عبارات متداولة في قرى وأرياف الأوراس ، تترجم في معناها الشجاعة والنبل والصدق ، وكل ما له صلة بالرجولة والفحولة .. ، تدور مواضيعها حول شخصية عبد الصمد الغامضة قد تختلف صياغة هذه المقولة من منطقة الى أخرى ، بحذف أو إضافة اصطلاحات غير مؤثرة في مفهوم العبارة ، فهناك من يقول عبد الصمد ڤال كلمة أو مات ، وهناك من يقول "عبد الصمد ڤال كلمة أوصد " ، أي رحل ولن يعد في مفهوم اللغة الشعبية الجزائرية ، وأيضا يقال في أقصى الشرق الجزائري "عبد الصمد ڤال كلمات " ، وقد تبدو هذه المقولة الأخيرة هي الأصح على الإطلاق ، لأن الحكماء لا يكتفون بقول واحد فقط ، فلسفتهم في الحياة واسعة ومفهومهم لها أوسع ، كما يقول المثل الشعبي : "مَا خَلاَّوْ الاَّوْلِينْ مَا يڤُولُو الاَّخْرينْ "
.
هذه العبارة الشعبية تطرق مسمعي كلما نزلت ضيفا على أهالي الأوراس ، فسألت نفسي ذات مرة من باب الاهتمام والإطلاع والفضول أيضا ، من تكون هذه الشخصية يا ترى ؟ " عبد الصمد"، لماذا لا أعرفها …؟ وقد قضيت معظم أوقاتي في التنقل بين قرى ومدا شر هذه المناطق اقتفي أثار ومخلفات الماضي ، لم أترك بقعة إلا ووصلتها راكبا أو راجلا أستفسر أهاليها عن كل غامض ، أقصرت في واجبي هذه المرة ؟ – أصرفت نظري عن وجهة من أوراس التاريخ ؟ وأكون قد اقترفت ذنبا لا يغفر ..!؟ – وبينما أنا في سجال مع نفسي ، راودتني فكرة تدارك ما مضى وفتح صفحة جديدة أصل بها إلى معرفة هذه الشخصية الغامضة ، التي هي على السن كل الناس دون معرفتهم لها ، فكانت لي خطوة أولى من خلال مساءلة الباحثين والمهتمين بشؤون التراث والعارفين بخباياه ، وقد واجهت متاعب مكلفة ، كدت أنصرف عن الموضوع لولا الفضول وحب الاطلاع اللذان أخذا جزءا من حياتي ؛ تلتها محاولة أخرى متعارف عليها لدى جامعي التراث الشفوي ، ألا وهي التقرب من العنصر البشري المسن والاعتماد على أصحاب الذاكرة القوية ، فتوصلت في التجربة الثانية لروايات تستطرق مفاهيم عدة ، تصب أحيانا في الأساطير القديمة ، وأحيانا أخرى لها اتصال بقداسة الثورة التحريرية ، عندئذ استسلمت للفشل وصرفت نظري عن الموضوع مكرها وقلت : "اَلِّلي عْشَاهْ ڨَلْيَه يَبْدَاهَا بَالْغَزْ".
البحث والتراث
مجمل محاولاتي باءت بالفشل فأجبرت على طي صفحة الموضوع وإدراجها في الماضي ، وليس هناك ما يدعو لإحياء الفشل – وبعد مرور أزيد من سنتين طلب مني تحضير موضوع أخر في التراث دائما ، استحضرت له مجموعة مجلات التراث الشعبي عيرت لي من مكتبة عمومية ، صدرت عن المركز الفولكلوري في وزارة الإعلام العراقية ، وبينما أنا منهمك في البحث ، لفت انتباهي العدد الثالث من المجلة لما يحمله من مواضيع قيمة ، تصفحت سطورها بشغف كبير إلى أن بلغت الصفحة المائة وتسعة وأربعين ،أين قرأت موضوعا عنونه " عبد الصمد قال كلمات " للباحث الكبير محمد المرزوقي ، من أعظم ما أنجبت تونس الخضراء ، باحث من طينة الكبار قدم معارف جليلة وأثرى الساحة الثقافية بمؤلفاته القيمة ، وعنوان الموضوع يعود في الأصل لكتاب صدر للمؤلف عن الدار التونسية للنشر عام 1968م في 134 صفحة احتجن في طياته مجموعة من الألغاز أو الأحاجي يقول عنها شارح الكتاب و مقدمه الأستاذ محمد المرزوقي : هذه هي المجموعة الثانية من الآداب الشعبية و هي خاصة بالأحاجي أو الألغاز ، تسمية هذا الكتاب "عبد الصمد ڤال كلمات " يعود إلى رجل اشتهر بالأحاجي و أحكام نظمها و ضبط شروطها و يعرف عند العامة بعبد الصمد ، وهو من أحفاد أو أقارب الشيخ عرفة الشابي الذي كان حاكما لمدينة القيروان و استقل بأمرها في آخر عهد الدولة الحفصية بتونس – و في أيام الملك الحفصي الحسن بن محمد المتولي سنة 932-1562، ويشير الكاتب الى قول آخر للمحقق الأستاذ البشير خريف أن عبد الصمد هذا هو ابن محمد بنور بن عبد اللطيف بن أبي الكرم بن احمد بن مخلوف الشابي .
تفرق الأبناء
الأتراك من القيروان أواخر القرن العاشر الهجري فتشرد أفرادها و تفرقوا في أطراف البلاد التونسية ، من بينهم عبد الصمد هذا الذي مال إلى الحياة مع احد أحياء الأعراب بالبادية فترأسهم و تولى أمرهم بفضل دهائه و حكمته ، والعائلة الشابية تعود في الأصل إلى مدينة الشابية الواقعة بولاية المهدية وسط الساحل التونسي ، وقد سبق للعائلة الشابية القيام بالثورة ضد الدولة الحفصية خلال القرن 16 للميلاد وأسسوا حركة صوفية ، ومن أشهر قادتها الأمير عبد الحق بن عرفة الشابي والفقيه عبد الصمد الشابي ، وسقطت هذه الدويلة على أيدي الأتراك ، ثم تفرقوا وذهب بعضهم إلى الشرق الجزائري خاصة سوق أهراس وخنشلة ،أين أسسوا الزاوية الشابية بششارولاية خنشلة تتبع الطريقة الناصرية وظهر منها تيارين : الأول ديني يمثله مسعود الشابي الذي تنسب له الزاوية ،والثاني سياسي يمثله عبد الصمد الشابي
.
حكم عبد الصمد
كان عبد الصمد الشابي ينظم الحكم و الأحاجي حتى ذاعت شهرته بذلك فنسبت إليه عامة هذا اللون من الأدب ، و كثر في أول أحاجيهم قولهم عبد الصمد ڤال كلمات -" أَسَّمْعُوا يَا نَاسْ اُو لاَ مَارَة أشْهُودِي عبد الصمد ڤال كلمات الأنثى شْرِيفَة وَاَلذْكَرْ اِهُودِي"، ووصفوا كل أحجية متينة التركيب تامة الشروط بأنه كلام صمدي، بل أنهم يصفون كل كلام حسن بأنه صمدي و لو كان في غير الأحاجي وعلى هذا فالأحجية تنقسم إلى قسمين :
الأحجية الصمدية : وهي المعتبرة عند الأدباء و التي يستطيع مؤلفها أن يرمز إلى الشيء المقصود منها بأوصاف لا يشاركه فيها غيره من الأشياء و أن يورد السؤال في أسلوب فني لا حشو فيه إلا عند الضرورة كزيادة كلمة للتعمية مثلا و هي متينة الأسلوب كاملة الشروط .
الأحجية غير الصمدية: و هي غير الجامعة لأوصاف الشيءالمقصود. و يدخل في هذا النوع ما يكون تام الشروط بالنسبة للأوصاف الجامعة المانعة إلا أن نظمه متهافت الكلمات و الجمل، يكثر فيه الحشو والألفاظ التي لا معنى لها – وانتهت رحلة البحث في الموضوع بقول المثل الشعبي : " إِذَا أَبْطَاتْ رَاهِي تَحْفَرْ عَلْ لَعْرُوڨ "
الجزائر : الإعلامي عيسى بوذراع