دعوات تكثر يوما بعد يوم لعودة المستثمرين السوريين إلى وطنهم سورية، للمشاركة في إعادة الإعمار، ومؤخرا قامت مجموعة من رجال الأعمال السوريين في مصر بإحداث جمعية المستثمرين السوريين في مصر، تمهيدا للعودة إلى سورية والمشاركة في عملية إعادة الإعمار، كما دعا وزير الصناعة كل المستثمرين في الخارج للعودة وضمن لهم أن تكون وزارة الصناعة محامي الدفاع عنهم وان يقدم لهم كل التسهيلات…
وهنا نطرح عدة أسئلة، هل حان وقت العودة للصناعيين والمستثمرين الذين هاجروا نتيجة الحرب وخاصة مع الانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري ما يرفع من مؤشرة الآمان والذي يعتبر العنصر الأهم لأي استثمار…وهل يوجد مقومات كافية تشجع المستثمرين للعودة من قوانين استثنائية وبنى تحتية؟ والأهم كيف نستطيع جذبهم للعودة في ظل الظروف الحالية؟.
استثمارات السوريين في الخارج
في حال أردنا أن نحصر حجم الأموال السورية الهاربة من الحرب، فإنها ستكون تقديرية ولكنها ليس بقليلة، حيث قدر حجم الأموال المهاجرة إلى دول الجوار بنحو 22 مليار دولار، وذلك في ظل غياب رقم رسمي للاستناد عليه في هذه القضية، وهنا لا بد من الاعتماد مبدئيا على ما ذكر من حجم الاستثمارات السورية في دول الجوار التي شملت مصر ولبنان وتركيا والأردن، فحسب ما ذكرته منظمة الأسكوا فقد بلغت الأموال التي أدخلها السوريون إلى لبنان حتى نهاية عام 2015 نحو 11 مليار دولار، أما في الأردن فقد بلغ حجم الاستثمارات السورية نحو ملياري دولار، تتجه في معظمها في قطاع الأغذية والحلويات، حيث افتتح السوريون نحو 3 آلاف مطعم في الأردن بنسبة 20% من المطاعم الموجودة في الأردن وذلك حسب تقرير لنقابة أصحاب المطاعم في الأردن وكان قد وصل عدد المستثمرين السوريين إلى أكثر من 191 مستثمراً وبلغ عدد المصانع السورية المسجلة 370 مصنعاً، وفقاً لرئيس لجنة المستثمرين للمناطق الحرة الأردنية، حيث تقدر صادرات المناطق الحرة الأردنية السنوية بـ5 مليارات دولار، منها نصف مليار دولار تأتي من الشركات السورية أما في مصر وبحسب الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة التجارية في مصر، فقد بلغ عدد المستثمرين السوريين في القاهرة وحدها ما يناهز 100 مستثمر وظفوا أموالهم في قطاعات مختلفة كان أهمها قطاع الألبسة الجاهزة وقد أنشأ السوريون هناك 70 معملاً، إضافة إلى 300 شركة قيد الإنشاء، حيث تقدر الاستثمارات السورية في مصر بملياري دولار وظفت في مشاريع متنوعة أهمها صناعة الملابس، ساهمت بتوفير نحو نصف مليون فرصة عمل، وفي تركيا فقد شكل العام 2015 عام إنشاء الشركات السورية في تركيا حيث وصلت أعدادها لأكثر من عشرة آلاف شركة مسجلة وغير مسجلة بحسب تقارير صادرة عن الحكومة التركية، مشكلة نسبة 22.3% من مجموع الاستثمارات الأجنبية عام 2015 في تركيا والتي بلغت بحدود 300 مليون دولار، حيث أسس رجال الأعمال السوريون خلال هذه الفترة 1429 شركة، منحتهم المركز الأول، وبفارق واسع عن الشركات الألمانية التي احتلت المركز الثاني بـ310 شركات. فوصل مجموع الاستثمارات السورية في تركيا لأكثر من 1.2 مليار دولار، كما استثمر السوريون نحو 71 مليون دولار في مشاريع مشتركة مع رجال أعمال أتراك، ومن المتوقع حسب تقديرات الحكومة التركية أن تزداد هذا العام بعد صدور قانون العمل للسوريين الذي سمح بإنشاء شركات برأسمال سوري خالص شرط الحصول على إقامة العمل بعد أن كانت في السابق لا تسمح بنسبة ملكية تتجاوز 49% مقابل 51% للأتراك في شركات ينشئها سوريون.
صناعي: الصناعيون في الخارج خاسرون معنوياً
الصناعي زياد الرهونجي لفت إلى أن الأوضاع الصعبة والمعاناة التي واجهها الصناعيون أثناء الحرب على سورية جعل قرار قلة منهم أن يغادروا سورية للدول المجاورة، مشيرا إلى انه لاشك أن بعضهم نجح في إيجاد موطئ قدم في تلك الأسواق التي نقلوا لها آلاتهم وخبراتهم المتراكمة وربما حققوا انتشاراً وبعض الأرباح المادية ولكن خسارتهم المعنوية لا تقدر بثمن، فهم كانوا وما زالوا ينتظرون الفرصة المواتية للعودة لوطنهم سورية، لكن مع الأسف يتجاهل المسؤولون حجم تأذي الثقة بين الحكومة وبين الصناعيين في الداخل، فلم تعد تنفع الوعود والتصريحات مهما كان مصدرها.
وأضاف الرهونجي في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن المطلوب خطوات عملية على الأرض تظهر بعض المصانع قبل وبعد… من خلال برنامج تلفزيوني ببث مباشر في كل يوم لمدة ساعتين على الأقل، كما أن من أهم العوائق هي الطاقة الكهربائية والوقود بحيث تعطى الأفضلية للتجمعات الصناعية وللمعامل القادرة على التصدير دون أي انقطاع الكهرباء ووصلها بخطوط التوتر العالي، واعتبار سلاح الصناعة الوطنية وخاصة القابلة للتصدير لا يقل قيمة عن سلاح المعارك العسكرية وما الضير من تقديم لهم خدمات الدعاية والإعلان مجاناً في الطرقات وعلى القنوات الفضائية الحكومية لمدة عام كامل وتكريم أبطال التصدير لدفعهم معنوياً ورفع شعار صنع في سورية.
ولفت إلى أهمية التركيز على مراقبة الجودة الأعلى وبالسعر المناسب والمنافس في الأسواق العالمية، قائلا: “دعوا الصناعيين الذين خرجوا يعودوا ويجلبوا معهم شركائهم وزبائنهم الجدد، لا ولن تنجح الحكومة إلا إذا اقتنعت بأنها الشريك الأكبر والأقوى لكل صناعي وحرفي يضع كل ما يملك لخدمة صناعته وبالتالي يكونوا من أهم المحركات الاقتصادية الوطنية”.
دعم الصناعيين في الداخل أولا
في حين بين أحد الصناعيين، تعليقا على دعوة وزير الصناعة لعودة المستثمرين السوريين في الخارج، قائلا: “كيف للوزير أن يدعو المستثمرين السوريين في الخارج، والصناعيين الموجدين في سورية وصلوا إلى حالة الإنعاش ما قبل الموت”، مؤكدا على أن أهمية تحقيق جميع الشروط الخاصة بحماية الاستثمار والإنتاج المحلي، فالقوانين الحالية لا تحوي أي محفزات للمستثمرين لكي يعودوا عدا عن الظروف الصعبة التي يواجهها الصناعي المحلي حاليا في سورية، من انقطاع طويل الكهرباء، وصعوبة الحصول على المحروقات، وقلة اليد العاملة وآلاف العقبات..
ونوه في تصريحه لـ”سينسيريا” إلى أنه من السهل التصريح والحديث عن دعم الصناعيين والمستثمرين، ولكن هل سأل الوزير نفسه ما هي شروط ومقومات نجاح أي عمل استثماري، وهل سأل الوزير أي مستثمر أو صناعي عن شروط وتكاليف الإنتاج؟..لذا قبل أن يتم دعوة المستثمرين للعودة فيجب تقديم لهم محفزات وأن يتم وضع قوانين تحمي منتجاتهم وليس أن نرى الأسواق مليئة بالبضائع الأجنبية وبالأخص البضائع التركية وخاصة الأقمشة، لذا يجب مكافحة التهريب بكل أشكاله انطلاقا من المصلحة الوطنية الاقتصادية.
الاستثمار في الوطن خير للجميع
نهاية القول: نؤكد على أن الاستثمار في الوطن هو خير للجميع، ومن الأهمية بمكان أن يقوم المستثمرون السوريون في الخارج بالعودة إلى وطنهم، وخاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، لرفع معدلات الإنتاج المحلي وخرق الأسواق الخارجية، ورفد سوق العمالة وتقليل معدل البطالة، وتعزيز من قوة الليرة السورية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في ظل وجود قوانين استثمارية محفزة ومشجعة لعودة الصناعيين والمستثمرين، ووضع قانون استثمار استثنائي يلائم المرحلة الحالية والقادمة، ووضع حد للترهل والإجراءات الخاصة بالاستثمار والإنتاج، وتسهيل استيراد المواد الأولية الخاصة بالصناعة وحماية المنتج المحلي من أي منتج مشابه له، عبر فرض ضرائب ورسوم عالية عليه.
عن سينسيريا