عطفاً على المقال السابق الذي تناولت فيه مبادرة الولايات المتحدة الأميركية حول إعادة بناء الشرق الأوسط الكبير، فقد دفعت الإدارة الأميركية مبادرتها ودافعت عن أفكارها "الملائكية" الخبيثة لكنها ظلّت متمسكة بالفصل بين مسار مبادرة تغيير المنطقة وبين مسار الصراع العربي الصهيوني. عبثاً حاول بعض الأوروبيين إدخال تعديلات جوهرية من مثل إشراك دول المنطقة في صياغة مستقبلها, وفشل الأوروبيون في صياغة مبادرة خاصة بهم أو بديلة عن المشروع الأميركي الخبيث. الغريب في الأمر –المبادرة- لا بل المستهجن، أنّ الإدارة الأميركية زجّت بإدارة حلف الناتو كطرف هام في دفع "المبادرة الإصلاحية", مع أنّ هوية ووظيفة ودور الحلف لها طابع عسكري قمعي يهدد شعوب العالم, فيما المبادرة توحي بأنّ العمل سياسي ديمقراطي إنساني بحت..!! متابعة تداعيات المشروع في حينه لم تكن واضحة تماماً، فيما سلّطت أحداث الربيع العربي الدموي الضوء على دور الناتو بعد الجرائم والكوارث والتداعيات غير المنتهية التي ارتكبها الحلف في ليبيا، والمشهد لايزال قائماً ومستمراً فيما يدفع الليبيون ومن بعدهم العرب الأثمان والدماء.
ومن بين التداعيات ما قاله آنذاك "مارك غروسمان" مساعد وزير الخارجية الأميركية المكلف بالشؤون السياسية من أنّ الحلف يستطيع أن يدعم الإصلاح في الشرق الأوسط من خلال المساهمة في الأمن والإغاثة في الكوارث, والمساندة في مكافحة التجارة غير المشروعة في السلاح والمخدرات, ويومها اقترح غروسمان أنْ يكون الحلف مسؤولاً عن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة, كما اقترح أن يعمّق الحلف حواراته مع إسرائيل ومصر والأردن وتونس والمغرب وموريتانيا, وأنّ على الحلف أن يشارك في نقاشات الإصلاح المتعلقة بتغيير الشرق الأوسط.. "راجع السفير 6/3/2004).
ما أود التأكيد عليه أن المؤامرة التي تتعرض لها سورية ليست وليدة "أطفال درعا", ولا وليدة حراك شعبي يريد الإصلاح.. لأنّ أغلب إنْ لم أقل كلّ المطالبات التي أرادها الإصلاحيون الحقيقيون تم تنفيذها قبل وأثناء وبعد الحراك إياه.. وأنّ الحراك كان مطية استثمرته أوروبا وأميركا وأرباب الفتنة لتحقيق أمرين في غاية الأهمية, أولهما دفع إرهابيي أوروبا والعرب إلى سورية لتصفية ما يمكن تصفيته على الأرض السورية من جهة, وثانيهما إنهاك سورية وإضعاف جيشها واقتصادها وتمزيق شعبها وجغرافيتها لكي يسهل على حلف الناتو تدميرها باعتبارها العقبة الرئيس التي ستقف في وجه المشروع الأميركي الذي تجاهل الصراع العربي الصهيوني كلية في المشروع المطروح.
وثبت أن الشعب السوري الأكثر وعياً بين الشعوب العربية يدرك الحقائق وأبعادها, وقد اجترح مقولته السائدة الراسخة وهي إذا أرادوا بالفتنة أن يقتلونا, فبالوحدة الوطنية نقتلهم، وبها نقضي على أطماعهم في بلادنا على الرغم من الرياح الصفراء، التي هبت قبل الناتو.. وأثناء حملته على الشعب الليبي الغارق في دمه حتى هذه اللحظة، وبعدها، والتي أراد من هم أثاروها زوابع مجنونة للنيل من سورية, واجتثاث الجذور الضاربة في الأرض الطهور, لتلقي بنا على أرصفة السواد, في مدينة احتارت الشمس فيها من أي ثقب إبرة تشرق.. وأشرقت وها إشراقها يكتمل رويداً.. رويداً.. ففي سورية.. وعند أعتاب شعبها طوى المتآمرون أشرعتهم, وانقشعت الرؤى والرؤية, وبدأ السوريون بإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد وخارطة التوازن الدولي, وهذا ما اعترف به الرئيس أوباما في حديثه للصحفي الأميركي توماس ريدمان حين قال ما معناه.. إنّه من العبث- أو من الخيال- تسليح ما أسماهم المتمردين العلمانيين -ولم يشر إلى داعش- في هذا المقطع- ومحاربة دولة تمتلك تسليحاً جيداً من جهة وتربطها مع روسيا وإيران ودول وقوى أخرى على قدر من التدريب والتسليح..!!.
دمشق-الإعلام تايم