-
القلم –الدكتورة نادية الحكيم-..سورية مقيمة بتونس منذ20سنة
لم تمر تصريحات حسن نصر الله بامتلاك حزب الله لأسلحة تصل إلى ما بعد الجليل، مرور الكرام. بل أنتجت هزات ارتدادية عنيفة، أصابت الكيان الصهيوني بالهلع، وجعلته يتخبط في محاولة لاستباق الأحداث، ولاستدراج حزب الله للكشف عن ما في جعبته. مما دفعه كالعادة إلى القيام بعمل عسكري جبان. استهدف نخبة من قيادات الحزب، وبتواطؤ استخباراتي صديق ومعادي. قد تكون تصريحات حسن نصر الله هي المبرر المعلن لهذه العملية العسكرية ولكن لا شك بأن العدو الصهيوني قد أتقن توظيفها لإنجاز مخطط معد له مسبقا، وكان ينتظر فقط الذريعة المناسبة. إذ أن هناك الكثير من المستجدات السياسية التي أقضت مضجع الكيان الصهيوني وجعلته بعيد النظر في سياسة الترقب التي دأب عليها منذ بداية الحرب على سورية. ولعل أبرز هذه المستجدات هو التقارب الأمريكي الإيراني الذي يهدف للوصول إلى نقطة التقاء تحقق للطرفين مصالحهما في المنطقة، دون أن يتم تقديم تنازلات جوهرية تمس مواقفهما الثابتة من قضايا معينة (كالعلاقة مع سورية، أو الكيان الصهيوني مثلا). أما ثاني هذه المستجدات فهو التقارب الذي يلوح في الأفق بين حزب الله وتيار المستقبل في لبنان والذي قد يوحد الفرقاء اللبنانيين وبالتالي الأطراف التي تقف خلف كل منهم. الشيء الذي يسبب الصداع للكيان الصهيوني باعتباره يقتات دائما على فضلات التمزق العربي. أما ثالث المستجدات فهو بداية تحول الموقف الأمريكي من الشأن السوري والذي تجلى ببداية فك العزلة السياسية المفروضة على سورية ، من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الكويت ولربما مع دول الخليج لاحقا. عدا عن "مؤتمر موسكو" المزمع عقده والذي سيجمع أطراف المعارضة السورية أو بعضها بممثلي الحكومة السورية. إن ما قام به الكيان الصهيوني ليس إلا محاولة استدراج لحزب الله إلى مكان وزمان المعركة بهدف القيام بحرب استنزاف تهدف إلى الاستفراد به وإضعاف قوته باعتباره معاضدا شرسا للجيش السوري الذي لن يقف متفرجا أمام ما قد يتعرض له حزب الله وشعب لبنان، وهو تشويش على انتصارات الجيش السوري الميدانية كجزء من الحرب النفسية المسلطة على الشعب السوري الذي التفّ حول جيشه بالدعم والقتال، بدليل وجود أكثر من مئتي ألف مقاتل إلى جانبه يمثلون ما يمكن تسميته بالجيش الشعبي، مدرّب على حرب الشوارع والمدن، ومتمرس في عقيدته الوطنية والقومية. إن الشعب السوري وعلى مدى عشرات السنين لم تثبط عزيمته كل سياسات العزل والحصار والتجويع والتي بلغت أوجها في الثمانينات، بل وبالعكس استطاع أن يخلق من الحصار طفرة اقتصادية تمثلت في الاكتفاء الغذائي الذاتي، ونقلة نوعية في الصناعة الوطنية عدا عن التطور العلمي والثقافي الملحوظ، ولم تستطع كل الألغام التي زرعت في طريق تطوره وصموده أن توقفه عن مسيرة النهوض الاقتصادي أو أن تمس من مبادئه الوطنية والقومية، وكل ضربة كانت تتعرض لها سورية، كانت تزيدها قوة لأن "الضربة إن لم تصب في مقتل، تقوي" أما حزب الله القادم من عمق المقاومة، فلم يَبْنِ عقيدته من فراغ أو من الانفعالات أو النظريات العقيمة للنضال، فهو تيار جمع شرفاء المقاومة وفرض وجوده كقوة إقليمية يحسب لها ألف حساب، وفي إطار ما حدث مؤخرا فإنه هو من سيحدد الزمان و المكان و طريقة المواجهة التي تتناسب مع الظروف الحاصلة للرد على الاعتداء ردًا سيكون مؤلما بلا شك وما سيناريو حرب 2006 إلا دليل عن ذلك، ودخوله إلى جانب الجيش السوري في المعركة الدائرة على أرض الشام هو جزء من التزامه الأخلاقي تجاه الشعب السوري بأكمله، باعتباره الشقيق الأكبر للشعب اللبناني، وليس دفاعا عن فئة أو طائفة معينة كما تحاول أن توحي بذلك خفافيش الظلام. وهذه المعركة و بغض النظر عن حجم الدمار الذي تعرضت له سورية واقتصادها وبنيتها التحتية ، وبغض النظر عن المأسي التي يعانيها الشعب السوري سواء على أرض وطنه أو في مخيمات اللجوء، لكنها ستفرز جيلا جديدا قادرا على أن يعيد بناء ما قد تهدم. جيل واع بأن العدو الأول هو العدو الصهيوني، وبأن الانقسامات الطائفية التي يحاول أعداء الأمة النفخ فيها ليست إلا تناقضات بنيت على أسس هشة لا تمس عمق ديننا وعروبتنا. قد يتراءى للعدو الصهيوني بأنه قد كسب جولة بغارته الجبانة ولكن الواقع يقول عكس ذلك لأن هذا الهجوم وبقدر ما هو في ظاهره انتصار له باعتبار قيمة الشهداء الذين قَضَوْا، ولكنه في باطنه تصحيح لمسار المعركة باتجاه العدد الحقيقي وهو الكيان الصهيوني الذي يعلم تماما أن الجبان لا انتصار له، بل له وهم الانتصار، وعلى أرض الشام لا عزاء للجبناء ، وتذكير بأن المعركة الحقيقية والنهائية ليست مع أولئك الذين كانوا يوما ما إخوة في الدين أو في الأرض أو في العروبة ليتم فيما بعد تجنيدهم وتوظيفهم وغسل أدمغتهم لتحويلهم إلى سلاح مدمر بيد القوى الاستعمارية والصهيونية. ونحن إذ نؤبن الشهداء شرفاء الأمة ونترحم على أرواحهم الطاهرة، نعلم جيدا بأنهم لن يكونوا آخر الشهداء، فمازال أمام هذه الأمة الكثير من المعارك لتستعيد كرامتها ووحدتها، والنصر سيكون حليفها إن عاجلا أم آجلا. -