دائماً ما أترك التلفاز مكتوم الصوت، واتابع بين الفينة والآخرى ما يكتب بالخط العريض حول الآخبار الرئيسية، لفت انتباهي على أحدى المحطات التي كتبت: جبهة النصرة وأخواتها تنشط على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا والجيش العراقي يرسل تعزيزات إلى الحدود. راجعت الأحداث الكثيرة التي وقعت للعراق، ملايين الناس قتلوا، تشرودا وهجروا، والجوع فتك في معظم شرائح ساكني هذا البلد الغني بكل معنى الكلمة، بكذبة بسيطة وزجاجتين صغيرتين من دبلوماسي اميريكي يقول: لقد ثبت لدينا أن العراق يملك اسلحة كيميائية خطيرة ولا بد من انتزاعها، وسنعطي العراق وشعبه الحرية والديمقراطية.. قالوا كلاماً كثيراً ورديا قبل اجتياح العراق بأكثر من مئتي وخمسين ألف جندي بكامل عتادهم، دكوا العراق دك، قتلوا وعذبوا واغتصبوا ونهبوا.. كان العراق عبرة لكل العرب.. بطريقة الحرية والديقراطية الغربية، حرية القتل والسفك والهتك.. ديقراطية السفالة والنذالة والضعة.. كلنا اكتشفنا الكذب الذي سبق الحرب على العراق، وكلنا شاهدنا كيف تدمر العراق وماذا حدث بأهله، وماذا كانت النتيجة؟ لم نتعظ، ولم نفهم الدرس.. أعلام سوداء ولحى كثة طويلة ووجوه غريبة عن الحق والحقيقة تحمل أسلحة مختلفة تقاتل من أجل لا شيء، لا شيء أبداً، ولكنها تقاتل، لتمُيت وتموت.. إذا قَتَلوا فالمقتول بعرفهم إلى جهنم، وإذا سقطوا هم قتلى فإلى الحوريات وأنهار خمر وعسل.. كم وضيع هذا التوصيف.. كم سفيه هذا الذي يحدث.. كم أخجل عندما أتذكر أنني عربيّ ابن عرب.. ملوك الخطابة نحن، وملوك الانتصارات التي عافها الزمن وردمها تحت ألف ألف حدث جلل، وما زلنا نعتقد أننا أهل المكارم، وأهل الناصية العالية، وعندما يأتينيا أحدهم من الغرب بطائرته لساعات قليلة ثم يرحل بنفس الطائرة يقلب الدنيا كلها رأساً على عقب، ما إن تمضي تلك الطائرة حتى تشتعل سمائنا بالحروب ولكنها دائماً حروب بين بعضنا البعض.. حروب نقتتل فيها على من هو أحق بالإسلام، وعلى من هو أحق بالشريعة، وفلسطين ما زالت بكتبنا المدرسية باقية.. وما زلنا كأطفال نردد بكل غباء: فلسطين داري.. ودرب انتصاري.. لماذا نُصرّ على السيف ونحن أقصى فعلنا تدليك النهود؟! لا يمكن أن ينتصر قائد في هذه المنطقة، ولا قضية، فنحن شعب تعودنا العبودية.. تعودنا الهزيمة، تعودنا أن نخون الصلب القاسي القوي العفيف حتى يلين.. بل ويذوب.. نخلق للحق ألف ألف معارض، وللسلام بيننا ألف ألف سهم يغدر به.. في يوم الأرض، الغوا هذا اليوم.. لأنه يجب علينا أن نفهم أن كل يوم من أيام حياتنا هو يوم للأرض..