– أيمن عقيل
أخيراً، وجد الإسلام "الرسمي" فرصته وربيعه المهدوي الموعود. كان قد انتظر طويلاً فرصته هذه، وفي أثناء ذلك الانتظار أودع المجلّدات أحلامه وخططه "النهضوية"، وباعها لعشيرته وعوداً بالغة الصواب وعصيةً على التشكيك. وعندما أتى الربيع العربي المنتظر، حارب كتفاً بكتف مع طائرات الناتو في ليبيا، أرسل طلب صداقة (add friend) دبلوماسي إلى "إسرائيل"، وأوغل في الاستزلام للنفط. سقط مدوياً هذا الانتظار الطويل الذي قارب القرن من الزمن. سقوطه المدوي عرّض للخطر نموذجاً حضارياً بأكمله، لطالما اعتُبر قدرٌ لا فكاك منه للشرق الأوسط.
مقابله، نسخ إسلامية تصارع الآن هذه الخُلاصات الحضارية الشاملة، التي قد يخرج بها جيل كامل لوّعته مشاهد الدماء والاغتصاب والهمجية المضمخة بديكورات مكوّنة من شعارات ورايات إسلامية. هذه النسخ لا يمكن أن تكون بديلاً بالمعنى الواسع للكلمة، هي أقرب إلى أن تكون رديفا "أكثر" نصاعةً كما تزعم، تصارع هذه النسخ طواحين هوائية: يظن كثيرون. يجزم هؤلاء أنّ المزاج الثقافي والحضاري لا يمكن التعاطي معه إلا بمنطق الجملة وليس عقلية المفرّق بتاتاً!
معنى هذا أنّ النسخة الرسمية هي فقط من سيحدّد مصير فاعلية الإسلام وجاذبيته في بيئة الانتشار الإسلامي. هذا المنطق لا يقنع بالضرورة من يصرّ على أنّ هناك متسعاً للرديف الإسلامي المغاير. حسناً، لا نملك إلا الانتظار. في خضمّ ذلك، صاعق ومثير للدهشة غياب "البديل" الحضاري بشكلٍ تام.
أين مشروع العلمنة وروّاده؟
صعبٌ أن تقع على صحيفة أو مقهى "ثقافي" أو منتدى أدبي دون أن تتعثّر بذائقة خارج السياق الديني السائد. يُقال عادةً أنّ هذه النخب تائهة، هائمة على وجهها، وهي لم تتوقف أبداً عن البحث عن شعبٍ وجماهير… وربما مموّل أيضاً. هذا الأخير توقف عن عادته المالية التي داوم عليها في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، يتمتمُ: الضرب في الميت حرام.
في المفهوم العام "جداً" للعلمنة، نستطيع أن نتوقعها في سياقات قومية، يسارية، ليبرالية، وغيرها. في حسابات تبسيطية للواقع سيتوجب علينا أن نراهن على هذا النوع من الخيارات للخروج من مأزق الانشطارات العامودية التي تتناهبنا. في جردة هذه الحسابات التبسيطية سيعدّد أحدهم دون شك: لدينا أحزاب علمانية مرخّصة، لدينا مقرات حزبية (مكيّفة)، لدينا تاريخ نضالي، لدينا نظريات وفلسفات ومطارحات نقدية صلبة، لدينا يافطات،… ماذا ينقص يا ترى؟ ينقص شعب ومحازبون فقط، مجدداً.
في لبنان مثلاً، ينقص أنّ تجربة الأحزاب والتيارات العابرة للطوائف فشلت بالضربة القاضية أمام الأحزاب الطائفية والجهوية. حتى تجربة التيار الوطني الحر لم يكتب لها أن تستمر إلا بنسختها المسيحية المحضة، وهي التي انطوت دائماً على بُعد وخطاب وطني مضمر. نستطيع أن نقدّم إجابات مشابهة عندما نسلّط السؤال على الواقع العربي عموماً، وما حدث ويحدث في العراق مؤشر إضافي بالغ الدلالة. هناك، لم تستوِ ولم تستقر فكرة "الدولة" إلا في بطون الكتب ومتون الدساتير أما في اللاوعي الجمعي، حيث يجب أن تكون، فلم يتكاثر إلا المنطق العشائري والطوائفي… والرمال.
أمةٌ لا يجتمع شملها إلا على مذاهبها، ولا تشعر بالدفء إلا بتسعير أحقادها الدفينة. أمةٌ لا تشعر برجولتها إلا أمام مذبح ربٍّ يأمرها بالذبح والغزو وتدير أذناً صمّاء خوفاً من الخنوثة، متى ما أمرها ربٌّ بالصفح.
هل انتهى كل شيء؟
ـ نعم.
هل سيبدأ شيءٌ ما قريب على أنقاضه؟
ـ ربما، لينقشع الغبار وكثبان الرمال أولاً
سلاب نيوز- القلم !