( فلاديمييرنابوكوف) ابن لعائلة ارستقراطية روسية قديمة، عاش بداية حياته برفاهية واستقرار وكان غير مبال للمستقبل الذي «ينتظره» خاصة بعد اغتيال والده الذي كان يعتبر معارضاً للثورة والنظام الذي أفرزته الثورة البلشفية وكان ذلك في العام «1922» بعد أن كان رحل مع عائلته إلى برلين في عام «1919» ومن هذه الحادثة بدأت حياة الابن نابوكوف تأخذ منحنى آخر أكثر جدية وإحساساً بالمسؤولية في وطن بعيد عن وطنه الأم.. بعيداً عن مدينته ومسقط رأسه «سانت بطرسبورغ» والذي لم يتسن له العودة إليها طوال حياته
لم يكن «نابوكوف» معارضاً سياسياً بالمعنى الحرفي للمعارضة ولكن إذا ما شاءت الظروف أن يرتحل عن وطنه «الأم» فإن أكبر أمنية له هو أن يعيش بهدوء وسلام منصرفاً إلى عمله الأكاديمي والكتابي وهوالذي أتقن ثلاث لغات هي الروسية والانكليزية والفرنسية، وإذا ما عرف الإقامة في أكثر من بلد أوروبي فإن الحال سيستقر به أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية حيث عاش معظم حياته ولكنه بقي روسياً يتبنى الثقافة الأميركية وقبل ذلك كان قد نشر بلغته الأم أكثر من عمل أدبي ولكنه لم يكن ليعرف الشهرة فقد كان لا يزال في بداية الطريق.
? درس «نابوكوف» في مدينة لندن وفي جامعة كامبريدج الشهيرة الأدبين الروسي والفرنسي ونال شهادته الجامعية من كامبريدج وبدأ حياته العملية ناشراً لبعض القصص والقصائد وذلك من أجل متابعة معيشته إضافة إلى ترجمته لبعض الكتابات الأدبية إلى لغته الأم ونشرها في صحيفة روسية هي «الدفة» تلك الصحيفة التي ساهم والده في تأسيسها قبل اغتياله وبدأ بنشر أعماله تباعاً فكانت أول رواية نشرها بلغته الأم الروسية بعنوان «ماشينكا» ونشرها في برلين ضمنها حنينه عبر شخصياته إلى وطنه، وقد حملت روايته المنشورة بالروسية توقيعاً مستعاراً هو «ف1 سيرين» وحلل النقاد هذه الرواية ودرسوها نقدياً وتوصلوا إلى نتيجة أن «نابوكوف» يريد ايصال رسالة إلى مواطنيه مفادها «لاتنسوا روسيا، لكن لا تنتظروا منها أن تعود هكذا، تحركوا واعملوا». كما نشر رواية أخرى بالروسية هي «الملك، والملكة والولد» ورواية ثالثة هي «الدفاع».
? ولعل الأهمية الكبرى لأدب وحياة هذا الأديب الروسي الذي أصبح مواطناً أميركياً منذ العام /1945/ وأخذ يكتب أدبه باللغة الانكليزية وشغل بين عامي /1948و 1958/ مركز استاذ الأدب الروسي في جامعة«كورنيل» في نيويورك وخلال تلك السنوات كان يكتب روايته الأشهر «لوليتا».. تلك الرواية التي رفضتها في البدء أربع دور نشر ولكنها ستعرف لاحقاً طريقها إلى النشر وستأخذ مكانها ومكانة مؤلفها على أنه واحد من أهم عشرة كتاب روسيين في القرن العشرين.
? كان «نابوكوف» في الستين من عمره حين نجحت روايته «لوليتا» وجعلته غنياً ما دفعه إلى التوقف عن ممارسة مهنة التعليم والتفرغ كلياً للكتابة وذلك العام 1955 وقد ترجمت هذه الرواية لأكثر من لغة ومنها العربية إضافة لترجمة أكثر أعماله ليصبح من مشاهير أدباء العالم، وكان قد قضى السنوات الثماني عشرة الأخيرة من عمره في عزلة تامة مقيماً في فندق «مونترو» حين استقر في سويسرا ورحل وهو في هذه العزلة في ذاك الفندق بتاريخ 2 تموز 1977 .
( بتصرف عن جريدة تشرين )
محمد عزوز