.jpg)
يُنهي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اليوم ولايته الدستورية، وينضمّ الى نادي الرؤساء السابقين ويصبح عهده تحت مجهر النقد والقراءة الهادئة البعيدة عن الاصطفافات القائمة والانقسام السياسي التقليدي، الذي تشهده البلاد منذ آذار 2005.
في الإمكان القول إنّ الظروف التي جاءت بالعماد قائد الجيش الى الرئاسة عام 2008 لا تزال قائمة. واضيفت اليها ابتداء من العام 2011 تعقيدات الاقليم والازمة السورية.
وبهذا المعنى، يمكن تقسيم العهد المنصرم الى قسمين: ثلاث سنوات للتوافق او بعناوين وفاقية، وثلاث سنوات انحازت كانت الرئاسة خلاها لمصلحة فريق ضد آخر، وتحديداً في الخيارات الاقليمية والسياسة الخارجية والموقف من سوريا.
جاء سليمان بعد احداث أيار 2008 و»اتفاق الدوحة». بدأ العهد «السليماني» بشيء من الضعف واشعار القوى السياسية كلها بالحاجة اليها، حتى أنّ البعض كان ينقل عن الرئيس قوله: «إذا اتخذتُ هذا الموقف ستنزعج قوى 8 آذار، واذا اتخذتُ ذاك الموقف ستنزعج قوى 14 آذار».
وانطلاقاً من هذه المعادلة وجدت الرئاسة أنّ الغياب وعدم اتخاذ الموقف المناسب ومسايرة القوى السياسية والانقسام الحاصل في البلاد أفضل طريقة للحكم! مع أنّ هذه الصيغة أو المعادلة أفقدَت رئيس الجمهورية جزءاً من صلاحياته وقدرته على القرار.
البعض يبرّر هذا الامر بمفردة «التوافق»، وبهذا المعنى يحاول القول انّ السياسة التوافقية لأيّ رئيس جمهورية تعني عدم اتخاذ موقف. وهذا مَساس بصلاحيات الرئاسة والموقع والدور والشخص ايضاً. وهذا البعض «الناقص» من المستشارين، او الموظفين، كان يحاول تزيين الاشياء أمام «الحاكم» فقط لكي يحافظ على منصبه او يرضي صاحب القصر بمحاولة إفهامه أنّ التوافق يعني الضعف وعدم اتخاذ القرار ومسايرة الجميع على حساب الدولة والمصلحة الوطنية والدستور وصلاحيات الرئيس.
بعد العام 2011، انتقل رئيس الجمهورية من الموقع الوسطي التوافقي الى منطقة «اتخاذ الموقف». فكرة «النأي بالنفس» التي اجترحَها ورئيس الحكومة يومذاك نجيب ميقاتي كانت تعني في مكان ما مسايرة الهجمة الكونية التي تتعرّض لها سوريا ومن المنطقي أن تصيب لبنان. هنا بدأ الضعف مجدداً. لبنان ليس في وسعه النأي بنفسه عن أحداث من المفترض انها تصيبه في الصميم.
وبالتالي، اصبحت سياسة «النأي بالنفس» تعني ترك البلاد مفتوحة لتداعيات الازمة السورية، والوقوف الى جانب فريق وموقف فريق ضد فريق آخر. والمصلحة اللبنانية كانت تقتضي عملياً أن يرفض رئيس الجمهورية ولبنان كل الهجمة التي تتعرض لها سوريا.
ظهرت الرئاسة في لحظة «اتخاذ القرار» وقد انحازت الى فريق ضد فريق بنحو أفقدها ما تبقّى من قدرات وجعلها على صدام مع الخيارات السياسية التي تصبّ في مصلحة البلاد بمعزل عن رغبات القوى الاقليمية والدول العربية التي بدأت تغازل سليمان وتغدق عليه الوعود.
ربما راهنَ رئيس الجمهورية على سقوط النظام السوري ورتّبَ مواقفه بناء على هذا المعطى… لكنّ التحولات السياسية والعسكرية التي حصلت في سوريا كانت كافية ليُعيد الرئيس قراءة مواقفه وخياراته، وعلى رغم ذلك اندفع في الصدام مع «المقاومة» بنحو أخرجه من منطقة التوافق او حتى الخصومة الى منطقة العداء!!
القوى التي ساندها سليمان ووقف معها لم تتضامن معه ولم تمضِ معه في المعركة حتى النهاية وشاركت في حكومة الرئيس تمام سلام الى جانب «حزب الله» بلا شروط، وعليه خسرت الرئاسة التوافق والخصومة «النظيفة» وتحوّلت في الاشهر الثلاثة الى منصّة انتقادات ومواقف كانت في غنى عنها لو أرادت فعلياً الاستمرار في منطق التفاهم والتوافق ورعاية الحوار بين اللبنانيين.
كثيرون راهنوا على عهد سليمان لكي يعيد إنتاج «الشهابية» بمعناها العصري والحديث. لكنّ الرئيس خيّب أملهم وانصرف الى منطق تبرير الضعف تارة، واتخاذ المواقف الدونكيشوتية تارة أخرى. وفي الحالتين كان الفشل صفة العهد البارزة مهما حاول بعض الموظفين في القصر تزيينه وتقديمه على أنه «سياسة». وداعاً للفشل.
الجمهورية