
في عام 1643 قال جون كومينوس: (إننا نشهد في العالم لهيبا مدمرا من الحروب، وضروبا من الخصام الذي يهدم الممالك والشعوب في عناد وإصرار. ويخيل للمرء إن جميع الناس قد تآمروا على خرابهم المشترك الذي سوف يؤدي الى شيئ لاثان له وهو، دمارهم المشترك ودمار الكون معهم. لذا، إن أردنا أن لايهلك العالم هلاكا كاملا فنحن أحوج مانكون الى تكوين النفوس تكوينا انسانيا شاملا.
ان السلام والانسجام العالميين يجب ان يسودا لصالح الجنس البشري كله، ولااعني بالسلام والانسجام ذلك السلام الخارجي بين الحكام، انما اعني به ذلك السلام العقلي الداخلي الذي يستلهم منظومته من الافكار والمشاعر، فان تحقق هذا حق للجنس البشري ان يملك الامل).
وبعد مئات السنين، وجد هذا النداء صدى في هولندا التي وجهت نداء دعت فيه الى اجتماع تربوي يعقد بين الامم. ومن غريب الصدف ان الحرب العالمية الاولى نشبت في نفس اليوم الذي كان مقررا لذلك الاجتماع لان هناك من لايريد ان يعم السلام بين الامم.
وبعد ان وضعت الحرب اوزارها، اقترح وزير الخارجية البريطاني ايدوارد غري تأسيس منظمة اممية للتقليل من عملية التسلح العالمية وفكّ النزاعات قبل أن تتطور لتصبح نزاعاً مسلّحاً كما حدث في الحرب العالمية الأولى. ونالت الفكرة اعجاب الدول الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الاولى لانها وجدت فيها وسيلة قانونية لبسط سيطرتها على الشعوب الاخرى، وسميت المنظمة عصبة الامم.
وكان للعصبة مجلسٌ يتكون من 4 مقاعد دائمة وهي لبريطانيا، إيطاليا، فرنسا، واليابان. اي ان حق الفيتو كان من حق الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى ليسهل لها عملية استيلائها على ثروات الشعوب الاخرى تحت حجج القانون الدولي. وقد ادركت الولايات المتحدة هذا الامر وهو السبب الذي دعاها لرفض التصديق على ميثاقها او الانضمام اليها لانها لم تعط مقعدا دائما في المنظمة الاممية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور قوى عالمية جديدة وهي امريكا والاتحاد السوفيتي صار من الواجب الغاء تلك المنظمة التي انشأتها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى لتقوم مكانها منظمة جديدة تاخذ بعين الاعتبار مصالح الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، وهكذا اسست الامم المتحدة التي استبعدت اليابان وايطاليا من العضوية الدائمة لانهما كانتا من المحور الخاسر. وكانت المهمة الحقيقية لهذه المنظمة الاممية هي توفير السند القانوني للاستعمار الجديد واقناع الشعوب بالعبودية وميثاق هذه المنظمة الاستعمارية يتحدث عن حقيقتها.
الفصل الأول:
المادة 1
مقاصـد الأمـم المتحدة هي:
(حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.)
المادة 2
(تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقاً للمبادئ الآتية:
تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة»..
ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع).
وكما هو واضح، فمجلس الامن تأسس اصلا لحل النزاعات بين الدول وليس بين فئات متنازعة في دولة ما لان ذلك يعتبر من الشؤون الداخلية للدول المعنية. وبالتالي، فان مجرد عرض المشاكل الداخلية في سورية على مجلس الامن مخالف لميثاقه. فليس من صلاحيات مجلس الامن البحث بالشؤون الداخلية للدول الاخرى. وما يجري في سوريا من قمع الحكومة لعصابات مسلحة- مهما كانت الشعارات التي ترفعها – يعتبر من صميم السلطان الداخلي لها.
امر جميل ان تحل الخلافات بين الدول وفق مبادئ العدل والقانون الدولي، وان تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع اعضائها. ولكن الواقع يقول، ان امريكا اول واكثر المخالفين للقانون الدولي، فامريكا اعتدت على سيادة واستقلال 45 دولة عضو في الامم المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وهي اليوم تعطي لنفسها حق اسباغ الشرعية على هذا الرئيس او ذاك، وهذا تدخل سافر بالشؤون الداخلية للدول. والرئيس الذي لايرضخ لارادة امريكا ولايتحول طوعا الى ماسح احذية لدى وزارة الخارجية الامريكية تعمد لمعاقبته كما لو ان رؤساء الدول اجراء يستأجرون حكم بلادهم من السيد الامريكي. اما ان تقتل الرئيس المتمرد بالسم كما حدث لعبد الناصر وبعده لياسر عرفات. او تحرض عليه احد افراد اسرته وتقتله بعقر داره كما حصل للملك السعودي فيصل. او تحاكمه وتعدمه على يد اعوانها من اهل البلد مثل صدام حسين وبعده معمر القذافي. او تجبره على التخلي عن السلطة والرحيل عن بلده كما فعلت بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح. او تحرض عليه عملاءها وتقتله وتمثل بجثته في الشوارع كما حصل للرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو. او تغزو بلاده وتعتقله وتحاكمه في امريكا وتسجنه مثل رئيس بنما نورييغا. او تجبره على الاستقالة تحت طائلة التهديد بانقلاب عسكري كما حصل لرئيس وزراء تركيا اربكان. او تمزق بلده، وتعتقل رئيسها وتنقله الى المحكمة الدولية وتغتاله هناك مثلما فعلت مع الرئيس اليوغسلافي سفابادان ميلوشفيج. وبالتالي، تنشأ ضرورة دولية لاتقبل التأجيل وهي: انشاء منظمة دولية جديدة لحماية استقلال الدول من الاعتداءات الامريكية التي تشارك بها الامم المتحدة اما بمنح امريكا الغطاء القانوني، او بالصمت على جرائمها بحيث بتنا نشعر بان هذه المنظمة مجرد قطعة قماش تمسح بها امريكا مؤخرات الشعوب المنكوحة.
الامم المتحدة منظمة تجاوزها الزمن، هذه المنظمة تحولت الى سوق قانونية لتجار العبيد تجري فيها المفاوضات بين الدول الكبرى لاقتسام العالم غير ابهين بمصالح شعوب الارض. مهمة الامم المتحدة هي اقناع الدول الصغيرة بضرورة احترام مصالح الدول الكبرى، المنتصر في الامم المتحدة ليس صاحب الحق، بل مصالح الدول الكبرى التي تؤيد ذلك الحق. والحق الذي لايخدم مصالح الدول الكبرى لن ينتصر في الامم المتحدة والمثال الفلسطيني خير شاهد على ذلك. والرهان على اصلاح الامم المتحدة الحالية غير مجد لان ميثاق الامم المتحدة يجعل من تغيير اي شيئ فيه امرا مستحيلا.
الفصل الثامن عشر: في تعديل الميثاق
المادة 108
(التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء "الأمم المتحدة" إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء "الأمم المتحدة" ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة.
المادة 109
يجوز عقد مؤتمر عام من أعضاء "الأمم المتحدة" لإعادة النظر في هذا الميثاق في الزمان والمكان اللذين تحددهما الجمعية العامة بأغلبية ثلثي أعضائها وبموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن, ويكون لكل عضو في "الأمم المتحدة" صوت واحد في المؤتمر.
كل تغيير في هذا الميثاق أوصى به المؤتمر بأغلبية ثلثي أعضائه يسري إذا صدق عليه ثلثا أعضاء "الأمم المتحدة" ومن بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وفقا لأوضاعهم الدستورية).
هذا يعني، استحالة اجراء اي تعديل على ميثاق الامم المتحدة لانه يشترط موافقة جميع الدول التي تمتلك حق الفيتو. وبما ان لامم المتحدة شكلها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية وفصلوه حسب مصالحهم، يكفي ان ترفض فرنسا او انكلترا التعديلات حتى يلقى برأي بقية العالم الى المزبلة بعد ختمها بختم الامم المتحدة.
هل علمتم لماذا مزق الشهيد معمرالقذافي ميثاق الامم المتحدة ورماه بوجوههم اثناء الخطاب الذي القاه هناك؟ لانه كان يدرك ان الامم المتحدة بصفتها الحالية ليست سوى القيادة العامة لعصابة دولية تقترف جرائمها تحت غطاء قانون صاغه اللصوص الكبار لنهب الشعوب الاخرى تحت شعارات براقة.
التأويل الامريكي للقوانين الدولية
كثيرا ما يأخذنا العجب ونحن نستمع الى خطابات المسؤولين الامريكيين حول مخالفة هذه الدولة او تلك لميثاق الامم المتحدة، والادعاء بان امريكا تعمل بالميثاق. وبنفس الوقت، الجهة الاخرى تتهم امريكا بخرق ميثاق الامم المتحدة.
فتعالوا نطلع كيف يؤول الامريكيون القوانين الدولية.
الفصل السادس: في حل المنازعات حلاً سلمياً
المادة 34
(لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي).
نظرة متفحصة الى هذه المادة المطاطية تجعل ابليس يشعر بالضعف امام دهاء من صاغها.
بموجب هذه المادة اصبح اي نزاع داخلي بين اطياف المجتمع، او اي موقف لدولة ما من مشكلة ما وسيلة لتدخل الامم المتحدة بشؤون تلك الدولة وارسال اساطيل الاطلسي لتدميرها. فاي معنى للامم المتحدة سوى انها هيئة دولية تمنح الغطاء القانوني لاخضاع الدول الاخرى للهيمنة الامريكية؟
موقف سورية المعارض للهيمنة الامريكية والاملاءات الاسرائيلية فسرتها امريكا (حسب المادة 34) على انها قد تؤدي الى احتكاك دولي مع اسرائيل او تركيا او قطر او السعودية او الاردن او لبنان، يعني نحن محاصرون وعلينا ان نحذر الف مرة من في التعامل مع دول الجوار التي تدعم الارهاب حتى لانقع تحت طائلة المادة 34. وحسب رأي امريكا، فان هذا النزاع قد يعرض السلم والامن الدولي للخطر. وهكذا، جهزت الخطوة الاولى لحفظ السلام العالمي من التهديد الذي يمثله الموقف السوري، واعطت لنفسها الحق بالتدخل في شؤونها الداخلية بما في ذلك تمويل عمليات الارهاب والذي يجب ان يتوج بفرض عقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
وبرأينا، ان الهدف من التمثيليات والحركات البهلوانية الاردوغانية هو تحويل المشكلة الداخلية في سورية الى مشكلة اقليمية للادعاء بانها صارت تهدد امن المنطقة. اي، لايقاعها بفخ الفصل السابع. فقد رأى الامريكيون بان اندلاع حرب بين سوريا واسرائيل ليس في مصلحتهم فقرروا تكليف اردوغان بلعب هذا الدور.
الفصل السابع: فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان
المادة 41
(لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية).
هذا ماقامت به الامم المتحدة في الشأن العراقي وبعده الليبي والذي ادى الى تدمير العراق وليبيا واحتلالهما تحت رايات الامم المتحدة. اما بالنسبة للشأن السوري، فان الامم المتحدة لم تتخذ هكذا قرارات ولكن امريكا واوربا فرضوا تلك (العقوبات) على سوريا بشكل احادي، فاي معنى لرفض او تأييد مجلس الامن اذا؟
المادة 42
(إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة").
وهنا ايضا لابد من الاشارة الى ان مجلس الامن رفض التدخل العسكري في العراق لكن امريكا وحلفاؤها هاجموا العراق ودمروه واخرجوه من التاريخ دون تفويض من الامم المتحدة، فما معنى رفض او موافقة هذه المنظمة؟ ولماذا لم تحاسب الامم المتحدة امريكا على خرقها سيادة دولة عضو فيها؟ وعلى جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبتها، وعلى تخليها عن واجباتها بحفظ الامن كما تنص عليه القوانين الدولية؟ التهديدات الامريكية الحالية لسوريا تاتي بعد فشل العقوبات الاقتصادية وبما ان مجلس الامن لم يوافق على غزو سوريا قررت امريكا وانكلترا وفرنسا وايطاليا وتركيا والمانيا التصرف ضد سوريا بدون موافقتها. ياسلام، دول الاستعمار القديم حاولت ان تخفي مطامعها تحت علم الامم المتحدة ولما فشلت بذلك اسفرت عن وجهها الاستعماري القبيح ضد سوريا.
المادة 45
(رغبة في تمكين الأمم المتحدة من اتخاذ التدابير الحربية العاجلة يكون لدى الأعضاء وحدات جوية أهلية يمكن استخدامها فوراً لأعمال القمع الدولية المشتركة. ويحدد مجلس الأمن قوى هذه الوحدات ومدى استعدادها والخطط لأعمالها المشتركة، وذلك بمساعدة لجنة أركان الحرب وفي الحدود الواردة في الاتفاق أو الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة 43).
وبما ان هذه الامكانيات غير متوفرة الا لدى عصابة حلف شمال الاطلسي بزعامة امريكا، فهذا يعني ان مجلس الامن اصبح السند القانوني لشرعنة الاعمال الاجرامية والغير انسانية التي ترتكبها امريكا وحلفاؤها من دول الاستعمار القديم بحق الشعوب. اذا جاءت قرارات الامم المتحدة في مصلحة امريكا واسرائيل فيجب تنفيذها بالقوة، اما اذا جاءت ضد مصالح امريكا واسرائيل فلا تنفذ.
وبالتالي، تبرز الحاجة الملحة الى انشاء منظمة اممية جديدة تتلائم مع طبيعة الانسان الفطرية القائمة على حب الخير للاخرين، الايثار، التعاون على اساس المنفعة المشتركة، احترام الاخر لمجرد انه واجب انساني وليس لتحقيق مصلحة آنية. وينظر فيها للانسان على انه رزمة روحية- اخلاقية بالدرجة الاولى وليس رقما في حسابات الاغنياء.
طبعا، سيقولون بانني احلم، واطمح باشياء خيالية. هذا صحيح، ولكن يجب ان لاننسى بان اعظم الاشياء بدأت بخيال انسان حالم.