الكاتب: ناجي صفا
فشل القسم الأكبر من سيناريوهات الحرب الأميركية ـ الإسرائيلية ـ الغربية ـ الخليجية ـ التركية ـ الكونية على سوريا "باظت" الواحدة تلو الأخرى، رغم المحسنات التي لجأ اليها الأميركي كلما فشلت خطة من الخطط، كما يفعل الطهاة عادة لتحسين عناصر الطبخة، فيستخدمون المنكهات لتغيير الطعم، او لتحسين شروط قبولها من المستهلك.
لا يعود ذلك الى أخطاء في منهجية التفكير والتخطيط فحسب، وانما الى خلل في قراءة البنية السورية من جهة، والى سوء تقدير موازين القوى والتحالفات المقابلة التي قررت منذ البداية انه ممنوع سقوط سوريا من جهة اخرى. مهما بلغت التضحيات، فإختلطت الأمور بين القدرات المتاحة والظروف المتغيرة.
المشكلة الآن التي تواجه أصحاب المشروع تفرعت الى عدة مشاكل :
المشكلة الأولى هي في الإنتصارات المتتالية التي يحققها الجيش العربي السوري بما يقطع الطريق على اية إحتمالات لتعديل موازين القوى على الأرض.
المشكلة الثانية هي في المصالحات التي يجريها النظام بالتعاون مع بعض وجهاء المناطق والشخصيات بما يضيق مساحات التحرك امام المسلحين، ويوسع مساحات الإلتحاق بالدولة.
المشكلة الثالثة هي في انحسار قدرات ما يسمى بالمعارضة "المعتدلة" لحساب أفرع القاعدة المختلفة من "داعش" الى "جبهة النصرة" وغيرها من الفروع الأخرى الملتحقة بهما، في حين يزداد اضمحلال ما يسمى ب "الإئتلاف المعارض" و " الجيش الحر" وصولا الى الذوبان.
المشكلة الرابعة هي في الحيوية التي ظهر عليها المجتمع السوري إبان تسوية حمص وانسحاب المسلحين، والتي عبر عنها بمستوى عال من التكاتف الإجتماعي والديني تمثل بالمشاركة الإسلامية ـ المسيحية في تنظيف مسجد خالد ابن الوليد في حمص بما له من رمزية خاصة، والمشاركة المسيحية ـ الإسلامية في صلاة الجمعة.
المشكلة الخامسة هي في إصرار الدولة والشعب على إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها وفي اغلب المحافظات بما فيها تلك المحافظات التي يقع جزء منها تحت سيطرة المسلحين، رغم الضغوط الأميركية والأوروبية لعدم إجراء الإنتخابات او تأجيلها في احسن الظروف، ورغم العرض الأميركي بالتمديد للرئيس الأسد لمدة عامين على ان تجري الإنتخابات بعد ذلك، وحيث فشلت كافة الوساطات التي قامت بها الإدارة الأميركية مع الإيرانيين والروس وغيرهم في ثني الرئيس الأسد عن الذهاب بالإنتخابات الى النهاية.
المشكلة السادسة هي في ازدياد الخوف الغربي من عودة الإرهاب الى مصادره الأولى بعد الكشف عن آلاف المسلحين الذين ذهبوا من 14 دولة اوروبية الى سوريا، ويلعبون الآن لعبة عودة الطيور المهاجرة الى بلاد المنشأ، وما قد يستتبع ذلك من احتمال قيامهم بأعمال إرهابية بعد عودتهم وإكتسابهم للخبرات القتالية.
المشكلة السابعة هي في سقوط المشروع الأردني ـ الإسرائيلي في محاولة إسقاط دمشق انطلاقا من البوابة الجنوبية في درعا والقنيطرة ووصلا الى الغوطة وبدء ترددات هذا الفشل على الأراضي الأردنية نفسها بما بات يهدد النظام الملكي في الأردن.
المشكلة الثامنة تبدت في عجز ادارة اردوغان عن تثمير الهجوم الذي خطط له ودعمه في مدينة كسب لتشتيت الجيش السوري من جهة وتوسيع بقعة الزيت لتطال المناطق الحساسة في الساحل السوري.
المشكلة التاسعة هي في عدم قدرة الإدارة الأميركية على تزويد ما تبقى من معارضة بالأسلحة القاتلة خشية وقوعها في ايدي القاعدة بتفرعاتها، وان كانت قد افرجت عن عدد من صواريخ " تاو" الأميركية المضادة للدبابات، لكنها رفضت اعطاء المعارضة صواريخ مضادة الطائرات التي لعبت دورا اساسيا في تعديل موازين القوى خشية وقوعها ايضا بيد المسلحين التكفيريين.
ستحاول الولايات المتحدة الآن التشويش والطعن بإنتخابات الرئاسة، وربما تسمح ببعض صواريخ " تاو" عبر المخازن السعودية وتحت إشرافها المباشر للحفاظ على حد ادنى من التوازن في الشمال السوري منعا لإستكمال الحسم الإستراتيجي، وتمهيدا لإعادة البحث مجددا في إحياء مؤتمر جنيف وجر النظام الى طاولة المفاوضات.
يبدو الأميركي الآن أشبه برافع الأثقال الذي أصيب بالترهل، فلم يستوعب تضاءل قدراته، وانه لم يعد يستطع رفع الأثقال التي كان يرفعها عندما كان في مقتبل العمر،
وفي نفس الوقت لم يستطع هضم الهزيمة التي تعرض لها والتي تستوجب علاجا سيكولوجيا يقنعه بتبدل الأحوال والقدرات.