لماذا تتدخل تركيا بشؤون سورية والعراق
وغيره من الاسئلة يجيب عنها الاستاذ محمد محسن في مقاله بعنوان :
… مــآل التــدخل التـــركي في ســورية والعــراق
…………… هل جـاء للحــؤول دون الحـلم الكــردي فقـط ؟
…………….هل يهدف احتلال أراض في سورية والعراق ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل اندلاع الحرب على سورية وبعد اندلاعها ، كانت أحلام تركيا لاتقف عند حد ، فأولى أحلامها كان تنصيب حزب الاخوان المسلمين على رأس الدولة في سورية . لأنها تعلم أن من يمسك زمام الأمور في سورية يمسك بكلتا يديه بكل يسر زمام التحكم في المنطقة ، وهذا يأهل أردوغان لأن يتوج سلطان البر والبحر كما في الأساطير الهندية ، عندها فقط يسترضيه الغرب متمنياً عليه قبول دعوتهم لدخول الاتحاد الأوروبي ، بدلاً من استرضائه هو الاتحاد الأوروبي ، وبعد امساك السلطان بمفاتيح المنطقة بحسب فلسفة صديقه " أحمد داوود أغلو " عداوات صفر " ، يصبح اقتصاد المنطقة بين يديه ومن يمتلك الاقتصاد يقبض على مفاتيح السياسة .
وتعاظم حلم أردوغان بعد أن تبوأت " حركة النهضة " السلطة في تونس ، وهي نسخة غير منقحة عن حزب الاخوان المسلمين ، فكيف أصبح حاله بعد أن امتلأ ميدان التحرير بالقاهرة بالمطالبين برحيل مبارك ، وجيء بشيخ الفتنة " القرضاوي " من قطر ليصلي بالجموع الهادرة على أرض الميدان ، وبخاصة بعد أن أطلق شيخ الفتنة تصريحه الشهير بصفته رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ،" محرضاً على قتل الشعب السوري " يموت ثلث السوريين ومالو " ولكن كان وصول مرسي الاخواني إلى رئاسة الجمهورية المصرية ، هو بمثابة الجائزة الكبرى للسلطان أردوغان " ، مرسي الاخواني هذا ألقى خطاباً في تجمع ملأ " استاد " القاهرة الدولي بالجموع ، مع كتل من المعارضين السوريين الإخوانيين ، طالب فيه أتباعه ومحازبيه بالجهاد في سورية لأنه فرض عين ، عندها وصل أردوغان إلى الحد الذي كادت فيه أن تنفجر أوداجه من الغطرسة والإحساس بأن السلطنة باتت قاب قوسين أو أدنى ، حتى أن هذه التحولات الدراماتيكية المتلاحقة ، كادت أن تمنح تركيا عضوية الجامعة العربية ، حتى باتت تدعى في كل دورة عادية أو استثنائية لحضور جلسات الجامعة ، في الوقت الذي أخرجت فيه ليبيا وسورية من باب الجامعة الخلفي .
.
وبعد أن اشتدت الحرب على سورية وحوصرت دمشق ، وباتت تحليلات السياسيين تتوافق وتنبأت المنجمين ، أن الحكم في سورية آيل للسقوط بعد مدة لا تزيد عن الشهرين ، والبعض الآخر حدد انهيار النظام قبل عيد الأضحى ، مما جعل أردوغان يعلن من على المنابر أنه سيأتي دمشق يوم العيد ويصلي في المسجد الأموي ، وكان سعد الحريري قد صرح قبله بأنه سيأتي إلى لبنان عن طريق مطار دمشق ، وبدأت المزايدات والمراهنات على سقوط النظام على كل شفة ولسان وعلى جميع الشاشات العربية والأجنبية ، أما المعارضين السوريين فبدأوا بتوزيع الحقائب الوزارية والمناصب الادارية بينهم ، كل بحسب موقفه وحجم عدائه للنظام في سورية ، الكل يتلمظ مكسباً ينتظره وراء الباب .
وعندما بدأت الأوراق تتساقط الواحدة بعد الأخرى من تونس ، إلى القاهرة ، وبدأت دمشق تتنفس الصعداء وتأخذ زمام المبادرة ، من أيد الارهابيين ، بدأ حلم الجميع وعلى رأسهم تركيا يتضاءل ويسير عكسياً مع تقدم الجيش السوري ، ولكن أحداً منهم حتى الآن لم يعترف بالخسارة المطلقة بل بقي البعض يراهن على تغير الأحوال ، محاولاً ومن خلال جميع التبريرات والتفسيرات الخاصة لسير المعارك اقناع نفسه بأن القادم سيجلب الأمل ، مبعداً بذلك عنه قدر المستطاع السقوط في هوة الاكتئاب ، والتشاؤم واليأس ، والخسران المبين . ويضاف إلى خيبات المعارضين بعد كل هذه الخيبات ، الاحساس بالتشرد والضياع ، وفقدان الأمل حتى من العودة إلى الوطن الذي كان وطنهم وباعوه عند أول منعطف .
أما أردوغان فلقد أعفى صديقه وفيلسوفه أحمد داوود أوغلو من رئاسة الوزارة ، لأنه مناه بصفر مشاكل واذا بها تتحول إلى صفر صداقات ,
.
لم يعترف أردوغان بالهزيمة ، فتدخل في منطقة " بعشيقة " بالعراق ، على أمل أن تتدخل قواته عندما يستعر الخلاف المذهبي الشيعي السني ، بصفته حام للسنة ونصير للمكون التركماني ، مما سيؤدي إلى تقسيم العراق لثلاث كانتونات ، ــ شيعية في الجنوب ، وكردية في الشمال ، وسنية في الوسط ، وهذا يتطابق مع المخطط الأمريكي ، التي كانت أمريكا قد بنت كل سياساتها على هذا المنطق ، لأنها بذلك تحول العراق إلى دويلات متصارعة مذهبياً ، كما أنها تحول دون تقاربها مع ايران ، وذلك بفصل شيعة الجنوب جغرافياً عن ايران بالكانتون الكردي ، والآخر السني الذي سيكون مركزه مدينة الموصل . مستخدمة جميع الأسلحة القذرة في تضخيم الخلافات المذهبية لإيصالها إلى حد الانفصال ، وكان هذا الحلم الأمل يتطاول ايضاً باتجاه ضم دير الزور والرقة إلى الدولة " السنية " التي تحافظ على الكانتون الكردي في الشمال السوري بحسب الرغبات الأمريكية المتعارضة مع الرغبات التركية ، فيصبح الحاجز بين ايران وسوريا جغرافياً وديموغرافياً ، و يطبق الحصار حينها على ايران .
.
لكن الحلم الأمريكي التركي بددته صحوة عرب العراق التاريخية سنة وشيعة وتركمان ، حيث استفاقوا من غفوتهم وشكلوا حشداً شعبياً من جميع المكونات العراقية واتجهوا جميعاً لمحاربة داعش في الموصل ، وهددوا الجيش التركي من أي محاولة للدخول في المعركة ، عندها سيجد الشعب العراقي كله في مواجهته ، حتى المكون التركماني الذي كانت تركيا تدعي تمثيله اشترك في الحشد الشعبي . فسقط الحلم التركي وتبخر بين يديها ، وبقيت قواتها معزولة في جيب " بعشيقة " وها هي القوات العراقية الشعبية والعسكرية تكاد تطبق على الموصل من جهاتها الأربع ، ليس هذا فحسب بل صرح رئيس الوزراء العراقي أنه سينسق مع الدولة السورية في حربه مع داعش ، كما صرح قائد الحشد الشعبي أن المعركة واحدة ضد الارهاب ، وليس هناك ما يمنع من دخولنا الأراضي السورية للوقوف إلى جانب الجيش العرب السوري والقوات الحليفة في قتالهم ضد داعش وأخواتها .
كل هذا أوقع الأتراك في سوء التقدير وباتت قواتهم في العراق أمام خيارين ، إما الخروج بالتي هي أحسن وبخاصة أنه لم يعد عندها أي مبرر للبقاء ، او المواجهة والحرب مع جميع المكونات العراقية ، باعتبار الجيش التركي جيشاً محتلاً وغاصباً .
.
أما في سورية فالأمر مختلف ، فبعد أن شرعت تركيا ابوابها على طول حدودها التي تزيد على /800/ كم لعبور آمن لقطعان المسلحين إلى سورية ، بعد التزود بالمال والسلاح والمخططات والمعلومات الاستخباراتية ، أي أن تركيا العثمانية الجديدة لم تترك وسيلة إلا وقدمتها للمسلحين ، تدرجت أمنياتها من منطقة عازلة ، إلى منطقة حظر جوي للطيران ، ولكن كل تلك الرغبات لم تتمكن من تحقيقها ، فاتخذت من التمدد الكردي الغبي على طول حدودها الجنوبية ، الذي منته أمريكا بكانتون كردي ودعمته بالمال والسلاح ، وفي أول منعطف تخلت عنه وأعلمته أن هذا لم يعد ممكناً ، لأنه يتناقض ومصلحة الحليف التركي ، بهذه الحجة دخل الجيش التركي الأراضي السورية ، مع مجموعة لملمها على عجل من بقايا وفلول ما سمي بالجيش الحر ، بعد تطعيمه بأعداد من مرتزقة الشيخ زنكي ــ الذي كنا قبرناه ــ ، وباسمهم ومعهم أعطتهم داعش وبدون قتال أكثر من قرية وبلدة في الشمال السوري ، عربون وفاء لما كان الأتراك قد قدموه لهم سابقاً من خدمات .
تداعى المحللون السياسيون عرباً وأجانب لشرح التطورات ولتحديد وشرح ابعاد التدخل التركي العدواني ، منهم من قال غايتهم حلب التي يعتبرونها ولاية تركية ، ومنهم من قال حالوا دون الكانتون الكردي ، وأنهم يزحفون الآن لتحرير الرقة ، والآخرون قالوا من الممكن أن يفاوضوا باسم المئات من " الجيش الحر" الدولة السورية مستقبلاً لعلهم يأخذون بعض فتات الكعكة .
.
ونحن نجزم أن لا هذا ولا ذاك ولا أولئك ، ونقول لقد ولى الزمن الذي كانت فيه الدول تحتل أراضي دول أخرى ، الجيش التركي جيش محتل لأرضنا ، وأراضي العراق الشقيق ، ولنا كل الحق بمقاتلته حتى بسكاكين المطبخ إن لم يخرج من تلقاء نفسه ، كما قاتلنا أشرس عدو في الدنيا ــ الارهاب القادم من كل حثالات الأرض ــ وسيخرج صاغراً .
والبعض راح يتحدث عن أحلام تركيا التاريخية ، في ضم الموصل وكركوك وحلب إلى تركيا بصفتها ولايات تركية بحسب أطماعها ، هذه أضغاث أحلام ، فتركيا هي المطلوبة لنا وليس العكس ، فهي احتلت أراضينا من بلدة نصيبين شرقاً ، مروراً بجميع الأراضي الواقعة جنوب جبال طوروس بما فيها أورفه وديار بكر التي سميت على اسم قبيلة بكر العربية التي كانت تقيم هناك ، وكليكيا ولواء الإسكندرون ، وهي أراض عزيزة على قلب كل سوري ، وسيجيئ الوقت الذي نطالب فيه تركيا بكل ما تسببت به من دمار وخراب ، بما فيه سرقتها لمعامل المنطقة الصناعية في حلب ، كما أننا نحمل تركيا المسؤولية عن جميع الدماء الطاهرة التي أريقت والأرواح التي أزهقت على الأراضي السورية ، إلى جانب السعودية وقطر وجميع دول العدوان ، ولن نقبل بالاعتذار ــ كما فعل بلير بشأن غزو العراق ــ .
أما الزعم بتحرير الرقة من قبل الجيش التركي هو محض ادعاء ، والرقة لن يحررها سوى جيشها البطل ، الذي سيستقبله شعبنا الأسير هناك المغلوب على أمره بالزهور والرياحين عند مشارفها ، كل من لا يعرف شعبنا لا يحق له التكهن وتوزيع الفتاوى .
.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأهم وغير المدرك بل والغائب عن أذهان المحللين وتجار السياسة ، أن هذه الحرب بالرغم من فداحتها ، عملت على توحيد الدم العراقي السوري ووحدة الدم ستقود إلى وحدة المصير المشترك .
……………………..المستقبل هو الحكم ………………