء جامع ميونيخ، وكان لحضور سعيد رمضان تأثيراً كبيراً أشعل الحماس بين الحضور خاصة وأنه سكرتير المؤتمر الإسلامي، وهو طبعاً يختصر جماعة الإخوان المسلمين في شخصه، إضافة إلى أن تاريخه يكشف الكثير من العلاقات مع الحاج أمين الحسيني ومع فون مينده، وبالتالي مع النازية التي كانت حاضرة في فكر وتنظيم الإخوان المسلمين، فما قصة سعيد رمضان، وما قصة الإخوان؟؟
رأى سعيد رمضان حسن البنّا أول مرة حين كان يتحدث في اجتماع دعوي العام 1940، اعتاد البنّا أن يطلب بعد كل اجتماع من أحد الحاضرين الصعود إلى المنصة للحديث كنوع من تمتين الارتباط بالجماعة، قرر الفتى رمضان والذي كان يبلغ وقتها أربع عشرة سنة من العمر، أخيراً وبعد خمسة اجتماعات التقدم إلى المنصة… قال له البنّا حينها: ما الذي أخرك كل هذا الوقت؟؟ من هنا ابتدأت قصة رمضان مع الإخوان
وكما هو معروف فإن حركة الإخوان المسلمين أسسها حسن البنّا في العام 1928 وذلك بهدف العمل على استرجاع (الخلافة الإسلامية) التي أنهاها أتاتورك بإنهائه للخلافة العثمانية العام 1924
وكان البنّا يرفع شعار (الإسلام هو الحل) وكان يقصد به أن (الخلافة الإسلامية هي الحل) وهذا ما جعل جوهر عمل الإخوان سياسي بحت رغم ارتدائهم لباس الدعوة الدينية
ولأن حسن البنّا لم يكن شيخاً ولم يدرس علوم الدين في الأزهر أو في أية جامعة أخرى (كان استاذاً للخط) فقد اعتمد في نشر دعوته على التحدث في المقاهي والتأثير بصغار الحرفيين والطلاب. كما اعتمد الابتعاد عن النقاشات الفقهية أو الدينية وكان يتناول مشاكل الحياة ويقترح حلاً لها من الإسلام وبذلك كسب قلوب الحرفيين والفلاحين والمهمشين ومحدودي الثقافة الأمر الذي جعله مؤلهاً عندهم يُسمع ويُطاع بدون نقاش
وكان لحركة الإخوان المسلمين علاقات بالنازية، وقد بلغت علاقتهم بها أن قبلت الحركة أموالاً من أحد عملاء النازية (صحفي نازي كان يعمل في البعثة الألمانية بالقاهرة) وبهذا المال أنشأ البنّا وموّل التنظيم الخاص الذي اشتهر بالاغتيالات والعنف والذي شكل جناحاً عسكرياً للحركة
ويبدو أن علاقة الإخوان بالنازية عززت عندهم ضرورة اعتماد القوة في تحقيق أهدافهم (الخلافة الإسلامية)، ورغم أن الإخوان استلهموا فكرة اعتماد القوة من الحركة الوهابية التي قادها الملك عبد العزيز آل سعود الذي أخضع الجزيرة العربية بالسيف، الأمر الذي جعل الإخوان يجعلون من السيفين والمصحف شعاراً لهم، وأن القوة بالسيفين والفكر من المصحف أعطى للإخوان قوة عززتها تجربة النازية وعلاقاتهم مع النازيين
مع تقدم حركة الإخوان المسلمين، تصاعدت النقمة على اليهود من قبل النازيين والفاشيين، وبذلك تلاقى الإخوان بمعتقدهم الديني ضد اليهود مع عداء النازية والفاشية لهم، كذلك فإن الإخوان استعملوا البنى الأساسية للحزب الفاشي (مع استفادة من سرية الماسونية)، والقاهرة أصبحت في العام 1945 ملجأ للنازيين الهاربين من وجه العدالة
حسن البنّا وبالرغم من أنه لم يتقبل جميع الأفكار النازية، إلا أن عملاء النازية دعموه بشكل كبير، كما أن علاقته بمفتي القدس أمين الحسيني ساهمت في تمتين علاقة الإخوان بالنازية، خاصة وأن الحسيني (صديق فون مينده) عمل مع النازية التي كادت تنصبه رئيساً على تتار القوم كونه مفتي، وقام الحسيني مع فون مينده باستعراض القوات المسلحة من المهاجرين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب النازيين ضد السوفييت، وعمل الحسيني مع (فون مينده) الذي كان يجهد لتوظيف الإسلام والمسلمين ضد الشيوعية والسوفييت
وبعد انتهاء الحرب استمر الحسيني بعلاقاته مع النازيين، مثل الإعلامي (يوهان فون ليرس) الذي انتقل للعيش في القاهرة، وغيّر اسمه إلى أمين لاهارس… الذي شكل مجموعة لمحاربة اليهود وكان الحسيني يموّله، وحتماً كان هناك صلة بين هذا النازي وبين البنّا والإخوان عن طريق المفتي أمين الحسيني كما أن المفتي الحسيني لم يكن بعيداً عما يجري في ميونيخ ليس بسبب علاقته القوية والمستمرة بـ(فون مينده) بل أيضاً عن طريق الكاتب والناشط ورجل المخابرات الأميركية أحمد كمال
وفي حرب 1948 في فلسطين طلب الحسيني من البنّا مساهمة جماعته في محاربة اليهود فكلف البنّا سعيد رمضان الإشراف على تطويع المقاتلين من الجماعة والذهاب بهم إلى فلسطين عبر الأردن (وحصل على جواز أردني هناك)… وهناك من يعتقد أن رمضان قام في الأردن بتأسيس فرع للإخوان المسلمين، وهذا كان أول نشاط تنظيمي له خارج مصر، وربما تكون هذه من الخطوات الأولى في عمل رمضان في إطار تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
إن ثقة البنّا بسعيد رمضان أخذت تزداد مع مرور الوقت، حيث كان رمضان الذي بدأ مع الإخوان شاب صغير، انتقل ليكون عضواً ناشطاً في تنظيم الإخوان المسلمين. يساعد في تنظيم المظاهرات
درس القانون في جامع القاهرة وأصبح محامياً وعمل في العام 1946 سكرتيراً خاصاً لحسن البنّا وتزوج من إحدى بناته مما زاد الرابطة بينهما، ويقول عنه زملاؤه أنه كان متحدثاً جيداً وذو شخصية جذابة وكان الشخص المناسب للمهمات الصعبة… كل ذلك جعل البنّا يعتمد عليه ويجعله محل ثقته، ولكن حداثة سنه وصغر عمره لم تمكّنه من خلاله حماه البنّا عندما اغتيل في العام 1949، فترك مصر وسافر إلى الخارج ليستمر في عمله التنظيمي، وفي بناء التنظيم الدولي، يقول جمال البنّا شقيق المرشد حسن البنّا، يقول عن رمضان (لو كان للجماعة وزراء لكان سعيد رمضان وزيراً للخارجية فيها، كان داعية بارعاً ويتحدث الإنكليزية بطلاقة ولديه صلات خارجية واسعة
في نشاطه الخارجي (الدولي) الذي بدأ بتجنيد الشباب للقتال في فلسطين وعبر وجوده في الأردن أنتج تأسيس فرع للإخوان في الأردن ، استمر نشاطه هذا عندما غادر مصر في العام 1948 إلى باكستان بسبب اعتبار الحكومة المصرية الإخوان خطراً على الدولة، وعاش في باكستان لمدة عام كان أثناءها يدير إذاعة تعمل على نشر الدعوة، والتقى زعماء اسلاميين باكستانيين وأسس لعلاقات تنظيمية معهم
وفي إطار الخط الذي رسمه حسن البنّا لإقامة الخلافة الإسلامية استمر سعيد رمضان بالتعاون مع المفتي أمين الحسيني لإنشاء روابط وإقامة مؤتمرات تعوض الانقسامات الكبيرة في العالم الإسلامي، ونجح رمضان مع الحسيني في العام 1951 بتنظيم اجتماع لمؤتمر العالم الإسلامي في مدينة كراتشي الباكستانية وتم انتخاب رمضان أحد سكرتيري المؤتمر الثلاثة، وفي هذا المؤتمر هاجم سعيد رمضان تركيا اتاتورك التي أسقطت الخلافة الإسلامية ورسخت عوضاً عنها العلمانية
كما عمل رمضان والحسيني بشكل نشط جداً في (المؤتمر العام الإسلامي للقدس) وانتخب رمضان سكرتيراً عاماً لهذه المنظمة في العام 1956، وكان من ضمن المجموعات التي عملت في هذا الاتجاه الإخواني سيد قطب الذي كفّر كل من لا يتبع وجهات نظر الجماعة وشرع قتله
سعيد رمضان لم يكن رجل دين ولم تكن الدعوة رسالته، بل كانت السياسة منهجه وإقامة دولة الخلافة الإسلامية هدفه، لذلك اعتبر العلمانية والشيوعية أعداء، واعتبر أن الشيوعية هي العدو الأخطر لأنها تمنع ممارسة الأديان، وهذه النقطة هي موضع التقاء المفتي الحسيني مع سعيد رمضان، وهي النقطة التي جعلت (وحدة الخدمات الاستراتيجية) التابعة لوزارة الحرب الأميركية تنتبه لها وتعتبرها ميزة مهمة عن المفتي أمين الحسيني وكل من يعمل معه… وهذا ما كان ظهر في تقارير المخابرات الأميركية لاحقاً التي اعتبرت أن عداء المفتي للشيوعية جعله جذاباً للمخابرات النازية – أما رمضان فكان له تميزه الإضافي
أول اتصال للإدارة الأميركية بالإخوان المسلمين كان في العام 1953 عبر وفد أكاديمي من الإسلاميين زار أميركا برحلة ثقافية، وكان سعيد رمضان أحد أعضاء هذا الوفد، الذي تقدم للبيت الأبيض بطلب لقاء الرئيس ايزنهاور، والمشكلة أن الرئيس كان خارج العاصمة
ولكن تذكر مسؤول الاتصال في البيت الأبيض (ووشبورن) الأهمية التي يوليها ايزنهاور للدين، وراجع مذكرة كيلي المسماة (العامل الديني) لذلك وجد أنه لابد من انتهاز فرصة وجود وفد من المسلمين، وألح ووشبورن على الرئيس للقاء الوفد هذا، وحسب نصيحة مساعد ايزنهاور للحرب النفسية سي دي جاكسون التي ركزت على ضرورة إعلان أميركا عن تفوقها الروحي على السوفييت اتخذ القرار باستقبال الرئيس ايزنهاور للوفد وكان بينهم سعيد رمضان مندوب جماعة الإخوان المسلمين حسب ما جاء في وثائق البيت الأبيض ( أي اُستقبل رمضان ليس كمثقف بل كمندوب لجماعة الإخوان المسلمين )
هذه المجموعة من الإسلاميين جالت في الولايات المتحدة الأميركية وتناولت في فاعلياتها قضايا الحياة والشباب والثقافة والدين و..و..الخ، ولكن كان تركيز سعيد رمضان سياسياً في كل ما طرح، وإحدى المذكرات الأميركية اعتبرته محاوراً غير سهل لأنه يركز على الأهداف السياسية دائماً، وأحد المحللين الأميركيين اعتبره محرض سياسي فاشي
في مذكرة سرية رفعت للخارجية الأميركية اعتبرت أن نشاط هؤلاء الإسلاميين يركز على هدف دعم (النهضة الإسلامية) واعتبر المذكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر تأثيراً، ويبدو أن الأميركان كانوا يريدون الاتصال بالإخوان، والدليل أن السفارة الأميركية في القاهرة عندما أرسلت طلب الوفد إلى الإدارة الأميركية في واشنطن حجبت في طلبها علاقة سعيد رمضان بالمفتي الحسيني المعادي لإسرائيل واليهود والحليف للنازية
وبالفعل تم اللقاء الإسلامي (الإخواني) – الأميركي، وترسخ لدى الإدارة الأميركية صوابية فكرة ايزنهاور حول استثمار الإسلام المسلمين وخاصة المنظمين (جماعة الإخوان) في محاربة الشيوعية والسوفييت، والجماعة استثمرت هذه الرغبة الأميركية لتتقدم خطوات إضافية في طريقها نحو الخلافة الإسلامية
في شهر آذار 1956 دخل سعيد رمضان على البروفسور كيغل في جامعة كولونيا في المانيا، وطلب منه أن يقبله للحصول على الدكتوراه في القانون على يديه، وبعد خمسة أشهر وافق كيغل على طلب رمضان، الذي بدأ العمل للحصول على دكتوراه في (القانون الإسلامي)… ومن ملاحظات كيغل على رمضان، أنه لايعمل من منطلق ديني بل هو يسعى إلى أهداف سياسية، وظلت العلاقة بين رمضان وكيغل طيبة، وظل رمضان يراسل استاذه من بلاد متعددة من بيروت ودمشق والقدس وجنيف…الخ، وكان يذهب إلى مكة ليلتقي أعضاء الجماعة هناك تحت ستار الحج، وهذا ما كانت تشير له كثيراً المخابرات المصرية التي كانت تتعقب نشاطات الجماعة لأنها كانت تعتبرها خطراً محدقاً بالمصالح المصرية والعربية
حصل رمضان على شهادة الدكتوراه في القانون بدرجة شرف وكان تعليق كيغل عليه أنه (مثقف ومتعصب)، وصارت أطروحة الدكتوراه لرمضان (القانون الإسلامي: هدفه وقيمته) كتاباً أساسياً لدى الإسلاميين عامة والإخوان خاصة وكان يباع في المساجد وترجم إلى عدد من اللغات
سعيد رمضان دخل إلى كنيسة ميونيخ في اليوم التالي لعيد الميلاد من العام 1958، وكان المجتمعون حوالي 50 شخصاً بينهم نمنجاني وطبعاً لم يحضر هؤلاء للصلاة على المسيح بل للمشاركة في تنفيذ خطط فون مينده لتوحيد المسلمين عبر بناء جامع في ميونيخ وفي الدعوة لهذا الاجتماع كتبت العبارات التالية: (نهاية العالم يمكن أن تحدث في أي يوم وأية ساعة، ولا يمكننا بالتالي أن نعيش في هذا العالم مغمضي الأعين لقد نمنا فترة كافية ونرغب الآن أن نقوم قومة رجل واحد
وكان إحساس جميع الحاضرين أن الجامع سيكون القاعدة لنهضة العمل الإسلامي في أوروبا، وسعيد رمضان كان يرى في الجامع محطة أساسية تضاف إلى عمله في تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
قبل اجتماع الكنيسة عقد اجتماع مصغر للجنة الإدارة المدنية للاجئين المسلمين في ألمانيا ودعي إلى حضور هذا الاجتماع سعيد رمضان، وحضر كضيف شرف، وقام بدعوته غالب همت وهو من تنظيم الإخوان المسلمين السوري، وباعتبار أن سعيد رمضان رجل مشهور بنظرهم لأنه رئيس المؤتمر الإسلامي، فقد جرى الاتفاق على أن يكون عضواً للجنة بناء الجامع، ونقل عنه أحد الحاضرين (عبيد الله مجددي) أنه قال سيساهم جامع ميونيخ في مد نشاطه في أوروبا أكثر وأكثر. وليزيد من تأثيره قام رمضان بالتبرع المالي لبناء الجامع وقد جمع في الاجتماع مبلغ 1125 مارك، دفع منها /1000/ مارك سعيد رمضان، وكل الأحداث تدل على أن فون مينده أحس أنه بات أقوى وأنه يستطيع العودة للتأثير أكثر خاصة بوجود شخص كسعيد رمضان 36 عاماً، والذي يركب سيارة كاديلاك هدية من الحكومة السعودية
زواج مصلحة :
………………………..
في ولاية ايزنهاور الثانية شعرت الإدارة الأميركية بتزايد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط، فأعلن الرئيس الأميركي (مبدأ ايزنهاور) في العام 1957 والذي هدد فيه وتوعد عبره بتدخل الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً لمواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة وخاصة في مصر
وهذا ما رفع من اهتمام ايزنهاور الشخصي بالإسلام وتأثيره. فكلف المخابرات المركزية ووزارة الدفاع بالعمل على (دفع العرب للانغماس أكثر في دينهم من أجل تحريضهم على محاربة الشيوعية… وتصويرها على أنها "الحرب المقدسة") وساعد ايزنهاور في توجهه هذا ماقام به الملك السعودي آنذاك الذي دعا جميع العرب لمحاربة الشيوعية
وكإجراء عملي قام مجلس تنسيق العمليات. وهو الجهاز المتخصص بالعمليات السرية في المخابرات الأميركية قام بإنشاء (مجموعة عمل خاصة بالإسلام في العام 1957، وضمت مسؤولين من (وكالة الاستعلامات الأميركية) و(وزارة الخارجية) و(وكالة المخابرات المركزية) ومهمة هذه المجموعة دراسة كل ما تم إنجازه مع المسلمين وإعداد (توجهات خطة عمليات) لها مكونان:
المكون الأول:
علينا اعتماد المسلمين المعتدلين مثل جماعة الإخوان المسلمين وتجنب المسلمين المتطرفين
المكون الثاني:
التغطية على الحلم الخيالي للمسلمين بإقامة دولة الخلافة، وأقرت هذه الخطة التي اعتبرت الإخوان المسلمين حليفاً يعتمد عليه في محاربة الشيوعية، كما اعتمدت الخطة على استخدام السرية المطلقة في هذه التحالفات لأنها أعطت نتائج ممتازة في السابق
ونتيجة لهذه الخطة عين عميل المخابرات الأميركية ( دريهر) مساعداً خاصاً لرئيس امكوم لب لقيادة البروباغندا السرية ضد السوفييت عبر راديو الحرية وإذاعة أوروبا الحرة كما كلف دريهر بتنسيق عمل المهاجرين المسلمين، وطبعاً كان سعيد رمضان المحور الأساس لهذا العمل، من هنا بدأ التعاون بينه وبين دريهر
ورغم الغموض الذي أحاط بشخصية رمضان، إلا أن المخابرات الألمانية ذكرت في تقارير منفصلة أن المخابرات الأميركية أمنت لسعيد رمضان جواز سفر أردني يسمح له بالهروب إلى أوروبا، وتقول الاستخبارات السويسرية أن سعيد رمضان كان عميلاً أميركياً وعائلته لم تعلق والوثائق الأميركية حوله ما زالت سرية حتى اليوم، ولكن يستطيع المرء أن يعتبر ان التحالف والتعاون بين الإخوان المسلمين وبين المخابرات الأميركية بدأ حين أعلن سعيد رمضان في كنيسة ميونيخ مساهمته في بناء الجامع
في العام 1958 عقد المؤتمر الثاني لدول عدم الانحياز في باندونغ، وكان مخيباً للإدارة الأميركية، التي درست أسباب خيبتها هذه، وتوصلت إلى نتائج تقول أن اصدقاءها القدامى كسعيد شامل وروسي نصر يقومون بما يستطيعون وربما حفظوا ماء وجه أميركا، ولكن واشنطن اليوم تحتاج إلى اشخاص أكثر حضوراً ومتحدثين أكثر موثوقية ووجد (دريهر) أن سعيد رمضان يمكن أن يشكل تطويراً لشامل ونصر، لذلك فقد طلب (دريهر) من فون مينده توسيع (لجنة الإدارة المدنية) لتشمل طلاب سعيد رمضان من الشباب المسلم وطلب من فون مينده تنظيم مؤتمر حول الإسلام يرأسه سعيد رمضان وبسبب نفوذ المخابرات الأميركية لم يكن أمام السلطات الالمانية إلا تسهيل عقد هذا المؤتمر، وهكذا صعد رمضان درجات عدة في ترسيخ حضوره الفاعل كممثل للقوة المسلمة (الإخوان المسلمين )
في هذه الأثناء وصل تأثير سعيد إلى ذروته، فهو يكسب الأصدقاء في أوروبا، وهو المعتمد من قبل الاستخبارات الأميركية. كما حوّل المؤتمر الإسلامي للقدس الى ساحة مباحة للإخوان المسلمين، وفي العام 1960 تحوّلت لجنة بناء جامع ميونيخ إلى لجنة رسمية بتسجيلها في المحكمة العليا كمنظمة رسمية لها مجلس إدارة منتخب ورئيس مجلس إدارة هو سعيد رمضان. الذي أعلن أنه ذاهب إلى السعودية للحج وللاتيان بتمويل لبناء الجامع (2.2 مليون دولار بدولارات 2009 !!!
في العام 1960 اقترح رمضان على السلطات الألمانية إرسال وفد من المسلمين إلى الأمم المتحدة (يرأسه رمضان) ليطالب بالحريات الدينية، وليهاجم الاتحاد السوفييتي طبعاً، ولكن فون مينده لم يكن مرتاحاً تماماً لرمضان، ويبدو أنه لم يكن متأكداً من أن أوان التراجع قد فات لأن الاستخبارات الأميركية اعتمدت رمضان وأصبح رجلها القوي
في هذه الأثناء بدأت مجموعة جديدة لمسلمين بالظهور وطبعاً على رأسها سعيد رمضان، وظهرت مجموعة أخرى حاولت اصطياد جامع ميونيخ أيضاً هي (جماعة الإسلام JAI) وهي جماعة خيرية إسلامية مقرها واشنطن ويرأسها الكاتب الفوضوي أحمد كمال
حكاية الروائي :
…………………….
أحمد كمال مسلم أميركي وهو كاتب ومغامر وجاسوس، وصل إلى ميونيخ كرئيس للجماعة الاسلامية، للسيطرة على المسلمين وبالتالي على جامع ميونيخ، ولكن في حقيقة الأمر لم يكن إلا موفداً من قبل المخابرات الأميركية ليشكل بوليصة تأمين لسعيد رمضان، وليكون بديله في حال فشله
أحمد كمال، كاتب خيالي، واخترع لنفسه تاريخاً خيالياً أرجع نفسه فيه إلى تركمنستان، وتخيل أنه شارك في حروب شعبه التركمانستاني، وأنه أُسر وعُذب، وخلط كمال بين المسلمين المهاجرين ضد الشيوعية والسوفييت عبر جمعية (الجماعة الإسلامية )
تقول المخابرات الألمانية أن كمال كان عميلاً للمخابرات الأميركية وأنه تواجد في باندونغ أيام مؤتمر عدم الانحياز وكان يراقب الجماعات الإسلامية لصالح المخابرات الأميركية وقد نجا من محاولتي اغتيال في جاكرتا، ثم هرب من أندونيسيا إلى اسبانيا وهناك جند العقيد (تهامي لواهلا) معه ليعمل في تشجيع الحركات الإسلامية في شمال افريقيا لتحقيق المصالح الأميركية تحت غطاء مساعدة ثوار الجزائر
من المفارقات أن كمال رغم تزعمه الجماعة الاسلامية، فقد كان يحب الويسكي والنبيذ، وشاركه لواهلا في ذلك، واعتمد على أن الإسلام يحرم شرب الخمر عند الصلاة فقط حسب الآية (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )
في العام 1962 أعلنت الجماعة الإسلامية أنها ستغادر ألمانيا إلى صحارى إفريقيا وفي الحقيقة هي لم تذهب إلى افريقيا بل اختفت نهائياً، ويبدو أن دور أحمد كمال انتهى، ويبدو أن المخابرات الأميركية عندما تأكدت من قوة سعيد رمضان في ميونيخ لم تعد بحاجة لأحمد كمال
مع اختفاء أحمد كمال والجماعة الإسلامية علم (فون مينده) أن الجنود القدامى ملّوا من سعيد رمضان ويريدون أن ينتخبوا بديلاً عنه (علي كنتامير) رئيساً للجامع، وكان الألمان فرحين وظنوا أنه يمكن إيقاف رمضان والتخلص منه
ربح الجامع :
……………….
رغم جهود فون مينده المدعومة من الحكومة الألمانية، لم يكن هناك من يستطيع منافسة سعيد رمضان، خاصة وأن البديل المطروح له (علي كنتامير) كان شيخاً وكان أعمى تقريباً، وصحيح أنه يكتب مقالات لمجلة تنشرها (امكوم لب) إلا أن رمضان بالمقابل كان شاباً قوياً مفعماً بالحيوية ومثقفاً ويجيد اللغات، والقانون والحديث الروحي المؤثر وكان يلف العالم لبناء حركة إسلامية ناهضة وثورية، وهذا ما جعل رمضان يسود ويبقى المسيطر على الجامع وكانت محاولات التخلص منه تركزت في عدة اجتماعات كان قدامى المهاجرين يسألونه فيها عن التبرعات للجامع ومصدرها، وعن مصدر تمويل سفرياته وسفريات مساعده غالب همت، وعندما اشتدت محاصرته لجأ رمضان إلى تقديم استقالته وخرج من الاجتماع، فأجرت اللجنة انتخاباً للرئيس فاز فيه (علي كنتاير) على رمضان بفارق صوتين، ولكن لم ينتبه (فون مينده) أن الانتخاب يستوجب حصول الفائز على الثلثين وهو الأمر الذي لم يحصل عليه كنتاير، مما أبقى على رمضان رئيساً للجنة الجامع وأبعد قدامى المهاجرين وتخلص رمضان من أعدائه بدلاً من أن يتخلصوا منه
من نشاطات سعيد رمضان في هذه الفترة ما كتبه لأستاذه البروفسور كيغل حيث أخبره أنه حضر احتفالات جمهورية الصومال وأبلغه عن مدى سعادته لأن أحد أصدقائه كان رئيس الجمهورية بينما صديق آخر له كان زعيم المعارضة. (وهذا يكشف علاقة الاخوان بالحراك الإسلامي في الصومال والذي تطور إلى تنظيم القاعدة فيما بعد )
ونشط رمضان بعد تخلصه من أعدائه في لجنة الجامع وأصدر (مجلة الإسلام) في ألمانيا وسلمها لشاب ألماني ـ كما أسس منظمة للطلاب المسلمين في ألمانيا ـ وراح يشكل مثل هذه المنظمات جدياً على عادة تنظيم الاخوان المسلمين في التمكين
ثم عاد إلى مكة ليطلق (رابطة العالم الإسلامي)، وهي بمثابة البديل عن تحقق الخلافة الإسلامية، حيث كان يعتقد رمضان انه إذا لم يكن بالإمكان توحيد المسلمين في دولة واحدة ـ فلماذا لا نجمعهم في منظمة واحدة وهذا ما كان وراء (رابطة العالم الإسلامي) ومما يكشف أهمية وخطورة هذه الرابطة ـ أن الزعيم العراقي رد عليها بعقد اجتماع لـ(مؤتمر العالم الإسلامي) في بغداد بعد تسعة أيام من إطلاق الرابطة
في هذه الأثناء أعلن عبد الناصر أن سعيد رمضان هو زعيم تنظيم الإخوان المسلمين ـ وتعتقد المخابرات السويسرية أن ستة أشخاص حضروا إلى سويسرا لاغتيال سعيد رمضان، وقد اعتقلت بعضهم ـ واتخذ رمضان احتياطاته وحمل مسدساً (ويبدو أن الأميركان عملوا على حمايته أيضا )
أميركا والمخابرات الأميركية كانت مرتاحة لنشاط رمضان وكانت تعتبر أن تحالفها مع الإخوان يصب في مصلحتها ويحقق مصالحها السياسية لذلك كانت تمول تحركات سعيد رمضان وتفتح له الطريق في البلاد التي لها سيطرة سياسية عليها، حتى أنها ساعدته في كل شيء في ألمانيا ـ ورغم ذلك بقيت هناك أشياء أخفاها رمضان عن الأميركان جرياً على عادة الإخوان في عدم الإخلاص لأي جهة تتحالف معها. وظل جامع ميونيخ تحت سيطرة رمضان والاخوان مركزاً لتنظيمهم الدولي الذي بني من خلال خدمة أميركا ومصالحها
فقدان السيطرة
………………………..
ترك (دريهر) ألمانيا، ولم ترسل المخابرات الأميركية بديلاً واستمر نائبه (ويل كلمب) في العمل في ألمانيا ـ وراح سعيد رمضان يركز على عمله في التنظيم الدولي للإخوان ـ وغير اسم لجنة جامع ميونيخ إلى (المجموعة الإسلامية في جنوب ألمانيا) وحقيقة الأمر أن جامع ميونيخ لم يكن مجال عمله جنوب ألمانيا فقط ـ بل كان رأس حربة الإخوان المسلمين للامتداد في العالم كله والتوسع في جميع البلاد
وبعد خروح دريهر ساءت الحالة الصحية لـ(فون مينده) وتوفي بعد أن خدم المخابرات الألمانية وزودهم بدراسات عن جميع المجموعات الإسلامية التي تواجدت في ألمانيا ـ وكان لفون مينده الفضل لدى المخابرات الغربية كلها النازية والأميركية في موضوع استخدام المسلمين ضد السوفييت
بعد غياب (دريهر) و(فون منيده) لم تعد تهتم المخابرات الأميركية كثيراً بالمسلمين والإسلام، بل توجهت إلى فييتنام حيث صبٌت كل اهتمامها في الحرب هناك، واستمر هذا الوضع حتى الغزو السوفييتي لأفغانستان عندها طلب البنتاغون من مؤسسة (راند) دراسة أبحاث وخطط (فون مينده) لاستخدام المسلمين كسلاح ضد السوفييت، فقام باحث من (راند) يدعى (الكس الكسييف) بإنجاز دراسة عن أعمال وخطط ونظريات (فون مينده) ووزارة الأراضي المحتلة النازية التي كان يعمل بها وعبرها (فون مينده)، وأوصى (الكسييف) و(راند) في تقرير رفع إلى البنتاغون، أوصى باعتماد هذه التكتيكات، وهذا ما فتح النقاش في البنتاغون والمخابرات الأميركية لاستخدام المسلمين كسلاح في محاربة السوفييت الذين غزوا أفغانستان، وهكذا عادت أهمية سعيد رمضان للظهور لدى واشنطن، وعاد تنظيم الإخوان كقوة تستطيع واشنطن بالتعاون معها استثمار المسلمين في أفغانستان وكل ذلك أدى إلى ظهور المجاهدين الذين نظمهم ابن لادن وقادهم في القتال ضد القوات السوفييتية في أفغانستان ـ وهكذا عاد نموذج جامع ميونيخ ومجموعته وأساليبه إلى الظهور في الربط بين الاخوان المسلمين (التنظيم الدولي) وبين البنتاغون والمخابرات الأميركية
وكان (بريجنسكي) مستشار الأمن القومي الأميركي معجباً بفكرة استخدام المسلمين ضد السوفييت في أفغانستان، ومعجباً بالتجربة التي أنتجت ونتجت عن جامع ميونيخ ـ ولكنه كان مع فريقه يرى أن هذه السياسة في استخدام المسلمين تحتاج إلى أمرين
1) ـ الأول المحافظة على أنها حركة جهاد إسلامي لاعلاقة للغرب أو أميركا فيها، تماماً كما جرى في سياسة وزارة الأراضي المحتلة النازية، ولكن وبدلاً من وزارة تابعة لأميركا لابد من جهة إسلامية تتولى الأمر، وهكذا دخلت السعودية دولة الإسلام لتتولى عمل وزارة الأراضي المحتلة النازية في تنظيم عمل المجاهدين في أفغانستان ـ وتولى ذلك تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الذي عين بن لادن لجمع التبرعات وإدارة المجاهدين
2) ـ الأمر الثاني الذي جرى النقاش حوله هو ضرورة تعميق العامل الإيديولوجي الإسلامي المضاد للشيوعية، وهذا ما قام به أحد شيوخ الإخوان المسلمين السوريين الهارب إلى السعودية وهو الشيخ محمد سرور زين العابدين – السوري – الذي اجتهد وأفتى بضرورة المزج والجمع بين الدعوة الوهابية وحركة الإخوان المسلمين بحيث يصبح سيف الملك عبدالعزيز في توحيد الجزيرة مع سيف الإمام محمد بن عبد الوهاب الايديولوجي – الظاهرين في شعار الإخوان المسلمين حول المصحف – وهذا كان مصدر فتوى استخدام السيف ضد أعداء الإسلام – وهي فتوى متجددة جمعت الوهابية بالإخوان وتوجهت إلى أفغانستان – وفي قتالها ضد السوفييت انصهرت وأنتجت تنظيم القاعدة
واشنطن عادت إلى جامع ميونيخ وإلى التكتيكات النازية فقادها سعيد رمضان والتنظيم الدولي للاخوان إلى السعودية وإلى ايديولوجيا اخوانية – وهابية قامت بخدمة البنتاغون والمخابرات الأميركية في الحرب ضد السوفييت مستخدمة الإسلام والمسلمين بفي ظلال القوة الأميركية