كشف موقع "فورين بوليسي" الأمريكي في تقرير له حول إمكانية أن تشنّ أمريكا هجمات ضدّ زعيم تنظيم داعش البغدادي، أنه منذ بدء لقصف الجوي على العراق في 8 آب لم تجرؤ واشنطن على شن هجوم يهدف تحديداً إلى قتل البغدادي أو أي من القادة الكبار في التنظيم، ويعود ذلك لغياب "التكتيك" في استراتيجية الحملة العسكرية الدولية بقيادة أوباما.
وفي خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كشف فيه عن حملته ضد الدولة اللا-إسلامية، أشار إلى أنها ستكون مشابهة للنهج الذي استخدم سابقاً في اليمن والصومال، وقال: "سنقوم بقتل لإرهابيين الذين يهددوننا، وفي الوقت نفسه سندعم شركاءنا في المنطقة".
ولكن وفقاً لمسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، فإن أيّاً من الضربات الجوية التي تمّت حتى الآن لم يستهدف "قطع رأس الحية" زعيم داعش البغدادي.
ويقال إن غارة جوية شنتها قوات التحالف في سبتمبر (أيلول) الماضي في مدينة الموصل، قد تمكنت من قتل أحد كبار مساعدي أبو بكر البغدادي، أبو حجر الصوفي، إلا أن الجيش الأمريكي لم يؤكد ذلك.
ووفقاً للمصادر المطلعة فإن المئات من مقاتلي الدولة اللا-إسلامية لقوا مصرعهم بعد شهور من قصف التحالف الدولي، ولكن لم يتم استهداف أي من قادة التنظيم.
ويلمح مسؤولون أمريكيون إلى أنه مع استمرار الضربات الجوية على معاقل التنظيم ستأتي الغارات التي ستستهدف قادة التنظيم وعلى رأسهم البغدادي، حيث قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية اللواء كرتس جي كيلوغ "لقد قلنا منذ بداية الحرب إنه يجب تعطيل قدرة داعش على القيادة والسيطرة، وبصفة عامة، أستطيع أن أُجزم أننا سنواصل الضربات الجوية في سوريا والعراق لحين القضاء على التنظيم".
وأكد المسؤول أن المسألة تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير، حيث يرجع ذلك إلى توفير الإمكانات والمعدات وطلب طائرات دون طيار للمراقبة والاستطلاع ، قائلاً: "الحرب على داعش في تطور مستمر وسنقوم بجلب المزيد من الموارد لدعم الجيش العراقي، وسنزيد تركيز ضرباتنا لاستهداف كبار قادة التنظيم".
ولكن، بحسب التقرير، فإنه على الولايات المتحدة أن تحدد أماكن وجود هؤلاء القادة وأولهم البغدادي، وذلك يتطلب الحاجة الماسة لوجود حملات عسكرية على الأرض أكثر من الضربات الجوية، فهناك ضرورة لتوافر معلومات دقيقة جداً وهذه المعلومات لن تتوافر بمجرد شن غارات جوية على أماكن تمركز عناصر التنظيم، فالقادة يميلون للتواجد في الأماكن السكنية حيث لا تكثر الضربات الجوية بسبب تمركز السكان فيها، مثل مدينة الموصل بشمال العراق، ما يعني أنه يمكن للغارة أن تخطئ وتصيب العديد من المدنيين.
ويقول أحد المحللين الاستراتيجيين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية توماس ساندرسون "تسعى الولايات المتحدة لبناء شبكات من العلاقات اللازمة لجمع الاستخبارات من خلال عناصر على الأرض في العراق وسوريا، ولكن هذا العمل صعب".
وأكمل "خلال الحروب السابقة التي خاضتها أمريكا في العراق وأفغانستان، كان ضباط الجيش الأمريكي يتمركزون في القرى والمدن، ويشرفون على مشاريع الأعمال المدنية، وهكذا تم بناء علاقات مع السكان المحليين الذين أبدوا استعدادهم لتبادل المعلومات".
ولكن تلك العلاقات التي بنيت في العراق خلال العقد الماضي لم تبقى على حالها عندما غادرت القوات الأمريكية في عام 2011، إذ مع رحيل الأمريكيين، غادر عدد كبير من الجواسيس البلاد أيضاً.
وكشف الموقع أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية ومسؤولين في الاستخبارات يحاولون إعادة بناء هذه الاتصالات الآن، ولكن على نطاق أضيق بكثير، وتحت ظروف مختلفة في العراق، فيمكن للجيش الأمريكي أن يعتمد إلى حد ما على مصادر استخبارية لقوات الأمن العراقية، إلا أنه في سوريا العلاقات تختلف.
إلا أن هناك استثناء وحيداً في سوريا وهو في البلدة الحدودية السورية-التركية مدينة عين العرب (كوباني) حيث تعمل الولايات المتحدة مع المقاتلين الأكراد السوريين هناك لتحديد أهداف داعش وقصفها.
وأكد ساندرسون أنه يجب القضاء على البغدادي حيق قال: "هناك حاجة ماسة لملاحقة البغدادي، فعندما تقوم بقتل الزعيم، سيتضاءل الخطر".
ومنذ بدء الضربات الجوية، تكيف عناصر داعش مع الوضع الجديد وباتوا يختبئون في المناطق والأحياء الأكثر ازدحاماً بالسكان، وقللوا من استخدامهم للاتصالات ولم يقوموا بأي تحركات كبيرة".
ويقول الخبير العسكري ديفيد جونسون، "لقذ دخلوا المدن واخبتأوا هناك، وهذا يجعل من الصعب جداً شن الضربات عليهم، كيف يمكنك قتلهم إذا لم تتمكن من العثور عليهم أولاً، فداعش يسيطر على مساحة كبيرة جداً مما يزيد من تعقيد استهدافهم دون قتل مدنيين".
ويقول خبير الإرهاب كولن كلارك، "ولكن حتى لو كان لدى الولايات المتحدة كل المخابرات والمعلومات التي تحتاجها، هناك تساؤلات حول الحكمة من هذا النهج".
وتابع "هناك نقاش طويل الأمد حول ما إذا كان هذا النوع من الضربات يزيد من تعقيد المشكلة أكثر من حلها، فغالباً ما يقتل المدنيون عن غير قصد، وهذا يرفع الدعم الشعبي لداعش".
وقال كلارك "في معرفة دور البغدادي داخل التنظيم يمكننا التركيز أكثر على مطاردته. هل هو العمود الفقري للتنظيم؟ ما هي آلية عمل التنظيم؟ من هم سماسرة السلطة الحقيقية؟ مع الإجابة عن هذه الأسئلة ستكون هناك فرصة كبيرة للقضاء على القادة الكبار في داعش ومنهم زعيمهم البغدادي".
وبحسب تقرير صدر أخيراً عن شركة معلوماتية أمريكية فإنه على الرغم من الكم الهائل من الدعاية والتحليل لداعش من بداية ظهوره عام 2011، إلا أنه من الصعب إيجاد معلومات حول قيادته وهيكلته.
وأضاف التقرير، أن البغدادي حاصل على موقف "السلطة دون منازع" وليس بحاجة إلى أن تكون لديه رؤية، فمجرد قوة نفوذه تكفي لفرض إرادته". وذكر التقرير أنه بالرغم من عدم معرفة مكان وجوده، إلا أنه يعتقد أن البغدادي يدير التنظيم من معقله في مدينة الرقة السورية، ويقضي بعض الوقت في الموصل في العراق.
ويرى الموقع أن فاعلية الضربات الأمريكية ضد البغدادي تعتمد جزئياً على مدى قوة وسيطرة قادته الآخرين، ومنهم نائباه أبو مسلم التركماني وأبو علي الأنباري، حيث يعرف أنهم كانوا ضباط في القوات الخاصة وأعضاء في الاستخبارات العسكرية.
وأشار الموقع في نهاية التقرير إلى قول كلارك إن "عدم نجاح ضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة حتى الآن باستهداف البغدادي يعود إلى نقص المعلومات الاستخباراتية التابعة للأجهزة الأمريكية، وافتقار خطة أوباما في الحرب على داعش للتكتيك السليم، وعدم وجود استراتيجية واضحة يسير على خطاها التحالف، فشن غارات عشوائية لم ولن يشكّل فارقاً كبيراً، ويجب على أوباما وضع خطة جديدة لاستهداف زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي أولاً، للقضاء على داعش".
عن سلاب نيوز